قدم الروائي الفرنسي إيمانويل كارير، صاحب العديد من الأعمال الإبداعية التي تحولت فيما بعد لأعمال سينمائية، كتابا عن سيرة حياة ليمونوف، الذي صار بطلا لكتاب يحمل نفس الاسم "ليمونوف"، حصل الكتاب عام 2011 علي جائزة رنودو. ورغم بعض الهفوات الأسلوبية والمنهجية في كتاب إيمانويل كارير، تظل هذه السيرة الخاصة بالكاتب المارق والناشط السياسي الروسي مادة جيدة للقراءة. يعرفه المؤلف بالقول: "ليمونوف ليس شخصية روائية. إنه موجود. وأنا أعرفه. لقد كان ذلك الشاب المشاكس المارق في أوكرانيا، ومعبود العالم السفلي في الحقبة السوفييتية أثناء حكم ليونيد بريجنيف، متشردا وخادما لدي ملياردير في حي مانهاتن، كاتبا حداثيا في باريس وجنديا مرتزقا في حروب البلقان، والآن رئيس محبوب سابق لحزب الشباب الضائعين بروسيا ما بعد الشيوعية". يشرح إيمانويل كيف تعرف علي الكاتب الروسي في باريس في بداية الثمانينيات، عندما كان يعمل صحفيا في مجلة "تيليراما"، وكذلك في إحدي الإذاعات الحرة، حيث دعا إدوارد ليمونوف للمشاركة في برنامج كمؤلف لعمل يحمل عنوان: يوميات فاشل دفتر سري . ثم التقي، بعد 20 سنة من ذلك التاريخ، إيمانويل كارير مصادفة بليمونوف في موسكو أثناء مسيرة لحقوق الإنسان مناهضة لفلاديمير بوتين. لكن ما بين عامي 2002 و 2006، عندما قرر إيمانويل إجراء لقاء مع ليمونوف، لم يعد الكاتب ذلك الهيبي، الذي يشبه هنري ميلر، كاتب الرواية الفضائحية "هذا أنا، إديتشكا" عن حياته في نيويورك (1975 - 1980)، التي ظلت "لي تو باريس" تدعوه لحفلات الكوكتيل الأدبي. الآن هو الجندي الصربي الذي شارك في الحرب، ولقطته كاميرا باول باوليكوسكي في فيلم وثائقي للبي بي سي عن الحرب في صريبا حمل عنوان "ملاحم صربيا"، وهو يطلق النار علي مواطنين بوسنيين في شوارع سراييفو، وأصبح رئيسا للحزب القومي البلشفي، ذي التوجه الشيوعي القومي، الأمر الذي عرّضه للاعتقال والسجن. كما صار إيمانويل كارير مؤلفا شهيرا متفرغا للكتابة. ما يعرفه القارئ هو أن ليمونوف كان يدعي "إدوارد سافنكو" في طفولته. وبعد مرور عشرين يوما علي ولادته عام 1943، لقيت جيوش هتلر الهزيمة من الجيش الروسي علي ضفاف نهر الفولجا الروسي. ولما بلغ العاشرة من عمره، كان يذرف " الدموع مثل جميع زملائه في المدرسة" حين مات الزعيم جوزيف ستالين "أبو الشعب"، كما كان الناس يطلقون عليه حينها. فقد كان "طفلا روسيا" تماما في القرن العشرين، لكنه عاش في "مغامرة البحث عن حياته" طيلة الوقت، وتعتبر هذه المغامرة تحديدا هي الموضوع الذي يدور حوله كتاب إيمانويل كارير. يدور الكتاب حول سمة أساسية يحاول إيمانويل كارير التأكيد عليها في شخصية "ليمونوف"، هي أن إدوارد يحاول طيلة الوقت أن "يتجاوز حدود الأمكنة "التي يحيا بها"، ليس هذا فحسب، بل كذلك أن "يتجاوز حدود الحقبة التي يعيش فيها"، ولم يكن "السياق" الذي يحيط به ولا "القيم" التي يفرضها المجتمع علي أي قدر من الأهمية بالنسبة له. بدت حياته عادية، نشأ وكبر مثل أي طفل من أبناء الأحياء الشعبية الروسية في الحقبة السوفييتية، وكان عليه أن يتذكر دائما أن "يحمل سكينا في جيبه". يملك نزعة عدوانية، ميل للقتال دفعه دوما إلي مناطق ساخنة تعج بالصراعات. ولم يكن غريبا أن يكون قريبا من أشخاص وجهت لهم اتهامات بارتكاب مذابح وجرائم حرب، مثل الجنرال البولندي جيرينوفسكي، آخر قادة البلاد قبل سقوط الشيوعية، وغيره من قادة صربيا الدمويين، علي سبيل المثال، حيث شارك معهم يدا بيد في القتل والتدمير. إنه كان يريد الحرب، لم تكن تجذبه النظرة العقلانية للصربيين ممن "يأسفون من الجنون الذي دفعهم إليه سلوبودان ميلوسيفيتش". ويشير ايمانويل كارير في كتابه، أنه وعلي عكس الغالبية من أفراد الشعب الروسي الذين شعروا بالراحة جراء انهيار الاتحاد السوفييتي، فإن إدوارد ليمونوف شعر بغضب شديد، ولم يكن يمزح حينما طالب بإعدام آخر سكرتير للاتحاد السوفييتي، ميخائيل جورباتشوف. ولما استبد به الغضب من جراء إنهيار الاتحاد السوفييتي، غادر بحثا عن منطقة ساخنة ينفس فيها عن غضبه، قصد البلقان، خاض الحرب مساندا لميلوسيفيتش، مقاتلا بين قواته. ويؤكد كارير أن ليمونوف قد عرف السجن عام 2001 جراء "أسباب غامضة تتعلق بتجارة الأسلحة ومحاولة القيام بانقلاب في كازاخستان". وفي ذلك اليوم تم توقيع "التماس" طلبا للعفو عنه في باريس. ولم يتردد المؤلف إيمانويل كارير في وصف شخصية إدوارد ليمونوف بأنه كان بمثابة "أسطورة حيّة"، فقد قضي حياته كأنه في حلم، حياة "مغامر كالتي يحلم فيها كل الشباب وهو في سن العشرين"، واستمر في أجواء هذا الحلم حتي الآن، بروح شابة. لذلك واجه ليمونوف النظام الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وعارضه بشجاعة، واستمر في الحفاظ علي هذه الروح النضالية، حتي أيام كان داخل السجن الذي وضعه فيه رجال الكي.جي.بي. يقول كارير: "لقد أثبت نزعته البطولية أثناء سجنه. ولم تصدر عنه أية شكوي، لم يتراجع عن أفكاره. امتلك وقتا كافيا لكتابة سبعة أو ثمانية أعمال، بالإضافة إلي ما قدمه من عون لمساعدة رفاق الزنزانة، الغريب حقا أنهم نظروا إليه كرئيس عصابة، قديس من نوع خاص، أرسلته السماء لهم. وقد تشاجر حراس السجن يوم إطلاق سراحه من أجل الفوز بحمل حقيبته". وقد ذكر إيمانويل كارير أن ليمونوف طرح عليه السؤال التالي: "إنه أمر غريب مع ذلك. لماذا تريد تأليف كتاب عني؟"، ورغم الإحراج الذي أصابه جراء هذا السؤال، إلا أنه أجاب قائلا: "السبب أن هناك حياة مثيرة، رومانسية، خطيرة. حياة غامرت بالتماهي مع التاريخ ". ابتسم ليمونوف، ثم رد بقوله "لا معني لها"، دون أن يوجه نظره لكارير، مواصلا: "حياة فاشلة، نعم". ثم يوضح الكتاب أن ليمونوف ذو تركيبة غريبة، كاتب، خادم، ذو كاريزما، لكنه مع هذا ينظر إلي نفسه علي أنه "بطل"، وفقا لكلام صاحب السيرة إيمانويل كارير الذي يروي إن ليمونوف "يمتنع" عن إصدار حكم بخصوص هذا الأمر، كما يؤكد "أنها حياة خطيرة غامضة تليق برواية مغامرات حقيقية". ويضيف كارير: "إنها حياة تقول، علي ما أعتقد، شيئا ما. ليس علي شخصية صاحبها ليمونوف فحسب، ولا علي روسيا فقط، إنما علي تاريخنا" .