تراجع أسعار السيارات الكهربائية مع استمرار القلق بشأن محطات الشحن    مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين بجامعة أمستردام    زعيم المعارضة الإسرائيلية يعتبر أن تهديد بايدن بوقف إمدادات الأسلحة سببه "الإدارة الفاشلة للحكومة الإسرائيلية    أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري بداية اليوم الخميس 9 مايو2024    موعد نهائي دوري أبطال أوروبا 2024 بين ريال مدريد وبروسيا دورتموند    الأهلي يخطف صفقة الزمالك.. والحسم بعد موقعة الترجي (تفاصيل)    قصور الثقافة تختتم الملتقى 16 لشباب أهل مصر بدمياط    محمد فضل يفجر مفاجأة: إمام عاشور وقع للأهلي قبل انتقاله للزمالك    ضبط وإعدام أغذية فاسدة في حملة قادتها وكيل صحة الإسماعيلية (صور)    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 9 مايو 2024    حكم الحج لمن يسافر إلى السعودية بعقد عمل.. الإفتاء تجيب    بعد المخاوف العالمية من سلالة FLiRT.. ماذا نعرف عن أعراض الإصابة بها؟    مدرب نهضة بركان السابق: جمهور الزمالك كان اللاعب رقم 1 أمامنا في برج العرب    جدول مواعيد قطع الكهرباء الجديدة في الإسكندرية (صور)    طقس اليوم: شديد الحرارة على القاهرة الكبرى نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالعاصمة 36    للفئة المتوسطة ومحدودي الدخل.. أفضل هواتف بإمكانيات لا مثيل لها    اليوم، إعلان معدل التضخم في مصر لشهر أبريل 2024    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    تراجع سعر الفراخ.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الخميس 9 مايو 2024    أحمد عيد عبدالملك: تكاتف ودعم الإدارة والجماهير وراء صعود غزل المحلة للممتاز    إبراهيم عيسى: السلفيين عكروا العقل المصري لدرجة منع تهنئة المسيحيين في أعيادهم    قائد المنطقة الجنوبية العسكرية يلتقي شيوخ وعواقل «حلايب وشلاتين»    بعد غياب 10 سنوات.. رئيس «المحاسبات» يشارك فى الجلسة العامة ل«النواب»    مصطفى خاطر يروج للحلقتين الأجدد من "البيت بيتي 2"    الأوبرا تحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة على المسرح الصغير    الفصائل الفلسطينية تشارك في مفاوضات القاهرة    «أسترازينيكا» تبدأ سحب لقاح كورونا عالميًا    معلومات عن ريهام أيمن بعد تعرضها لأزمة صحية.. لماذا ابتعدت عن الفن؟    انتخاب أحمد أبو هشيمة عضوا بمجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    «المصريين الأحرار»: بيانات الأحزاب تفويض للدولة للحفاظ على الأمن القومي    حقيقة تعديل جدول امتحانات الثانوية العامة 2024.. اعرفها    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9 مايو في محافظات مصر    مصدر: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية منفتحون نحو إنجاح الجهود المصرية في وقف إطلاق النار    الزمالك يشكر وزيرا الطيران المدني و الشباب والرياضة لدعم رحلة الفريق إلى المغرب    "دوري مصري ومنافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    زعيمان بالكونجرس ينتقدان تعليق شحنات مساعدات عسكرية لإسرائيل    بعد إصدار قانون التصالح| هذه الأماكن معفاة من تلك الشروط.. فما هي؟    إعلام فلسطيني: غارة إسرائيلية على حي الصبرة جنوب مدينة غزة شمالي القطاع    6 طرق لعلاج احتباس الغازات في البطن بدون دواء    مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: 4 دول من أمريكا الجنوبية اعترفت خلال الأسبوع الأخير بدولة فلسطين    أحمد موسى: محدش يقدر يعتدي على أمننا.. ومصر لن تفرط في أي منطقة    «جريشة» يعلق على اختيارات «الكاف» لحكام نهائي الكونفدرالية    برج الأسد.. حظك اليوم الخميس 9 مايو: مارس التمارين الرياضية    محمود قاسم ل«البوابة نيوز»: السرب حدث فني تاريخي تناول قضية هامة    ارتفاع ضحايا حادث «صحراوي المنيا».. مصرع شخص وإصابة 13 آخرين    "الفجر" تنشر التقرير الطبي للطالبة "كارولين" ضحية تشويه جسدها داخل مدرسة في فيصل    سواق وعنده 4 أطفال.. شقيق أحمد ضحية حادث عصام صاصا يكشف التفاصيل    رئيس هيئة المحطات النووية يهدي لوزير الكهرباء هدية رمزية من العملات التذكارية    استشاري مناعة يقدم نصيحة للوقاية من الأعراض الجانبية للقاح استرازينكا    وزير الصحة التونسي يثمن الجهود الإفريقية لمكافحة الأمراض المعدية    دعاء الليلة الأولى من ذي القعدة الآن لمن أصابه كرب.. ب5 كلمات تنتهي معاناتك    ننشر أسماء ضحايا حادث انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    «زووم إفريقيا» في حلقة خاصة من قلب جامبيا على قناة CBC.. اليوم    مستشهدا بواقعة على صفحة الأهلي.. إبراهيم عيسى: لم نتخلص من التسلف والتخلف الفكري    محافظ الإسكندرية يشيد بدور الصحافة القومية في التصدي للشائعات المغرضة    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    أول أيام شهر ذي القعدة غدا.. و«الإفتاء» تحسم جدل صيامه    بالفيديو.. هل تدريج الشعر حرام؟ أمين الفتوى يكشف مفاجأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لحظة للإرادة والقوة والفعل الجسور..!!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 16 - 07 - 2013

غاية ما يطلبه هؤلاء الانقلابيون الفوضويون وحلفاؤهم الاستعماريون الغربيون من المصريين، فى هذه اللحظات المفعمة بانتصار إرادتهم أن يتنفسوا هواء الفزع، وأن يغمسوا خبزهم فى ملح القلق، وأن يتناولوا مع إفطارهم عصير الخوف، وأن يتصوروا أن يد الإرهاب الآثمة قادرة على ان تصل إلى قلب أمنهم، فتنتزعه من صدورهم، وتطعمه لتلك القطعان الضالة فى الطرقات، وهو يقطر من دمهم.
وغاية ما يطلبه هؤلاء وحلفاؤهم الغربيون من المصريين، فى هذه اللحظات المفعمة بانتصار إرادتهم، أن يتصوروا أن إنجازهم العظيم ما زال واقعا تحت تهديد نيران كثيفة متعددة المصادر، وأنهم لم يقطعوا غير مقدمة الجسر الذى اندفعوا بطاقة الثورة والغضب فوقه، وأن أولئك المستأجرين الذين يتجمعون فوق عجلات الفتنة والطمع والإرهاب، قادرين على أن يسدوا عليهم المنافذ، وأن يضعوا فى وجوههم الحواجز والمتاريس.
وغاية ما يطلبه هؤلاء وحلفاؤهم الغربيون من المصريين، فى هذه اللحظات المفعمة بانتصار إرادتهم، أن يقرأوا فى الإعلانات الأمريكية عن الدفع بسفن حربية لتلويث فضائهم ومياههم، أن لغة مدافع الأسطول الأمريكى هى التى سوف تخاطبهم، وأن شظاياها سوف تتساقط فوق موائدهم وأسرتهم.
وليس فى ذلك كله شىء من الصحة، لأنه من أوله إلى آخره محض إرهاب، ومحض تخويف، هدفه هو قص أجنحة روحهم المعنوية، المحلقة فوق الكواكب والنجوم، كمقدمة لكسر إرادتهم، رغم أنها برهنت على أنها قُدّت من الصخور.
***
لقد قلت وأقول، إنه ليس فى ذلك كله شىء من الصحة، لأنه من أوله إلى آخره محض إرهاب، ومحض تخويف، فمصر ذاتيا اقوى من أية لحظة مضت، وأنضج عقلا، وأصفى رؤية، وأدفأ قلبًا، من أى مرحلة خلت، وذلك ليس من قبيل الإنشاء، أو من قبيل المبالغة، نعم ثمة مساحة معتمة للخطر، ولكنها عابرة، وثمة حاجز يراد له أن يقام للخوف، لكنه من القش، وثمة مؤامرات تجرى متعددة الأركان والجبهات، ولكنه محكوم عليها بالهزيمة والفشل، فتلك ليست لحظة للضعف، ولكنها لحظة للقوة، وللإرادة، وللفعل الجسور، أما مكامن القوة المصرية، فهى بادية، وأما فعل الإرادة، فهو يتنفس حيًا فى الطرقات، وأما جسارة الفعل، فهى الاستحقاق الذى ينبغى لدائرته أن تكتمل، دون إرجاء أو تأخير، وإذا كان الحديث موصولا بمكامن القوة المصرية، فى هذه اللحظات الضاغطة، فينبغى النظر إليها من عدة زوايا حاكمة:
أولًا: أنه لم يتوفر لمصر منذ عدة عقود، مثلث للقوة ملتحم الاضلاع، كما يتوفر لها الآن، وإذا كانت قاعدة هذا المثلث هو شعب باسل عظيم، تسلح بإرادة قاطعة للتغيير، قام بإشهارها عمليا كالسيف البتار، بجموع جرارة، تمثل استثناء فريدًا فى التاريخ الإنسانى كله، فإن ضلعه الثانى، هو جيش وطنى عكس بانحيازه المبدع إلى إرادة شعبه، الطبيعة الخاصة لمدرسة العسكرية المصرية، بعمق مئات القرون، والتى ظلت باعتبارها وعاء القوة المنظم، متمسكة –أولًا– بعقيدة قتالية شبه ثابتة، لحماية التراب الوطنى، والأمن القومى، قدمت قوافل من الشهداء دفاعا عنها، وتمسكت–ثانيًا– بصياغات ناضجة، ووشائج قوية مع مجتمعها بكل قواه الوطنية، أتاح لها أن تلعب دورًا راسخًا فى صيانة وحدته، وتمسكت–ثالثًا–بموقع خاص سمح لها أن تندمج كليا فى تطلعات وطنها وطموحاته، دون فجوات ودون استعلاء، أما ضلع مثلث القوة المصرية الثالث فتتجاور فيه بقية منظومة القوة، جنبًا إلى جنب مع منظومات الضبط الاجتماعى، وهى بالرؤية المجردة الأمن القومى والأمن الوطنى على جانب، والشرطة ومؤسسة القضاء على الجانب الآخر، ومن المؤكد أن التحام أضلاع هذا المثلث على هذا النحو هو حدث فريد، شكل للمرة الأولى منذ عقود رأس الرمح التى فتح الطريق واسعا أمام فيضان الثورة، ووصولها إلى شاطئها المأمول، كما أنه يظل رأس الرمح القادر على منازلة خصومها وأعدائها والمتآمرين عليها، أيا تكن الأقنعة التى يخفون وجوههم القبيحة تحت ألوانها الزائفة.
ثانيًا: إن الخريطة السياسية المصرية، التى تضم كافة الأحزاب والقوى المنظمة، قد أصابها كثير من الانكشاف، وقد لحق بها كثير من التهميش، فالواقع الماثل الذى لا تجحده عين، أن القوام الأكبر من الشعب المصرى، بجميع طبقاته هو الذى استدعى نفسه وفجر طاقته، واندفع بقوة دافقة كى يعيد بناء موازين القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى المجتمع، وقد فرض بنفسه إرادة التغيير متقدما ومتجاوزا جميع القوى والأحزاب والجبهات والرموز، وهو متغير بالغ الوضوح ولكنه فى الوقت ذاته بالغ الأهمية، ذلك أنه لا يعنى فقط أن الخريطة السياسية والحزبية القائمة بحسابات قواها وأحجامها، مقارنة بحسابات القوى الشعبية وأحجامها، لا تمثل إلا هامشًا ضيقًا، ولكنه يعنى أيضًا أن قوى التغيير فى مصر ستظل متلازمة مع الكتل الجماهيرية الواسعة، وأى حديث لحزب أيا كان عن تمثيل واسع للشعب، هو حديث لا يعبر عن الحقيقة الكاملة، وإنما قد يعبر عن جانب منها، وذلك فيما أحسب مصدر قوة حقيقية فى الأوضاع الراهنة، ليس فقط لأنه يتطلب من هذه الخريطة السياسية أن تعيد بناء كياناتها وصياغة برامجها، ولكنه قبل ذلك يمثل مرجعية جديدة، بمقدورها وحدها أن تمنح المشروعية السياسية والاجتماعية والثقافية لمن تراه جديرا بتمثيلها والتعبير عنها، وتنتزعها ممن تراه واقفا فى منتصف الطريق، يضع نصف قدم فى معسكر الثورة، وثلاثة أرباعه فى المعسكر الآخر، وما ينطبق فى ذلك على الأحزاب السياسية والأشخاص، ينطبق على جميع أولئك الذين رفعوا واجهات دينية مباشرة، لتنظيمات سقطت مشروعيتها حين عمدت إلى الخلط بين الدين والسياسة، وإذا لم يكن بمقدور أحد حزبا أو جماعة، أن يلعب دور شرطى المرور على مسار التاريخ الوطنى، فيسمح لمن يشاء بالمرور ويمنع من يشاء، فإن الشعب المصرى لعب وسيلعب هذا الدور، دون افتئات ودون تمييز، ولذلك ليس مقبولاً ولن يكون مقبولًا، أن يتصور حزب النور–مثلا–أن لديه مشروعية لأن يلعب دور هذا الشرطى على مسار التغيير، خاصة إذا كان يخوض مناورة واسعة دون جمهور، فقواعده المحدودة العدد تصطف بإرادته أو بغير إرادته على الجانب الآخر، غاية القصد أن مصر بات لديها قوة شعبية حقيقية، غدت تمثل بذاتها مصدر مشروعية جديدة، وعلى من يريد اقتسام هذه المشروعية، أن يحاذى خطو الشعب، وأن يمتثل لمطالبه.
ثالثًا: لم يعد ثمة فراغ أو فضاء بين الشعب والجيش، ولم يعد حتى ثمة هامش رقيق يمكن أن يغرى أحدا بالدخول بين ثناياه، لأنه يدرك عن يقين أن مآله أن يسحق بين صخرتين متلاصقتين، لقد جرت فى مياه النهر الوطنى فى أعقاب ثورة 25 يناير مياه مستوردة ملوثة، حاولت أن تخلع على الجيش المصرى صورة غير صورته، وطبيعة غير طبيعته، وحاولت أن تجد لهذه الصورة فى مخيلة المصريين حائطا تلتصق به، ولم يكن شعار )يسقط حكم العسكر( الذى صاغه الأمريكيون ومنحوه طازجا لبعض الائتلافات والجماعات، وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، كى تقوم بزراعته فى تربة الرأى العام، إلا صيغة مباشرة للتعبير عن هذه الصورة الزائفة، ومن المؤكد أن جهدا كبيرا قد بذل، ومالًا كثيرًا قد أنفق، لكى تظل تلك الصورة الزائفة للجيش المصرى قابلة للبقاء، فى مخيلة المصريين، لكنه من المؤكد أيضًا، رغم جميع محاولات تغذية هذه الصورة من قبل بعض القوى والأفراد، وبعض وسائل الإعلام، أن ملامحها وخطوطها قد تبخرت، كأنها مرسومة بألوان مائية، مسحتها الأمطار فى ليلة عاصفة، لقد كتبت هنا قبل ثلاثة أسابيع من ثورة 30 يونيو بالحرف الواحد: « إن الجيش المصرى قد خرج من معركة تكسير العظام، أقوى بنية، وأوضح برهانا، وأصفى رؤية، فقد وضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وباءت بالفشل كل محاولات ومخططات خلق حالة صدام أو مواجهة بين الشعب والجيش، أو تكريس حالة انفصام بينهما، أو تكريس الروح المعنوية للشعب تجاه قواته المسلحة، فالحقيقة الساطعة تؤكد أن أمواج التأييد الشعبى للجيش، هى أكثر الأمواج قوةً وعنفوانًا واندفاعًا وعلوًا، وأن منسوبها الذى ازداد ارتفاعًا هو الذى يتيح لسفينة الوطن أن تظل طافية رغم مساحات الجدب والتصحّر، ومن المؤكد أن هذا المنسوب العالى من التأييد الشعب للجيش، هو الذى خلق حالة معنوية جديدة، انعكست فى صفوف الجيش ذاته، إرادة وجهدًا وبذلاً، كما انعكست على الشعب بدوره، ثقة ووعدًا وأملًا، وحول هذه الدائرة تحديدًا يتبدى قدر كبير من الفزع والقلق والتوتر، فى دوائر الاستراتيجية المضادة، وفى سلوك أدواتها المحلية»، ولقد اكتسبت هذه الحقيقة قوة مضافة، بذلك التلاحم العضوى بين الجيش والشعب، على جبهة واسعة غطت كافة خرائط الوطن، ويقينى أن الجيش المصرى يدرك فوق هذا الجسر، أن أقوى اسلحته وأكثرها قدرة على تحقيق انتصار استراتيجى يبقى عليه الزمن، هو كتلة هذا الشعب العظيم، الذى هو منجم الطاقة، ومصدر الإلهام، ومقود الحركة.
رابعاً: إن المصريين لم ينقلبوا على نظام، ولم يطيحوا بحاكم مستبد أو بجماعة، حاولت أن تعيد تفصيل مصر على مقاس رؤيتها ومصالحها، ولكنهم على نحو جوهرى انتزعوا المبادرة السياسية من أيدى خصومهم فى الداخل، وأعدائهم فى الخارج، وتلك واحدة من أهم معانى ومصادر القوة، وهى فى الوقت ذاته أمضى أسلحة التغيير، ولذلك من الحتمى أن تبقى هذه المبادرة بيد الثورة، وأى تفريط فيها، أو نجاح فى نقلها خارج هذه الأيدى، هو تفريط فى الثورة، وعمل إنقلابى ضدها، وكما تنبع السلطة فى كل ثورة من الجماهير، فإن نجاح الثورة فى تحقيق أهدافها والوصول بها إلى شاطئ السلامة، مشروط باحتضان الجماهير والانفتاح عليها، والحصول الدائم على طاقتها ودعمها، وخلق صيغ مرنة للعلاقة المباشرة بها، والاصطفاف الواضح على جبهة مطالبها، ولذلك ينبغى أن يكون واضحا أن غاية جهد القوى المضادة هو استعادة المبادرة السياسية، ولو بطلب جيوش الأعداء من أعالى البحار، والمشكلة فى ذلك أن هذه القوى المضادة، ليست كالعدو فى ميدان القتال، فالعدو محدد حجمًا وتسليحًا وعتادًا، وربما تكتيكا، وطرق اقتراب بينما هى عدو قائم، لكنه عدو غائم، وهو عدو جاهل لكنه عدو مجهول، ففى الحروب قوانين نازعت الإنسانية ثلاثة قرون لفرضها، لكن الثورة المضادة لا قانون لها، فهى بلا قيم ولا اخلاق، أنها حروب الظلام، وجرائم الهزيع الأخير من الليل، التى تستخدم كل سلاح، وتضع على وجهها كل قناع، وسائلها خسيسة، وأدواتها هدامة.
***
ثمة محاذير ينبغى أن توضع نصب الأعين، قرب نهاية هذا الجسر الذى طال الوصول إليه، قد يكون فى مقدمتها:
أولاً: أنه لم يتوفر لسلطة أو حكومة فى التاريخ، أن تصعد إلى مقاعدها وتتبوأ مواقعها، بقوة شعبية كاسحة، وإرادة وطنية قاطعة، كما يتوافر لهذه السلطة ولهذه الحكومة أيا كانت وجوهها، ولم يتوفر لسلطة أو حكومة فى التاريخ، أن يكون دورها مشحونًا بطاقة شعبية هائلة، ووحدة وطنية غالبة، كما يتوافر لهذه السلطة ولهذه الحكومة، أيا كانت أوزانها، ولهذا فإنها فى ضوء مصادر القوة، التى تستند إليها، وآمال الناس المعلقة بها، ليس عليها أن تقيم قراراتها، فى إطار البحث عن توازنات تضع فى حساباتها إرضاء القوى الخارجية المتربصة بمصر، أو طمأنتها، فذلك لن يدفع ضررًا منها، ولن يمثل طمأنينة لها، بل إنه على النقيض من ذلك، سيحول الجرأة البادية ضد ثورة مصر، إلى وقاحة فى التعامل معها، وسيقوى محاولات ابتزازها، ودفعها إلى النكوص، بما هو ملقى على عاتقها من مهام وطنية، لا تقبل التسويف أو التأجيل.
ثانيًا: إن المهمة السياسية الأولى لهذه الحكومة، هو الإبقاء على المبادرة السياسية الكلية فى يد مصر، وهذا يتطلب أن يكون عملها سياسيًا بالدرجة الأولى، ولهذا فإننى لست ممن يشجعون عنوانًا لحكومة أوصلتها ثورة شعبية إلى مقاعدها، بأنها حكومة تكنوقراط، فهذا توصيف يتسم بعد الانحياز، فى مناخ شديد الانحياز بطبعه، ووسط هذه الأمواج السياسية العالية، ليس بمقدور أحد أن يمارس السباحة آمنا، إلا إذا كان متسلحا بحرفة سياسية رصينة، وبرؤية سياسية عميقة، وإلا قذفت به التيارات إلى حيث لا يريد ولا يرغب، إن مصر ليست سيارة معطوبة، تحتاج إلى ميكانيكى أو فنى ماهر يتكفل بإصلاحها، ولكنها كسفينة نوح تحتاج إلى من يشق بها بطن العواصف والأنواء ويوصلها سالمة بمن عليها لترسو على الجودى، وهذا ما يتطلب بالضرورة الجمع بين علوم البحار وفنون السياسة.
ثالثًا: إن العمل على تجاوز أخطاء المرحلة الانتقالية السابقة، ينبغى أن يتم تفعيله بقوة، وظنى أن أكبر هذه الأخطاء دون مواربة يتلخص فى النظر إلى هذه المرحلة الانتقالية على أنها مسافة طولية أو زمنية بين محطتى قطار، على المصريين أن ينتقلوا من الأولى إلى الثانية داخل القطار الذى يجمعه وهم يرتدون ملابسهم نفسها، ويحملون حقائبهم ذاتها، ويتنفسون ازمات ومشاكل من جنس أزماتهم ومشاكلهم السابقة، ليظل الخلل فى التوازنات الاقتصادية والاجتماعية على حاله، وإن أحيط بهالة من الوعود المرجأة والآمال المرتقبة، وليدفعوا بعد وصولهم إلى المحطة الثانية، نحو صناديق الانتخاب، فى ظل توازنات مختلة، وأوضاع معتلة، تحكم تصويتهم، الذى لن يكون سوى تعبير مباشر عن خلل واعتلال، وفيما أحسب فإننى أنتمى إلى مدرسة لا تزال ترى أن حرية رغيف الخبز هى الضمانة الحقيقية لحرية تذكرة الانتخاب.
رابعًا: إن الخطاب الاقتصادى الاجتماعى، الذى مثل النبرة الأعلى، خلال فيضان الثورة الجارف، سواء فى 25 يناير أو فى 30 يونيو، سواء بحكم شعارات الثورة فى الميادين، أو بحكم الطبيعة الاجتماعية للقوى التى قدمت ذاتها وقودا لها، من شرائح الطبقة المتوسطة والطبقات الدنيا، ظل جوهره مرتبطا بقضية العدل الاجتماعى، فالاستحقاق الأول للثورة، قد انبثق تلقائيا داخل كافة الميادين، فى تعبير محدد هو العدالة الاجتماعية، وبين الثورتين تم مسخ التعبير وتزويره، سواء من جانب الجماعة التى حولته إلى دعوه للتكافل ومساندة الفقراء ببركة الهبات والمساعدات، وسواء من جانب صنف من الليبراليين الذين فتتوا معنى العدالة فى مفردات هدفها الحقيقى تحصين الاستغلال، على غرار الشفافية ومكافحة الفساد، والشاهد فى ذلك أن تحقيق العدالة الاجتماعية بمعناها الصحيح، ومضمونها الكامل، يتحتم أن يقع فى قلب برنامج هذه الحكومة دون مواربة، ودون التفاف، فالعودة إلى التمسك بالصيغ التى يفرضها الانحياز إلى تلك الطبعة المستحدثة من الرأسمالية النفاثة، التى تفرضها مؤسسات التمويل الدولية، لن يكون مخرجًا صحيحًا لعبور الثورة إلى حيث تريد، وإنما سيكون مدخلًا حتميا لعبور الفوضى إلى حى تشاء.
***
قال لى صاحبى الذى يحشر رأسه قريبا من الدائرة القريبة من رئيس الوزراء ومجموعته التى تختار حملة حقائب الحكومة الجديدة، أنه لمس من تنحيته لأسماء مرشحين بأعينهم، أنه لا يريد أن يدخل إلى حكومته وجها يبدو أيديولوجيًا معاديًا لأمريكا، وقلت لصاحبى، بغض النظر عن صحة استقرائك لذلك، فلو كنت مكانه لطعمت هذه الحكومة بأكثر من وجه يبدو أيديولوجيا معاديا تماما لأمريكا، فتلك رسالة ذات دلالة هامة، كان ينبغى أن يتم إرسالها الآن وليس غدا، ولك أن تتصور أن جميع الطائرات العسكرية التى حلقت فى سماء مصر، سواء تلك التى رسمت بالألوان علم مصر، أو تلك التى ألقته على المتظاهرين فى الميادين، او تلك التى دخلت إلى فضاء غزة أو سواها، التى حلقت فوق قطع بحرية أمريكية فى البحر الأحمر، كانت جميعها طائرات روسية الصنع، إن الجيش يعرف كيف يكتب ويرسل رسائله، ولكنهم لا يريدون أن يتعلموا منه.
Email: [email protected]
Site : ahmedezzeldin.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.