لماذا تدهور مشروع النشر بالثقافة الجماهيرية ؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الزميل جرجس شكري علي الصفحة الخامسة من هذا العدد، وبغض النظر عن إجابته التي تتشكل من نفس الزاوية التي أتحدث عنها، وهي ملاحظاتنا عن هذا المشروع انطلاقا من مشاركتنا في أعمال لجنة شكلت لدراسة مشروع النشر.. لكننا قبل النهاية انسحبنا بخطاب أرسلناه في حينه للقائم بأعمال رئيس هيئة قصور الثقافة. جاءت مشاركتي في هذه اللجنة، انطلاقا من وعي بقيمة هذا المشروع الهام، الذي شاركت في لحظات تأسيسه الأولي علي يد حسين مهران رئيس هيئة قصور الثقافة الأسبق، الذي كان يستمع لاقتراحات المثقفين والأدباء وكان لا يمانع من اصدار سلسلة تخدم أهداف الهيئة، لكن حدث توسع غير مفهوم، تم عبر رؤساء الهيئة الآخرين.. بعض هذه السلاسل أنشيء من أجل مجاملة شخص ما، يريد هذا الرئيس أن يتقرب منه، والغريب أن هناك سلسلة تم انشاؤها مجاملة لرئيس الثقافة الجماهيرية نفسه، بمعني أن هذه السلسلة يرأسها رئيس الهيئة، ومن خلالها يتمكن من أن ينشر مباشرة لأي شخص يرغب في مجاملته، دون أن يعرض هذا الكتاب أو ذاك علي رئيس تحرير أي سلسلة.. فرئيس مجلس ادارة هيئة قصور الثقافة هو نفسه رئيس تحرير هذه السلسلة!!، وقد صدر حينها العديد من الكتب التي لا هدف من ورائها سوي المجاملة، لدرجة أن أحد أعضاء اللجنة التي أشرت إليها سابقا، وهو من أبناء الهيئة، ذكر أن موسوعة ما كلفت الهيئة - ونشرت في هذه السلسلة - ما يقرب من 400 ألف جنيه، وهنا ورغم ثقتي أنني أعرف الكثير عن الثقافة الجماهيرية، إلا أن هذا الأمر أصابني بدهشة بالغة، علي هذا الاعتداء السافر علي المال العام وهذا التجرؤ غير المفهوم (الغريب أن رئيس الهيئة الذي فعل ذلك جاء بعد ثورة يناير 2011)، الأغرب أن هناك سلسلة أخري تسمي "خارج السلاسل".. هل معقول، لهيئة لديها أكثر من عشرين سلسلة، أن تجد مادة تنشر خارج سلاسلها، لدرجة انشاء سلسلة باسم "خارج السلاسل"!!. هذه تبدو أنها تفاصيل صغيرة في قلب مشهد مرتبك للنشر في الثقافة الجماهيرية.. هذا الارتباك مرده عدم وجود نية حقيقية للإصلاح، وهو ما يصيب أي انسان بإحباط، رغم أن الهيئة تمتلك شبابا لديهم رؤية واضحة المعالم للنشر، في حين أن قيادتها لا تمتلك هذه الرؤية ولا الشجاعة في الطرح، فالغريب - وهذه كلمة تكررت - للأسف كثيرا في هذا المقال - أن هؤلاء الشباب طرحوا بوضوح رؤية لإصلاح النشر في الثقافة الجماهيرية، لا تقوم علي اغلاق سلاسل بعينها، بقدر ما تسعي إلي أن تعالج السلبيات التي طرأت خلال مسيرة هذا المشروع. وفي أثناء هذه المعالجة قد تحذف سلسلة أو تدمج بل تم اضافة سلاسل جديدة.. هذا ما حدث.. لكن ذلك يبدو أنه لم يأت علي هوي القيادات!!. الحديث عما وقع في هذه اللجنة يطول وبالتأكيد سأعود إلي تفاصيله يوما ما، لكن الغريب - للمرة ال.... - أن ما حدث في هذه اللجنة.. حدث شبيه له في لجنة النشر التي شكلها وزير الثقافة الأسبق د.جابر عصفور من أجل أن تضع ملامح عامة لسياسة النشر بالوزارة.. بداية هذه اللجنة لم تجتمع أكثرمن ثلاث مرات، منها مرتان في عهد د.جابر عصفور ومرة في عهد د.عبدالواحد النبوي، عكس لجنة النشر بالثقافة الجماهيرية التي اجتمعت أسبوعيا علي مدار ثلاثة شهور.. لكن ما يجمع اللجنتين هو عدم تنفيذ القرارات.. والسؤال هو متي ينتهي هذا العبث ؟!. ولكي نعرف حجم هذا العبث أذكر واقعة واحدة، عرض أحد رؤساء الهيئات بشفافية كبيرة، ان احدي المجلات لا توزع أكثر من 167 نسخة فكان قرار اللجنة - في وجود وزير الثقافة د.جابر عصفور - غلق هذه المجلة وتوجيه ميزانياتها لصالح مجلة أخري (لم ينفذ هذا القرار!!)، كما قررت اللجنة ان مجلة الفن التشكيلي التي تصدر عن هيئة قصور الثقافة الأولي بها أن تصدر عن قطاع الفنون التشكيلية، الي الآن مازالت تصدر عن الثقافة الجماهيرية!!، هذه أمثلة علي سبيل المثال. الحقيقة في ظل هذا الوضع هناك تساؤل يجب أن يوجه لوزير الثقافة مباشرة لماذا هذا الصمت.