لعبت صحف ومجلات الفكاهة دوراً هاماً لدي المتلقي في فترات الصراع الدائر سواء علي مستوي القصر وعلاقة الاحزاب به أو في حالة الفساد الاداري والمالي وتدني مستوي المعيشة لدي الغالبية العظمي وكانت تلك المجلات الفكاهية بمثابة الافراز الداخلي لشحنة الغضب المتراكم لدي المواطن البسيط لذلك تلاحظ انتشارها وزيادة عدد المطبوع منها حتي وصلت إلي أرقام فلكية في التوزيع.. الامر الذي وصل إلي رفض البعكوكة والاستغناء نهائياً عن الاعلانات وكانت مصدر دهشة لمحرري المجلة ولكن رأي صاحبها محمد عزت المفتي أن استغلال اماكن الاعلانات في مواد تحريرية من نكت و كاريكاتير وازجال سوف يضاعف من التوزيع وهو الأهم.. ولقد نجحت التجربة ووصلت المجلة إلي أعداد كبيرة في التوزيع لدرجة الاستغناء عن اعلانات بنك مصر والسكة الحديدب المرتبطين مع البعكوكة بإعلانات سنوية وانفردت البعكوكة - ربما تكون الوحيدة في العالم - بهذه التجربة الرائدة.. يوضح ذلك التأثير الكبير والإقبال الجيد من القارئ للصحافة الفكاهية الترمومتر الداخلي الذي يرضي آماله ويخفف آلامه بعض الشئ.. واستمراراً لهذا النهج صدرت مجلة الفكاهة. أعمال الفنان التركي الاصل رفقي تصدرت رسومه الاغلفة في السنوات الاولي من عمر المجلة والغلاف الاخير نوادر ابو نواس المصورة أو قصص جحا المصري وكانت تكتب علي هيئة أزجال بالعامية المصرية وغالباً ما كان يكتفي الرسام بمجرد الرسم فقط أما الافكار فهي من صناعة المجلة واسرة التحرير وحاولت المجلة الاستعانة برسوم الاجانب تحت مسمي االفكاهة في الخارج وترجمة التعليق اسفل الرسم.. وعندما نتصفح المجلة تكتشف رسوما كاريكاتيرية بريشة شوقي وهو الشقيق الثاني للفنان رفقي وهناك شقيق أكبر إسماعيل الذي كان يعمل بالتجارة وتنوعت ريشة رفقي علي الصفحات الخارجية االغلاف والاخيرة بالالوان الصريحة بقدرته التشكيلية الرائعة التي تجلت في بعض الأغلفة غير كاريكاتية العدد 108 ديسمبر 1928 وهو تصوير لبورتريه حسناء تمسك قلباً والتعليق (اوكازيون قلب في المزاد) ورفقي هنا مصور قادر علي التشكيل الفني بخطوط قوية ليست بها مبالغة أو ميل كاريكاتيري.. ولقد ترك الرسوم الداخلية لشقيقه الاصغر الذي يبدو أن الحنين عاوده ايضاً إلي التجريب في الكاريكاتير يستخدم الخطوط السميكة القوية بالفرشاة، يملأ المساحات باللون الأسود وأحياناً يجنح إلي الخطوط البسيطة القوية التي ربما يستخدم فيها الاقلام التي كانت قد ظهرت في هذا الوقت أو ربما الاستخدام الجيد لسن الريشة قد يعطي نفس درجة الاحساس.. وكانت الخطوط قوية هندسية بعض الشئ وعلي صفحات نفس المجلة رسوم لفنان تحمل خطوطه تطوراً كبيراً عن الرسوم السائدة في هذه الفترة تحمل الرسوم توقيع خالد دون اي اشارة إلي اسم آخر، الخطوط فيها اختصار شديد لعناصر العمل والاستخدام الجيد للمساحات داخل الكاريكاتير والاهتمام بالتشريح وكسر النسب دون الاخلال بمفردات العمل الجيد ويصل الاختزال عند هذا الفنان إلي حد كبير في العدد 108 لسنة 1928 عندما يرسم قصة مصورة علي أربعة مقاطع نجده يكتفي بالخط الواحد الغليظ للتعبيير عن حركات الشخصيات في تعبير حركي نادر غير النمط السائد للرسوم في هذه الفترة ويمتلك قدرة تشكيلية كاريكاتيرية هائلة وقد تتشابه رسومه بعض الشئ مع محاولات اشوقيب التجريبية عندما تخلي عن الخطوط السميكة واكتفي بالخط الواحد، فهل وقع شوقي علي هذه الرسوم باسم خالد أم أنه فنان آخر مجهول نحاول اكتشافه الآن بعد 80 سنة كاريكاتير؟ أحمد عبدالنعيم