الباحثة مع لجنة المناقشة لأول مرة في تاريخ الدراسات العليا بكلية دار العلوم، تتم مناقشة رسالة ماجستير عن الخطاب السردي في الدراما التاريخية التليفزيونية، وقد خصصت صاحبة الرسالة سميرة أبوطالب دراساتها لتكون في أعمال الكاتب محفوظ عبدالرحمن. تهدف الدراسة الي تقديم قضايا انسانية معتمدة علي اللغة الفصيحة في صياغة المشاهد الخاصة بها ومع ذلك حظيت بدرجة تلق بين فئات مختلفة من الجمهور العربي وهو ما دفع الباحثة الي مناقشة قضايا اللغة والتراث، خاصة اذا كانت تلك القضايا تطرح من قبل وسيط له قوة التأثير علي المتلقي مثل (التليفزيون)، وأهمية إخضاع هذا الوسيط للدراسة النقدية. ولفتت الدراسة الي أن تناول النصوص الدرامية لمحفوظ عبدالرحمن بما تتيحه من تطبيق عملي علي تلك الجوانب، يتجه في الأساس الي معالجة هاتين القضيتين: "اللغة" و"التراث" وما يمكن أن يقدمه هذا الوسيط (المعالجة التليفزيونية من دعم قوي لإثراء الجوانب المتعلقة بكل منها، وهو الجانب الذي أغفلته الدراسات التي قدمت في سياق مماثل). اختارت الباحثة مجموعة من النصوص يتم دراستها لأول مرة من خلال دراسة، نقدية، تعتمد علي منجزات النقد الأدبي مع التنظيرات الخاصة بتقنيات العرض التليفزيوني، لاستجلاء جوانب النص وهذه النصوص هي: "سليمان الحلبي" عام 1975، عنترة عام 1977، ليلة سقوط غرناطة عام 1981 "الكتابة علي لحم يحترق" عام 1987، "مصرع المتنبي" عام 1988، "الخطر" أو (احذروا) عام 1989. كما اختارت المنهج السيميولوجي، لكشف عناصر تكوين الصورة والمشهد، ومن ثم النص الدرامي التليفزيوني وتطبيق البني الدرامية وكشف العلاقات والروابط التي تجمعها. جاءت الدراسة في ثلاثة فصول. في الفصل الأول تناولت الباحثة تحليل الخطاب السردي عند محفوظ عبدالرحمن. وكشفت الدراسة أن محفوظ عبدالرحمن في مجمل نصوصه معني بالضمير الجمعي في هذا الوطن، يخاطبه من آن لآخر ، ليس في قضايا فردية وإنما في قضايا انسانية تتعلق بالهوية والمصير، ولا تضع نفسها في إطار زمني ضيق يتجاوزه النص بانقضائه، ويتجدد معه بتجدد الزمن وتجدد القراءة. وبينت الدراسة، وجود مفارقة من نوع آخر - في بعض عناوين نصوص الدراسة - وهي المفارقة الدرامية، إذ في (الكتابة علي لحم يحترق)، ليس من المتصور عقلا أن تكون الكتابة علي (اللحم)!!، فضلا عن أن يكون هذا اللحم (محترقا)، وهذه المفارقة الصادمة، التي وضعها المؤلف في عنوانه، هي ما تدفع المتلقي للإمساك بتلابيب النص كي يفضح عن تفسيره لتلك الصورة. وتشير الباحثة الي أن المؤلف قد استطاع أن يقدم الصورة الأولية للنص المشهدي التي يتم الدفع بها الي المتلقي اعتمادا علي مفردات شاشة العرض التليفزيوني، وكذلك نجد في نص (ليلة سقوط غرناطة)، صورة الفارس العربي الذي يمتطي صهوة جواده شاهرا سيفه، وهو ما يصنع المفارقة الدرامية التي أرادها الكاتب. فهو وإن كان يقرر منذ البداية أن غرناطة قد سقطت، إلا أنه خلال هذه الليلة التي حددها للسقوط قد رصد كل محاولات المقاومة للحيلولة دون هذا السقوط. وعن العناوين في النص المشهدي أشارت الباحثة الي وجود اختلاف بين عناوين النصوص التي أخضعتها للدراسة، وتلك التي نشاهدها اليوم من حيث التكوين المشهدي، إذ اللجوء الي الامكانات التكنولوجية يسّر من الاعتماد علي مشاهد حية داخل الحلقات كي تعطي إيحاء دراميا لمضمون النص، فضلا عن ادخال أكثر من عنصر مصاحب لهذه اللقطات المتوالية، كالموسيقي التصويرية، وأغاني المقدمة والنهاية علي النحو المستخدم في النصوص الدرامية التليفزيونية التي عرضت لمحفوظ عبدالرحمن (بوابة الحلواني)، (أم كلثوم)، (أهل الهوي). وأكدت الباحثة إن (الكتابة علي لحم يحترق) من أكثر النصوص الدرامية التي جاءت موسيقاها التصويرية معبرة عن المضمون الكلي للنص، الذي يجسد حالة التمزق والفرقة التي سادت الأقطار العربية، ويستنهض الهمم من خلال استدعاء مواقف التاريخ، بل أن كل جملة موسيقية تعتبر بمثابة لغة مضافة أيضا علي النص من خلال النص المشهدي. وعن البناء الدرامي في الدراما التليفزيونية لمحفوظ عبدالرحمن بينت الباحثة أن الكاتب في نصوصه الدرامية، يلجأ إلي هندسة محكمة البناء، ليقدم من خلالها مضمونه، وليس اختيار البناء الشكلي في تلك النصوص، وليد المصادفة، أو الركون إلي نمطية الشكل التليفزيوني لتقديم المضمون فحسب، بل هو وعي وإدراك لطبيعة كل طرح فكري يقدمه الكاتب من خلال تلك النصوص، فهو لكي يعبر عن المقاومة لكل أشكال الغزو، جاء في نصيه (سليمان الحلبي)، و(الكتابة علي لحم يحترق) بمقدمة تمهيدية تأتي مع بداية كل حلقة، لتشير إلي زاوية بعينها، علي من يتخذ من المقاومة سبيلا، أن يكون علي وعي وإلمام بها، وهو ما تؤسس له المقدمة التمهيدية كشكل فني يأتي في نصوص الكاتب الدرامية. وتؤكد الباحثة أن نصوص محفوظ عبدالرحمن، تعكس بشكل كبير مدي الاهتمام ببنية المشهد، بل ببنية اللغة في المشهد، سواء كانت اللغة الدرامية في الحوار، أو لغة الصورة في النص المشهدي، وهو ما يتم معرفته من خلال بنية اللقطة Shot، والتي تعد أصغر وحدة بنائية في النص الدرامي، وتعطي دلالة خاصة في المشهد، علي النحو الذي يدعو المهتمين بهذا المجال، أن يجعلوها (حجر بناء) في النص الدرامي، إن لقطة قريبة Close up مثل تلك التي قدمها نص سليمان الحلبي للافتة مكتوب عليها بالفرنسية sortez De Notre pays، والتي تعني اخرجوا من بلادنا، تجسد مضمونا يدور حوله الصراع في النص الدرامي، واختيار الكيفية التي تظهر عليها تلك العبارة، هو تأكيد لخطابها من خلال لغة الصورة. ولفتت الباحثة الي أن مجموعة النهايات في نصوص محفوظ عبدالرحمن نهايات فنية، تنسجم مع تلك الرسالة التي أرادها الكاتب من وراء استدعاء التاريخ والتراث العربي، كي يناقش من خلالهما قضايا معاصرة، أو يصوغ خطابا يضرب في عمق اللحظة الآتية، وعناصر الحبكة التي تتكون من بداية تعرض من خلالها الخيوط التي تفترض وقوع أحداث تالية، ثم وسط يستمد طاقته من الأحداث السابقة، ويدفع بأحداث جديدة الي الساحة، ثم نهاية تتجمع فيها كل الأحداث السالفة وتنصهر في بوتقة نهائية ولا تحتمل أية أحداث أو مواقف تالية وهي تلك العناصر التي تقدم الشكل الفني الخاص بالدراما التليفزيونية لمحفوظ عبدالرحمن. وعن الحوار في دراما محفوظ عبدالرحمن تشير الدراسة الي أن الحوار السطري (ويعني تلك المبارزات الحوارية التي تأتي فيها الجملة قصيرة في كلمات موجزة والإجابة عليها تكون سريعة)، سمة عامة تميز نصوص أعماله، وتأتي في مواضع تتعلق، دائما بالمقاومة والحث علي اتخاذ قرار حاسم للمواجهة كما تأتي أيضا لضبط الايقاع العام للنص. واختصت الباحثة الفصل الثاني من دراستها لتتناول فيه التراث في الدراما التليفزيونية في أعمال محفوظ عبدالرحمن، مشيرة الي أن محفوظ عبدالرحمن قدم من خلال نصوصه المختلفة صورا رائعة للتراث العربي، وبعث فيها حيوية التناول الدرامي، لتقدم من خلال الوسيط الجديد (التليفزيون)، بشكل لا يشعر المتلقي بالانقطاع أو الانفصال عن واقعه، إذ في حين يلجأ الي التراث بكل عناصره في تشكيل النص الدرامي يطوع هذه العناصر زمنيا، لتخاطب اللحظة الراهنة، فالتاريخ والتراث العربي في نصوصه أدوات لتفسير الوضع الراهن، وهو يتجه إلي الماضي، لا لكي يتجمد النص من خلاله، بل لكي يمد جسورا مع الواقع الراهن مثل توظيفه البنية العامة لألف ليلة وليلة، كتوظيف صورة المرأة في النصوص الدرامية وتعدد استعمال الضمائر في الحوار، والابداع الشعبي، التخفي والمفاجأة. وعند التشكيل الدرامي للتراث في الدراما التليفزيونية لأعمال محفوظ عبدالرحمن أكدت الدراسة أن ما أضافه محفوظ عبدالرحمن للتاريخ هو البعد الانساني الذي يجعل من الفترة التي يقدمها حياة نابضة، لا كتلا محنطة، وحقائق تاريخية جافة، في نص (سليمان الحلبي) قدم لنا البطل المقاوم والمدافع عن حريته، ومن حوله شخصيات أدخلها معه في علاقات طبيعية فيها الضعف الانساني، والتشبث بالبقاء ومنها من يتآمر ومنها من يحب ويذوب حبا، ومنها من يغار، وهذه التوليفة الدرامية هي ما تعطي للحدث التاريخي روحا، ومن هذه النتف الحياتية يصوغ نصه مضفرا مع الحدث التاريخي بشكل لا يخل بأحداث التاريخ. واختتمت الباحثة سميرة أبوطالب دراستها بالبحث في المعاصرة في الأنماط التراثية للدراما التليفزيونية في أعمال محفوظ عبدالرحمن إذ أكدت أن القضايا الفكرية التي عبر عنها محفوظ عبدالرحمن لا ينفصل عن بعضها البعض فكلها يتعلق بالانسان ومصيره، ومن ثم وجوده، وكذلك لا تنفصل عن لحظته الراهنة، فالمتلقي يجد نفسه في الفترات التاريخية التي يشكل من خلالها محفوظ عبدالرحمن أحداث نصه. وكانت قضية الحرية من أكثر القضايا التي ألحت علي الكاتب في أغلب أعماله بل في كل أعماله، وإن اختلف التعبير عنها، ففي كل أعماله كان السجن حاضرا بشكله المادي في العديد من المشاهد، باعتبار أنه المقابل للحرية كما في نص (عنترة بن شداد)، والذي تم عرضه عام 1976. ثم تناولت الدراسة المعاصرة في نصوص محفوظ عبدالرحمن علي مستوي اللغة، فتبين أن لغة الصورة كانت قاسما مشتركا في كل المعاني التي أرادها الكاتب لنصه، بل إن تلك اللغة تشكل نصا موازيا في بعض النصوص المشهدية، فاهتمت باشتغال لغة الصور مع لغة النص الدرامي، وبيان مدي كيفية التجاوب مع مضمون الحوار، وتأتي العناوين المشهدية، كأول ما يطالعنا في النصوص الدرامية، لتعلن عن هذا التلازم بين الصورة ونصها إذ يأتي التكوين في صورة العنوان متوافقا مع خطاب النص الدرامي، علي نحو ما نلحظ في (ليلة سقوط غرناطة)، و(الكتابة علي لحم يحترق)، فكل مفردات الصورة تؤكد ما انتهي إليه النص، من أن ثمة فارسا في الأفق يلوح لكي يستكمل حلقات المقاومة. تمت مناقشة الرسالة بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة، بإشراف د.السعيد الباز، أستاذ البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن، ومناقشة د.عبدالمطلب زيد (الأستاذ بالكلية)، د.سعد أبوالرضا (أستاذ النقد بجامعة بنها).