إذا لم تكن الكاتبة الكندية المرموقة مارجريت أتوود (18 نوفمبر 1939) قد تركت بصمة واضحة في عالم الكتابة بعد أن ألفت أكثر من أربعين كتابًا ما بين روايات ومقالات وقصص قصيرة ودواوين شعرية وقصص أطفال وأعمال نثرية، فإنها قد ضمنت الآن الفوز بقراء جدد في القرن الثاني والعشرين. ففي مايو الماضي، أصبحت أتوود أول كاتب يتقدم بعمل أدبي ل "مكتبة المستقبل" بالنرويج، والتي تعتبر كبسولة زمن أدبية تضم أعمالا لمائة كاتب لن يتم نشرها حتي عام 2114، أي بعد مائة عام من الآن، وذلك رغم مرارة الواقع الذي تحكيه أتوود دائما في عوالمها المستقبلية المتضمنة بأعمالها الأدبية، حيث تعيث الشركات الكبري فسادا، ويتم تصميم الحيوانات المهجنة وراثيا، وتجبر النسوة الفقيرات علي ارتكاب الرذيلة من أجل انجاب أطفال للطبقة الحاكمة. أتوود نشرت حديثًا رواية "القلب يمضي أخيرا"، إذ تحكي عن الزوجين ستان وتشارمين اللذين يعيشان في مجتمع أمريكي معاصر مختلف قليلا عن المجتمع الحالي، بعد أن أصبحا بلا مأوي عقب حدوث انهيار اقتصادي، وهي أول رواية تنشرها منذ روايتها "القاتل الأعمي" التي فازت بجائزة البوكر عام 2000. تروي أتوود كيف أن الزوجين ستان وتشارمين يتم إغراؤهما بعرض للعمل والحصول علي منزل مناسب شريطة المشاركة في مشروع تديره إحدي الشركات العملاقة، بحيث يعيش المتعاقدون مرة كل شهرين حياة مدنية سعيدة، بينما يقضون باقي الوقت كسجناء في سجن ضخم وغامض يعملون به. ومثلما فعلت في روايات سابقة، تدفع أتوود مشكلات الحياة الحالية قدما وصولا إلي أعتم النهايات وأكثرها منطقية في الوقت نفسه. ففي هذه الحالة، تتحدث الكاتبة الكندية عن مشكلات عدم المساواة في الدخل والخصخصة والنظام القضائي ومراقبة الدولة للمواطنين. وتوضح في حوار مع صحيفة (تشاتلاين) الكندية: "لا أحد يكتب حقا عن المستقبل لأننا لا نعرف المستقبل، لكن خيالي التأملي يعتبر تسجيلا ونقدا لأحداث الماضي والحاضر". بخلاف زوجك جرايمي جيبسون، فالرواية مهداة الي ثلاث نساء: الكاتبة الكندية ماريان أنجيل، والروائية البريطانية أنجيلا كارتر، والكاتبة الأمريكية/الكندية جودي ميريل، فلماذا هن؟ حسنا، لقد كنت أعرفهن جميعا، وهن جميعا تركن الحياة الآن، ولكل منهن نهج في الكتابة يدعو لكيلا نقيد أنفسنا في حيز ضيق. لقد كتبن جميعا عن الجنس بطريقة لم يفعلها الكثير من النسويين في الستينيات والسبعينيات ؟ - تعني ممارسة الجنس مع دب؟ (في إشارة الي رواية ماريان أنجيل بعنوان "دب" التي تحكي عن ناشطة في براري أونتاريو كان لها ارتباط شهواني مع دب). أتعرف، لقد كنت أجالس توأم ماريان بينما كانت تكتب تلك الرواية. وهناك قصة طريفة حول كيف بدأ الأمر، فقد كان اتحاد كتاب كندا يحاول حينئذ جمع المال عن طريق قيام كتاب أدبيين بكتابة مجموعة من القصص الإيروتيكية. وكانت ماريان الوحيدة بيننا التي استطاعت أن تكتب شيئا جيدا عن الجنس. ولم تنشر مجموعة القصص الإيروتيكية في نهاية الأمر، ولكن نشرت روايتها "دب". * دعينا نعود الي كتابتك لرواية "القلب يمضي أخيرا". تدور الأحداث خلال مرحلة ركود اقتصادي يشبه كثيرا ذلك الذي بدأ نهاية 2007 أي وقت كتابتك لكتاب "الاسترداد: الدين والجانب المظلم من الثروة"، فهل كان موضوع الانهيار الاقتصادي في ذهنك منذ فترة طويلة؟ - حقيقًة، عندما كنت أكتب "الاسترداد" لم يكن الانهيار الاقتصادي قد وقع بعد، ولكن الكتاب صدر عام 2008 في الوقت الذي بدأنا نشعر فيه بتداعيات الركود الاقتصادي، ولذلك ظن الجميع أنني أمتلك بللورة سحرية، ولكني كنت أتابع الملصقات الإعلانية في مترو الأنفاق، كعادتي، لأري كل تلك الشركات المتخصصة في التخفيف من الأعباء الائتمانية وسداد القروض، فشعرت أن هناك أمرا يحدث. وقبل رواية "القلب يمضي اخيرا" كنت أفكرا كثيرا بخصوص السجون، نوعا بسبب الاحتجاجات علي غلق مزارع السجون. ( ففي 2009، أعلنت حكومة حزب المحافظين في كندا عزمها إغلاق المزارع التي تديرها في ستة سجون بمختلف أنحاء البلاد بينما كان ذلك البرنامج واحدًا من أنجح مشاريع إعادة تأهيل السجناء في البلاد). فنحن لم نقرر حقا الهدف من السجون. هل هي للعقاب أم للتأهيل أم لمنح المدانين بداية جديدة؟ هل هي لحماية العامة؟ في بعض الحالات نعم هي إجابة آخر سؤال، فنحن لا نريد لهانيبال ليكتر أن يمرح في البلاد ليأكل لحوم البشر. ولكن في حالات كثيرة هناك استعجال بشأن الزج بالبشر الي السجن بدون النظر الي الخيارات الأخري لمعالجة القضايا الأساسية التي دفعتهم لارتكاب الجرائم. وكان أحد النماذج التي عملت عليها هو ماضي استراليا كمستعمرة جزائية، حيث في البداية كان هناك رجال فقط فكانت فوضوية للغاية وغير منضبطة، لذلك جاءت فكرة استقرار الرجال بها عن طريق إرسال نسوة إليهم. ولكن لم يكن هناك عدد كاف من النساء في السجون لسد الحاجة، لذلك عمدوا إلي تجريم المزيد من السلوكيات وإصدار أحكام قاسية ضد النساء لسد العجز. أما اليوم فلدينا سجون ربحية، لذا يواصلون امدادها بالسجناء، إنه حافز لخلق المزيد من المجرمين. القضية التي تلقي بظلالها علي الرواية هي الخيار بين الحرية والأمان، حيث أن ستان وتشارمين يتعرضان لظروف صعبة ويلاحقهما عصابات من المغتصبين والقتلة، لذا اختارا التخلي عن حريتهما ليحظيا بنوع من الأمان والاستقرار. هل سيلقي التقارب بين الخيارين قبولا؟ - الجانب الجيد بالنسبة لستان وتشارمين أنهما أخيرا حصلا علي منزل لطيف، والجانب السيئ أنهما يمضيان نصف حياتهما في السجن. إنه حل وسط خطير. والأسئلة المطروحة منذ البداية هي "ما الذي يجب علي فعله للإبقاء علي أسرتي في أمان؟" إذا لم يكن لدينا هذه المشاعر ما استطاع الجنس البشري البقاء علي قيد الحياة. ولكن السؤال الحقيقي يجب أن يكون "ما هو الأمان؟" بسبب هذه المخاوف نميل لأن يتم استغلالنا؟ - نعم. عدد كبير من الناس سيموت جراء حوادث السيارات أكثر منه جراء هجمات إرهابية، ولكننا أكثر خوفا من الإرهاب. لو كنت حقا لا تريد أن يموت الناس، خفّض حد السرعة القصوي المسموح به أو ضع أجهزة مراقبة مستوي الكحول في الدم ما سيمنع المخمورين من القيادة. لقد كنت من أشد منتقدي قانون مكافحة الإرهاب (المعروف بقانون سي- 51) الذي أصدرته حكومة ستيفن هاربر ويمنح، من بين أشياء أخري، سلطات غير مسبوقة للحكومة وأجهزة الشرطة والأمن لمشاركة المعلومات الخاصة أو جماعة يعتقد أنها تشكل خطرا علي الأمن الوطني. - المشكلة بخصوص (قانون سي-51) أنه ليس هناك رقابة أو ملاذ للأشخاص المستهدفين. يمكن للحكومة تدمير حياتك وليس هناك ما يمكنك أن تفعله حيال ذلك. إنها سوف تتجسس علي كل ما نفعله. إنه أمر سخيف. * في الرواية، يصارع ستان وتشارمين أيضا مبدأي الالتزام والحرية في إطار زواجهما. - إنها ليست فقط مسألة سياسية، إنه سؤال جوهري لنا جميعا: ما مقدار الحرية التي سنحظي بها حقا وما المقدار الذي نريده حقا. والإجابات ستكون فردية، فبعض الأشخاص لا يريدون مقدارا كبيرا من الاختيار. إنهم يريدون من الآخرين أن يتخذوا القرارات نيابة عنهم. بينما يريد آخرون خيارات لا نهائية. بالحديث عن الخيارات اللانهائية والحميمية، أريد أن أسألك عن الجنس في الرواية، فبدون الكشف عن الكثير، هناك حبكة فرعية تدور حول تصنيع دمي جنسية متقنة يصممها الأشخاص لتشبه أي شخص أو أي شيء يرغبون فيه. - يحدث هذا بالفعل حاليا. ففي اليابان يصنعونها بشكل واقعي للغاية لدرجة أنها ينتابها الأورجازم ودرجة حرارتها تماثل درجة حرارة جسم الإنسان! ما الهدف؟ - أعتقد أنه الخوف من الرفض. ولكني قرأت مقالا حول أشخاص يشترون هذه الدمي الجنسية باهظة الثمن ويقولون إنهم يحبونها لأنها لا تتشاجر معهم ولا تزعجهم أو تضايقهم أو تخدعهم أو تطلب منهم إخراج القمامة. يبدو هذا توصيفا حزينا للرومانسية الحديثة! - إنه توصيف حزين حول العزلة الإنسانية. إنها الصورة النهائية لرغباتنا وقدراتنا المتزايدة للسيطرة علي كل شيء في حياتنا لدرجة أنه ليس هناك أشخاص آخرون في حياتنا. يفعل البشر ما يفعلون وبعد ذلك يكون غريبا حقا، وطالما كان كذلك. أحب الاقتباس الذي وضعته في بداية الرواية عن الصحفي آدم فروتشي. لقد كتب قصة لموقع (جيزمودو) عام 2009 بعنوان "لقد مارست الحب مع الأثاث" تدور حول الدمي الجنسية الجديدة والغريبة التي يتم تطويرها. وقال في القصة "لقد مارست الجنس مع جماد حتي لا تضطر أنت لذلك". ففي المجتمع الاستهلاكي، ينتهي كل شيء إلي محض سلعة يمكن دفع ثمنها، فيصبح كل شيء مقبولا. لذلك يصبح السؤال المطروح هو: ما مقياسك للأمر الطبيعي؟