بعد رفضه دعم المثلية.. الدوري الفرنسي يعاقب محمد كامارا لاعب موناكو    زيزو ليس بينهم.. كاف يعلن عن هدافي الكونفدرالية 2024    من يحقق الكرة الذهبية؟.. أنشيلوتي بفاجئ جمهور ريال مدريد بتصريحات مثيرة قبل نهائي الأبطال    كشف ملابسات تضرر طالبة من قائد سيارة لقيامه بارتكاب أفعال خادشة للحياء بالقاهرة    وصول جثمان والدة المطرب محمود الليثي إلى مسجد الحصري بأكتوبر "صور"    16 شهيدا و35 مصابا فى قصف أمريكى بريطانى على اليمن    انتظروا.. أقوى مراجعة فى الجغرافيا لطلاب الثانوية على تليفزيون اليوم السابع    طقس غد.. ارتفاع بالحرارة على كل الأنحاء والعظمى بالقاهرة 37 درجة    «زراعة دمياط» تعلن توريد 33 ألف طن قمح حتى الآن    عمرو الفقي يعلق على برومو "أم الدنيا": مصر مهد الحضارة والأديان    في بلادي.. لا حياة لمن تنادي!    وزيرة التعاون: تحقيق استقرار مستدام في أفريقيا يتطلب دعم المؤسسات الدولية    معلومات الوزراء يناقش سبل تعظيم العائد من الإنتاجية الزراعية    ضمن مبادرة كلنا واحد.. الداخلية توجه قوافل طبية وإنسانية إلى قرى سوهاج    حزب الله يستهدف موقعًا إسرائيليًا في الجولان المحتل    ماس كهربائى وراء اشتعال حريق بمحل صيانة أجهزة كهربائية فى العمرانية    الشباب السعودي يسعى لضم ألكسندر لاكازيت فى الصيف    الحوار الوطني يجتمع غدا لمناقشة ملفات الأمن القومي والأوضاع في غزة    مهرجان جمعية الفيلم، تحت شعار تحيا المقاومة.. لتحيا فلسطين    أحمد آدم: "تانى تانى" فيلم لايت مناسب للأسر والعائلات وقدمني بشكل مختلف    جيش الاحتلال: اختراق مسيرتين مفخختين حدود لبنان استهدفتا موقع الزاعورة    المفتي: عدم توثيق الأرملة زواجها الجديد لأخذ معاش زوجها المتوفي حرام شرعا    مرة واحدة في العمر.. ما حكم من استطاع الحج ولم يفعل؟ إمام وخطيب المسجد الحرام يُجيب    هل الجوافة ترفع السكر؟    تعشق المشمش؟- احذر أضرار الإفراط في تناوله    وزير الإسكان يُصدر قراراً بإزالة مخالفات بناء بالساحل الشمالي    بعثة المواي تاي تغادر إلى اليونان للمشاركة فى بطولة العالم للكبار    فرنسا تشهد أسبوع حافلا بالمظاهرات احتجاجا على القصف الإسرائيلى    أزهري يوضح الشروط الواجب توافرها في الأضحية (فيديو)    "العاصمة الإدارية" الجديدة تستقبل وفدا من جامعة قرطاج التونسية    مشروعات التنمية الزراعية: الكسافا مساعد للقمح و65% من مكوناته تستخدم بالنشا    في اليوم العالمي للإقلاع عن التدخين.. احذر التبغ يقتل 8 ملايين شخص سنويا    بعد تحذير المحافظات منها، ماهي سمكة الأرنب ومخاطرها على الصحة    اعتماد 34 مدرسة بالإسكندرية في 9 إدارات تعليمية    لا تسقط بحال من الأحوال.. مدير عام وعظ القاهرة يوضح حالات الجمع بين الصلوات    رئيس جامعة قناة السويس يُتابع أعمال تطوير المسجد وملاعب كرة القدم    محمد نوار: الإذاعة أسرع وأرخص وسيلة إعلام في العالم.. والطلب عليها يتزايد    برلماني أردني: التشكيك في دور مصر تجاه القضية الفلسطينية غير مجدي (فيديو)    الاعتماد والرقابة الصحية: برنامج تدريب المراجعين يحصل على الاعتماد الدولي    محمد شحاتة: "كنت أكل مع العساكر في طلائع الجيش.. وأبي بكى عند توقيعي للزمالك"    محافظ أسوان يتابع تسليم 30 منزلا بقرية الفؤادية بكوم أمبو بعد إعادة تأهيلهم    وزارة الصحة تستقبل سفير كوبا لدى مصر لتعزيز التعاون في المجال الصحي    «حق الله في المال».. موضوع خطبة الجمعة اليوم في مساجد مصر    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    ألقى بنفسه أمامها.. دفن شخص صدمته سيارة نقل بالهرم    تفاقم أزمة القوى العاملة في جيش الاحتلال الإسرائيلي    واشنطن: ليس لدينا خطط لنشر أسلحة نووية في كوريا الجنوبية    تشكيل بروسيا دورتموند المتوقع لمواجهة ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا 2024    من بكين.. رسائل السيسي لكبرى الشركات الصينية    تعرف على موعد إجازة عيد الأضحى المُبارك    وزير التعليم لبعض طلاب الثانوية: لا تراهن على التأخير.. هنفتشك يعني هنفتشك    الأعمال المكروهة والمستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة    شاهد.. الفيديو الأول ل تحضيرات ياسمين رئيس قبل زفافها    البابا تواضروس يستقبل وفدًا رهبانيًّا روسيًّا    محمد شحاتة: نستطيع تحقيق ميدالية أولمبية وعبد الله السعيد قدوتى    تامر عبد المنعم ينعى والدة وزيرة الثقافة: «كل نفس ذائقة الموت»    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الجمعة 31 مايو 2024    مران منتخب مصر - مشاركة 24 لاعبا وفتوح يواصل التأهيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنّه جيشُنا..!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 25 - 02 - 2013

نعم إنه جيشنا، هذا البنيان الوطني الراسخ الصلب، لا يملكه أحد سوانا، نحن المصريين، هذا الذي يتربص به النازيون الجدد، وينشرون أسلحة الإكراه في الفضاء الوطني، عبر وسائل إعلامهم اللقيطة، في وجه عزته وكرامته ومجده، هذا الذي يحرضون شُذّاذ الآفاق علي النيل منه لتحطيم معنوياته وكسر إرادته، وهم يحشون أفواههم بشعارات مستوردة ضد وظيفته ودوره.
هذا جيشنا، جيش الدولة التاريخية المصرية، أقدم جيش، لأقدم شعب، لأول أمة، وأول امبراطورية في التاريخ، بل إننا إذا احتسبنا تاريخ الولادة وطبيعة النشأة، لقلنا إنها دولة الجيش، قبل أن يكون جيش الدولة، فقد ولدت الدولة من ضلعه، قبل أن تتنفس هواء التاريخ، وكأنها 'منيرفا' في الميثولوجيا القديمة.
وكما هو جيشنا بحكم وشائج الدم والأرض، ونبض الحضارة والتاريخ ومعارك التحرير والفداء، فهو جيشنا بحكم أنه ليس أقل ولا أكثر من صورة طبيعية لنا نحن المصريين في مرآة الزمن، كما هي في مرآة الواقع، صور واقعية لأمة ممثلة في جسده الحي، دون صناديق انتخاب، حية فيها بخلاياها جميعها، موقّعة فوق خرائط الوطن دون تقسيم، وفوق خرائط الطبقات دون احتكار، وفوق خرائط الثقافة والمعرفة دون تمييز، منتخبة دون تزوير، بديمقراطية العدل في ضريبة الدم والدفاع عن الوجود والحياة.
إنه لذلك، الصورة الواقعية الحقيقية لوحدة الشعب، ووحدة الأمة، بل قل الصورة الوحيدة الباقية، رغم كل عوامل التعرية والإذابة، التي تجسد هذا الشعب العظيم، موحدًا، وفاعلاً، ومسلحا بطاقة لا تنفد، وإرادة لا تلين.
إنه جيشنا مدرسة الوطنية الحقّة، قد لا يعرف جوهرها الثمين، ومعدنها النفيس الآمن، انغرس في الرمل وصنع من جسده سارية لعلمها، واستنشق عطر معاركها، وذاب في صفوفها مُنكرًا ذاته وكينونته، كما تذوب قطرة الندي في قلب شجرة الحياة.
التاريخ الوطني كله، الذي يجد نفسه في قلب محنة معقدة غير مسبوقة، كأنها تشكل مثلثًا ضاغطًا متساوي الأضلاع:
أولاً: إن الروح المعنوية هي الخبز الحقيقي الذي تقتات عليه الجيوش، فهي مصدر الطاقة ومكمن القوة، ووقود الثبات والصمود والانتصار، ولم يبالغ 'كلاوزفيتز' أستاذ علم الحرب في المدرسة البروسية، حينما قال: 'إن القوة المادية هي قبضة السيف الخشبي، أما القوة المعنوية فهي حد السيف البتار'.. 'فالقوة المعنوية أو الروح المعنوية عنده وهي كذلك هي وقود الإرادة التي تنتصب كالمسلة في ميدان فسيح، تتشعب إليه ومنه كل الطرق الرئيسية في المدينة، ولم يكن إبداع نصب المسلة في تاريخنا القديم، ببعيد عن ذلك المعني العميق لشموخ الإرادة وانتصابها في قلب الميدان، نحو قلب السماء، تعبيرًا عن القوة المعنوية، التي هي مصدر الإرادة والصمود والبقاء.
إن أعداءنا يدركون ذلك جيدًا، ولذلك فإن الضلع الأول الذي تعددت صور استخدامه لإزاحة الجيش إلي قلب هذا المثلث، واحتجازه في داخله، ظل موصولا بهذا العامل الأساسي، وهو إحداث حالة من شأنها تجريف الروح المعنوية للجيش، تارة بذمّه والتحريض عليه، وتارة بمحاولة تشويه دوره وتاريخه ورموزه، وفي المحصلة النهائية، تحويله إلي بنية مكروهة في حد ذاتها، ولو لم تكن في تربة الجيش المصري ينابيع وطنية تاريخية، تروي روحه المعنوية، وانتماءه الوطني، رغم كل الحن والاتهامات والتشكيك، لأدركه العطش القاتل منذ وقت طويل.
ثانيًا: إن التاريخ الوطني، وفي إطاره التاريخ العسكري، ليس سلسلة منفصلة من الأحداث والوقائع والحلقات، ولكنه تيار بلا فواصل، ونهر بلا قواطع، وأرض مفتوحة بلا فجوات، وهذا الإدراك هو أحد معاني الوعي التاريخي، كما أنه أحد تجليّات الذاكرة العسكرية، وهو في الوقت نفسه أهم محددات الثقافة الاستراتيجية علي المستوي الوطني، لكن واحدًا من هذه المحددات ينبثق من ذلك الجسر العميق، الذي يصل بين الروح المعنوية للجيش، وبين وحدة الجبهة الداخلية، ففوق هذا الجسر المفتوح فقط، أمكن لقوة صغيرة للجيش وسط أنقاض هزيمة 1967، وبعد أقل من شهر واحد علي صدمتها المروّعة أن تقتل في ظل موازين قوي مختلة في معركة رأس العش، وأن تحقق أول انتصار لها علي قوة إسرائيلية مهاجمة، وأن تجبرها علي التراجع بعد أن خسرت قائدها و13 فردًا من قوتها، وفوق هذا الجسر فقط، أمكن لسلاح الطيران المصري الذي فقد 80% من طائراته فوق الأرض، أن يبدأ بعد 6 أسابيع في القيام بهجمات جوية مركزة وخاطفة ضد القوات الإسرائيلية المدرعة والميكانيكية علي الضفة الشرقية لقناة السويس.. إلخ.
ولذلك فإن الضلع الثاني لهذا المثلث، يتعلق بالضرورة بأوضاع الداخل المصري، والذي تتحمل السلطة الحاكمة الآن مسئولية إيصاله إلي استفحال حالة الانقسام والشرذمة، وشيوع صور الصدام والاحتراب والاضطراب، علي نحو غير مسبوق، وهي تفرض سطوتها ونزوعها إلي الاحتكار والإكراه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، واستلاب الدولة لصالح جماعة الإخوان المسلمين، ضاربة عرض الحائط بكل ما يترتب علي ذلك من تعريض الكيان الوطني ذاته، لمحنة الانزلاق إلي صدام مفتوح، وحريق كبير، لن تكون ناره بعيدة عن عظم الوطن نفسه، بعد أن نخر الجوع والفقر واليأس في بدنه، واشتعل الغضب في قلبه وروحه، وبكل ما يترتب علي ذلك من مردود علي أوضاع الجيش، وسط تهديدات وتحديات ومطامع أجنبية بارزة، تتحين الفرصة للوثوب بالقوة، لقضم الأطراف، وابتلاع الثغور،.
ثالثا: إنها المرة الأولي في التاريخ الوطني التي يتعرض فيها الوطن لمواجهة مخاطر مستجدة، وتهديدات بازغة، في سياق تخطيط استراتيجي معاد ومكتمل، يطول كل المحاور الاستراتيجية الرئيسية لبوابات مصر الثلاث، في توقيت متزامن، سواء أكانت سيناء البوابة الأمامية لمصر، والتي تشكل مدخلها الشرقي المفعم بالأخطار، أو كانت البوابة الجانبية في الشمال الغربي عبر الحدود بين مصر وليبيا، أو البوابة الجنوبية عبر الحدود المصرية السودانية. وجميع هذه التهديدات هي تهديدات مخططة ومتنامية ومتسارعة، وهي تشكل أبعادًا من استراتيجية واحدة، هدفها تطويق مصر، والإمساك بأطرافها وبناء رؤوس جسور مضادة، وشحنها وتجهيزها لإحداث ضغوط مضاعفة علي الكيان الوطني وقواته المسلحة، متزامنًا مع دفع القلب إلي مزيد من الاحتقان والانقسام والاحتراب، لخلق حالة تؤهل رؤوس الجسور، للتحرك اتساعًا وعمقًا فوق المسارح الثلاثة، لتقليم واقتطاع أركان مصر وزواياها القائمة، سواء الركن الشمالي الشرقي في سيناء، 'علي الأقل خط رفح إيلات شرم الشيخ'، وفي الركن الشمالي الغربي 'السلوم مطروح' وفي الركن الجنوبي الشرقي 'علبة حلايب' خاصة إذا تم إيصال حالة الاحتقان والانقسام إلي انفجار وفوضي، مع العلم بأنه لا يمكن فصل مناطق البحر الأحمر ومنابع النيل، وإفريقيا جنوب الصحراء، وجنوب البحر الأبيض، والتعامل مع كل منها علي أنها كتلة استراتيجية مستقلة، فهناك ترابط، سواء علي المستوي الاستراتيجي، أو علي مستوي الجغرافيا السياسية، بين هذه الكتل، التي تكاد أن تشكل جوانب في إقليم استراتيجي واحد.
ومن المؤكد مثلا أن وجود قوات فرنسية علي مشارف الحدود المصرية، وعلي مقربة من مياهها الإقليمية وسواحلها، في ضوء الاتفاقية الفرنسية الليبية، التي وقعّت في الرابع عشر من هذا الشهر، ليس مستقلا عن توجه حلف الأطلنطي، الذي يسعي إلي تطبيق نظرية 'برن' عن وحدة شمال وجنوب البحر المتوسط باستخدام القوة، ولا عن مهام القيادة العسكرية الأمريكية الخاصة بإفريقيا، والتي تحمل اسم 'أفريكام' والتي حصلت علي قاعدة لها في المغرب العربي، ولا عن بروز توجّه استراتيجي غربي واضح لفرض وجود عسكري غربي علي دول المنطقة، وأقاليمها الرئيسية في ظل سلطات حاكمة تبحث عن حصانة لها، في كنف هذا الوجود الأجنبي، ومن المؤكد دون دخول في التفاصيل، أن هذا كله ليس مستقلا عن التهديدات التي توجد وتتنامي عند بوابات مصر الثلاث، في الشرق وفي الشمال الغربي وفي الجنوب الشرقي.
ومن المؤكد كذلك أن أضلاع هذا المثلث الثلاثة، ليست منفصلة أو مستقلة، ولكنها مترابطة ومتفاعلة، وهي تشكل في مجموعها، حقلا مغناطيسيًا واحدًَا، يراد له أن يحتجز الجيش في داخله، لا يفرض عليه أوضاعًا تقيد حركته، وتشتت جهوده، وتمنعه من الاندفاع في اتجاه جبهة المجهود الرئيس للحيلولة دون سقوط مصر، في الهوة السحيقة، التي يتم دفعها إليها.
لقد تزامن إفصاح التهديد جنوبًا عن وجهه القبيح، مع الإفصاح عن الاتفاقية العسكرية الفرنسية الليبية في الشمال الغربي، والتي سيبدأ تنفيذها عمليًا بعد ثلاثة أيام من كتابة هذه السطور، ولذلك فإن إلقاء الضوء علي وجه التهديد البازغ جنوبًا، والذي مازال يلفه الغموض من منظور الرأي العام، قد يحظي بالأولوية الآن.
لقد تم في العاشر من هذا الشهر، إصدار وثيقة تفاهم بين ما يسمّي: 'حركة كوش السودانية' و'حركة كتالة النوبية' ووضعت الوثيقة في صدرها العلوي شعار الحركتين، وكلاهما تزينه البنادق الآلية، أي أننا بصدد إعلان يتضمن توحد حركتين مسلحتين، علي جانبي حدود مصر والسودان، أما نص الوثيقة، فقد ركز علي 'توحيد جهود الحركتين في مرحلة تاريخية مهمة، تعاد فيها صياغة الشرق الأوسط ' و ذلك ' لتأسيس مؤتمر نوبي بوصفه منظمة بقيادة واحدة تمتد داخل الدولتين ' من أجل ' إعادة الاسم التاريخي للمنطقة المعروفة بالنوبة وبحيرة النوبة، في كل من النوبة العليا والسفلي 'مصر والسودان'' و'إعادة توطين النوبيين بأرضهم الأصلية حول بحيرة النوبة' و'الوقوف معًا ضد المخططات التي تستهدف وجود النوبيين في أرضهم التاريخية مثل التهجير والإبعاد القسري بواسطة السدود' و'العمل علي تحقيق كل الأهداف بالنضال المشترك وفق كل السبل والإمكانات المتاحة والممكنة'.وإذا كانت حركة 'كتالا' التي أعلنت عن وجودها قبل عدة أشهر، قد قدمت نفسها علي أنها حركة وطنية مصرية مسلحة، تستهدف حصول النوبيين المصريين علي بعض ما يعتقدون أنه حقوقهم في السكن والعمل، ولكن باعتبارهم مصريين خلصاء في إطار الجماعة الوطنية، فقد ساعد علي الترويج لها إعلاميًا، بشكل مكثف، وتقديم خطابها علي أساس أنها معادية لجماعة الإخوان المسلمين، إلي جانب تمسكها بهويتها الوطنية المصرية، وتلويحها الذي بدا شكليًا باستخدام القوة، إضافة إلي هذا الكم الهائل من الجهل والسطحية، الذي يعشش في عقول بعض الإعلاميين، فلم يكن من الصعب الحصول علي معلومات دقيقة بأن إعلان الحركة عن وجودها قد تم بعد شهر واحد من مشاركة بعض رموزها في مؤتمر بوادي حلفا، تحت لافتة إحياء التراث النوبي، ممول من مصادر أمريكية وإسرائيلية، تولي مسئولية الدعوة إليه وعقده وقيادته شخص اسمه 'أسامة داوود' معروف بارتباطاته الوثيقة بالمخابرات المركزية الأمريكية، ولم يمنع أحد أحدًا من أحباء التراث النوبي، ولا أحباء اللغة النوبية، رغم أن قاموس كلماتها، لا يحتوي سوي علي 350 كلمة فقط لا غير، ولذلك فإن فهم طبيعة الحركة، ومن ثم طبيعة التحالف بينها وبين 'حركة كوش'، والأهداف الاستراتيجية التي تتحرك مدفوعة بمصالح أجنبية لتحقيقها يتطلب الرجوع إلي الأهداف المعلنة لحركة 'كوش' نفسها، باعتبارها مصدر الدفع والحركة والتوجه، حيث يؤكد ميثاق الحركة ما يلي:
أولاً: أن 'النوبيين' جزء لا يتجزأ من شعوب كوش، التي تشمل شعوب السودان بما فيها الشعوب النيلية الممتدة جنوبًا، حتي قبيلة الماساي في كينيا، ويشمل شرقًا معظم شعوب القرن الإفريقي، وغربًا حتي قبيلة الأشانتي في غانا.
ثانيًا: إن قيام مملكة 'سنار' في القرن السادس عشر، كان البداية الفعلية لنشوء دولة في السودان تفرض الثقافة العربية الإسلامية بقوة السلطان، مهمِّشة ومغيِّبة ثقافة أهل البلد الأصليين والمستمرة حتي الآن، مرورًا بالاستعمار المصري عام 1821، وقيام سلطة المهدية الإسلامية عام 1885، ثم سلطة الاستعمار البريطاني المصري المشترك عام 1898.
ثالثًا: '... وتأسيسًا علي كل ما سبق ذكره يعلن الثوريون والوطنيون النوبيون، وجميع السودانيين الحادبين علي سيادة الوطن وتحرير أرضه المحتلة من قبل الاستعمار المصري في مثلث 'سرة' و'مثلث حلايب' و'الحوض النوبي' إنشاء الحركة لتحرير تلك الأراضي المحتلة من براثن الاستعمار المصري الاستيطاني العنصري، المتمسك بسياسة الأرض المحروقة، وذلك بالعمل علي تهجير سكانها النوبيين بعد غمر أراضيهم، ثم احتلال مثلث حلايب، ثم الوثوب والاستيلاء علي مثلث سرة، وأخيرًا الحوض النوبي مطلقًا عليه اسم مشروع توشكي.
رابعًا: '... إن غالبية الجماعات المكونة للشعب المصري الآن، هي جماعات وفدت غازية إلي وادي النيل، واستقرت علي الأراضي الحالية في مصر عن طريق الغزو والقهر وعبر الزمن، ولم تكن قط علي علاقات سلام وإخاء ومحبة مع الأفارقة أصحاب الأرض الأصليين وهم النوبيون وغيرهم من السود....، لذلك تضع الحركة مكانة خاصة للنوبيين الموجودين في الأراضي النوبية الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية المصرية، والذين يعيشون تحت ظروف قاسية من القهر والتهميش والاجتثاث والفصل العنصري في الصحراء'.
خامسًا: '... إن اتفاقية إغراق الأراضي النوبية، وإقامة السد العالي، تمت من وراء ظهر النوبيين والشعب السوداني، وتطالب بإعادة النظر في بنود تلك الاتفاقية، لأنها قامت علي باطل، إن تلك الحقوق حقوق تاريخية يجب الإقرار بها بدلا من الانفراد والاستمتاع بها دون وجه حق ومنحها لمن لا يملك، وحرمان أصحابها الحقيقيين وهم النوبيون في مصر والسودان'.
سادسًا: '... إن الحركة ستعمل من أجل الأفريقانية، والوحدة الإفريقية كما ستعمل علي إقامة علائق وثيقة مع الأفارقة الأمريكيين ومنظماتهم الاجتماعية والثقافية، كما ستتصدي للأطماع المصرية في إفريقيا بحجة حماية مصالحها المائية، كما تدعو إلي إعادة النظر في اتفاقيات مياه النيل بين دول الحوض، علمًا بأن مصر وبفضل البحيرة النوبية قد أمَّنت مخزونها المائي، علي حساب دول حوض النيل الإفريقية.
سابعًا: '... إن قوي الاستعباد والاستيعاب للنوبيين والسودانيين، ومنذ القرن السابع الميلادي جاءت عبر البوابة الشمالية من الجزيرة العربية، لذلك فإن مفهوم العلاقة المصرية السودانية أو مع ما يسمي بالأمة العربية هو محض افتراء، فعلاقة النوبة مع العرب كانت علاقات حروب وسفك دماء واستعباد، وما معاهدة البقط إلا دليلا علي ذلك، مرورًا بغزوات العمري ضد النوبيين واليجا، وتجريدات صلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس، والاستعمار المصري عام 1821 من أجل المال والذهب والعبيد..'
من المؤكد أنه يمكن استخدام الكثير من هذه المقاطع المأخوذة نصًا من الميثاق، في إطار التوجه الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي في منطقة جنوب مصر وأعالي النيل والبحر الأحمر، واستبيان أسباب زرع منظمة انفصالية مسلحة في المنطقة، والإعلان المباشر عن ميثاق مشترك بينها وبين حركة تحرير كوش، ومن المؤكد أن سبب احتفاء بعض الإعلاميين بها علي أنها معادية لجماعة الإخوان المسلمين هو محض اختلاق، فهي معادية للسيادة المصرية، وللمصالح والحقوق والاستراتيجية المصرية، بقدر عدائها للثقافة العربية الإسلامية، التي هي جوهر أيديولوجية العروبة، باعتبارها الغلاف الحضاري الحافظ لثمرة الإسلام.
نحن إذن أمام هجمة منظمة علي مصر جنوبًا، لا يقلل من شأنها أن منظمة كوش لا قاعدة لها في السودان، وإن كانت تعمل سرًا تحت ستار إحياء اللغة النوبية وحفظ التراث النوبي، ولا يقلل من شأنها أن قوام النوبيين في حلفا أو كومبو لا يزيدون علي 30 ألف شخص، وأن هذه المناطق هي أفقر المناطق في السودان باعتبارها الأكثر جفافا ووعورة جبلية في الناحية الشرقية، كما أنها الأضيق حافة في مجري النهر، ولكننا أمام أطماع تدفع دفعا إلي الوثوب داخل الحدود المصرية، ويحظي شعارها 'أفريقيا للأفريقيين'، بتعاطف من جميع دول حوض النيل، كما أنها تتلقي دعمًا من بعض هذه الدول، خاصة 'أفورقي' الذي ساهم في دعم الانفصال في السودان، ويساهم في دعم الانفصال عن مصر، كما أن لها امتدادات في دارفور وجنوب كردفان وجنوب السودان، إضافة إلي ارتباطاتها الوثيقة بالاستراتيجية الأمريكية في أفريقيا وفي قلبها الحركة الصهيونية.
إن الأطماع الاستراتيجية في هذا الإطار بعيدة المدي، ولكن في سياق الأهداف العاجلة والمباشرة، فوق محاولة خلخلة الجنوب المصري يبرز السد العالي كهدف مباشر شأنه شأن جبال من الطمي متراكمة خلفه، والتي تساوي مليارات الدولارات، باعتباره أخصب طين في العالم، تضع إسرائيل عيينها عليه، لإخصاب وزراعة النقب، كما يبرز فيتو عنصري يطيح بإمكانات واعدة لمشاريع زراعية مشتركة بين مصر والسودان، تتجاوز 4 ملايين فدان في منطقة 'أرقين' كما أنه يكرس الدعوة إلي سلخ 12500 كم2 في قطاع حلايب وشلاتين، التي هي جزء من التراب المصري، بكل ما يشمله من مناطق مرتفعة غنية، فضلا عن ثرواتها وإمكاناتها المعدنية والبترولية المؤكدة، في مواضع جبل علبة، وشنديب، ووضعها كجبهة استراتيجية عريضة وواسعة في البحر الأحمر.
ويا أيها الجالسون فوق رؤوسنا، من أي باب ستدخلون في التاريخ، بل من أي باب ستدخلون إلي جهنم وبئس المصير، إذ كانت أطماعكم الذاتية الجهولة الضيقة، تدفع بمصر دفعا، إلي معترك يمزق وحدتها، ويقطع أوصالها وأطرافها، ويهيئ السبل لقوي الإمبريالية والصهيونية، لكي تثب بالخديعة والقوة المسلحة علي أرضها..؟!
Email: [email protected]
Site : ahmedezzeldin.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.