أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات الجمعة 31 مايو    القاهرة الإخبارية: الاحتلال يقصف المحافظة الوسطى قي غزة    حالة الطقس المتوقعة غدًا السبت 1يونيو 2024| إنفوجراف    متحدث الحكومة: لن نرفع الدعم عن السولار لتأثيره على أسعار السلع والمواصلات    الرئيس السيسى يبحث مع رئيس مجموعة هندسة الطاقة الصينية التعاون المشترك    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. أحمد حمدي يوجه رسالة خاصة لجماهير الزمالك وشيكابالا يعلق على عقوبتي الشحات والشيبي    موعد مباراتي منتخب مصر أمام بوركينا فاسو وغينيا بيساو في تصفيات كأس العالم 2026    من بكين.. رسائل السيسي لكبرى الشركات الصينية    حالة الطرق اليوم، سيولة مرورية في حركة السيارات بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    أصابة 4 أشخاص في تصادم سيارتين بالطريق الصحراوي بسوهاج    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    السيسي يلتقى رئيس الشركة الصينية العامة للهندسةالمعمارية "سيسك"    محمد شحاتة: كنت أتمنى الانضمام لمعسكر منتخب مصر مع كابتن حسام حسن    البنتاجون: الأسلحة المنقولة إلى كييف يجب أن تستخدم على الأراضى الأوكرانية حصرا    العالم في 24 ساعة.. مصر تُكذب إسرائيل وقرار سري من الرئيس الأمريكي    تباين أسعار الذهب الجمعة 31 مايو 2024    توقعات تنسيق الثانوية العامة 2024 محافظة القاهرة    تعرف على موعد إجازة عيد الأضحى المُبارك    تحذير خطير لسكان هذه المحافظات من تناول سمكة الأرنب.. تسبب الوفاة في نصف ساعة    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة وزيرة الثقافة    عمر خيرت يٌبدع في حفل التجمع الخامس (صور)    أنغام وتامر عاشور يتألقان من جديد في احتفالية ضخمة بالقاهرة الجديدة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 31 مايو 2024    الجيش الأمريكي يعلن تنفيذ عدة هجمات استهدفت الحوثيين في اليمن    وزير التعليم لبعض طلاب الثانوية: لا تراهن على التأخير.. هنفتشك يعني هنفتشك    وزير الدفاع الألمانى: زودنا أوكرانيا بربع منظومات "باتريوت" الموجودة لدينا    دانا حلبي تكشف حقيقة زواجها من الفنان محمد رجب    لماذا بكى محمد شحاتة على الهواء.. أبوه السبب    وزير المالية: أثر رفع الدعم على التضخم سيكون مؤقتًا، وسنعوض المواطنين عن تأثيراته    الأوقاف تفتتح 10 مساجد.. اليوم الجمعة    شاهد.. الفيديو الأول ل تحضيرات ياسمين رئيس قبل زفافها    الأنامل الصغيرة بمكتبة مصر العامة على مسرح الهناجر ضمن فعاليات مهرجان الطبول    صافينار تعلن تطورات حالتها الصحية وتطالب جمهورها بالدعاء    الأعمال المكروهة والمستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة    طبق الأسبوع| من مطبخ الشف هبة أحمد.. طريقة عمل «السينابون»    فلسطين.. 5 شهداء بينهم أطفال ونساء جراء قصف الاحتلال منزلًا بمخيم البريج    ملف رياضة مصراوي.. حكم ضد نجم الأهلي.. إيقاف لاعب بيراميدز.. وقائمة ريال مدريد    يورجن كلوب يكشف حقيقة اعتزاله التدريب عقب رحيله عن ليفربول    أوكا يشعل حفل زفاف يوسف أسامة نبيه (صور)    قبل حلول عيد الأضحى.. ندوات في المنيا عن أهمية ذبح الأضاحي داخل المجزر    «مسار إجباري» يشعل حفل المتحف الكبير    البابا تواضروس يستقبل وفدًا رهبانيًّا روسيًّا    الإفتاء توضح مرحلة انتهاء كفالة اليتيم    حج 2024| تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين.. الإفتاء تجيب    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 31 مايو في محافظات مصر    «الحرمان من الامتحان و7 سنين حبس».. وزير التعليم يحذر من الغش في الثانوية العامة    «ناتو» يرحب بالشركات العميقة مع الدول في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ    كيف يمكن للكواكب أن تساعدك على اختيار المسار المهني المناسب لك؟    «الإفتاء» توضح فضائل الحج.. ثوابه كالجهاد في سبيل الله    د.حماد عبدالله يكتب: حينما نصف شخص بأنه "شيطان" !!    بحضور وزير الرياضة وعلام، منتخب مصر يخوض ثاني تدريباته استعدادا لمواجهة بوركينا فاسو (صور)    شاهندة عبدالرحيم تهنئ الإعلامية آية عبدالرحمن بحصولها على الماجستير في الإعلام التربوي    بالصور.. إنهاء خصومة ثأرية بالمنيا بتقديم 2 مليون جنيه شرط جزائي    في اليوم العالمي للتدخين.. لماذا ينجذب الشباب لأجهزة التبغ المسخن؟    لمدة تتخطى العام ونصف.. طريقة حفظ الثوم في الفريزر والثلاجة    الصحة والحيوية.. فوائد تناول زيت الزيتون «على الريق»    التنظيم والإدارة: إتاحة الاستعلام عن موعد الامتحان الإلكتروني للمتقدمين ب3 مسابقات للتوظيف    مديرية العمل بالمنيا تناقش اشتراطات السلامة والصحة المهنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في وثيقة الإخوان الاستراتيجية لسبي مصر..!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 04 - 03 - 2013

هذه وثيقة كاشفة، ولا أريد أن أقول فاضحة أو صادمة، وهي ليست كاشفة فقط، بمعني أنها تعرّي ما تحت جلد خطاب وسلوك جماعة الإخوان المسلمين، فتظهر أحشاءه الداخلية، وكأنه جثمان ممدد فوق طاولة في غرفة للتشريح، مفتوح بالطول والعرض والعمق، ولكنها تظهر فوق ذلك، وربما قبل ذلك، منهج التفكير؛ فلا يبدو إلا منهجًا استحواذيًا ذرائعيًا نفعيًا استعلائيًا، يتفصّد من عقل مأزوم مغلق، حتي لقد بلغ بي الظن بعد أن فرغت من قراءتها مرات، أن صاحبها بوصفه ممثلاً للجماعة، وهو نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، قد خرج للتو من خندقه تحت الأرض،، لكنه أخذ خندقه معه، وما يحمله فوق رأسه، فلا يري إلا من خلال ثقب في جداره، أو كوّة في سقفه، معزولا عن حركة الناس ونبض الحياة، وإن ادعي أنه منغمس فيها، ولذلك تتوقف حدود رؤيته عند شيئين لا ثالث لهما: أولهما ذات الجماعة المتمركزة علي نفسها علي جانب، وثانيهما شبح النظام السابق الذي يتجسد لها حيّا في كل ما تراه، مهددا وجودها في اليقظة والمنام والحل والترحال علي جانب آخر.
أولا: إذا لجأنا إلي منهج تحليل مفردات اللغة في الوثيقة أو الخطاب، فسوف نجد أن أكثر المفردات استخداما وإلحاحا وتكرارا بلا منازع، هي 'النظام السابق'، فقد تكررت عبر 12 صفحة هي حجم الوثيقة، بالعدد 156 مرة، أي بواقع 13 مرة في كل صفحة، مما يعني أنها موجودة تقريبا في كل سطر من سطورها.
وإذا كانت الوثيقة ذاتها تحمل تاريخ إصدارها في 13 فبراير 2013، ويفصلها زمنيا بالتالي عن حدث انفجار الثورة 745 يوما، بكل ما تحمله من متغيرات عاصفة، فإن ذلك يعني أحد أمرين، وبالأحري كليهما معًا:
الأول: أننا أمام نزعة نفسية قاهرة، ما تزال حيّة ومؤثرة، من دافع صدمة السقوط المفاجئ للنظام السابق غير المتوقع ولا المنتظر عندها إلي قمة السلطة، حد أن اكتمال السقوط والصعود، لا يزال أبعد من أن يستوعب لديها بوصفه واقعًا قائمًا، والحقيقة أنني فوجئت بهذه الدلالة، تتنزل من حديث جانبي لأحد قادة الجماعة قبل شهور، في أعقاب حوار تليفزيوني صدامي تشاركنا فيه، فقد حرص الرجل بعد أن قذفني بكرات من اللهب في الحوار أن يخفف في أعقابه مما حدث، قائلا: 'لعلك لا تغالي في اتهامك للجماعة بالارتباك وغيبة البرنامج، إذا علمت أننا وجدنا أنفسنا في السلطة دون توقع، فقد كانت حساباتنا وتخطيطنا، أن ذلك يمكن أن يتحقق بعد 15 عاما بالتمام والكمال'.
والثاني : أننا أمام نزعة أيديولوجية تجاهد لكي تمنح سلوكها غطاءا سياسيا وأخلاقيا زائفا، ولهذا فهي تسعي إلي أن تصور لنفسها وللآخرين، أن كل ما تفعله من استحواذ، واستبعاد، وانفراد بالسلطة، وهدم لأركان الدولة، وتقويض لقواعد الأمن القومي، بل من ترويع وإرهاب لمن عداها من القوي السياسية والاجتماعية، يكتسب المشروعية السياسية والأخلاقية، من كونه موجهًا إلي النظام السابق، دون ما عداه، فعندما تلصق لافتة 'النظام السابق' فوق القضاء، والجيش، والمخابرات والشرطة، وجميع الأحزاب والقوي السياسية الأخري- التي تصفها الوثيقة بأنها غير الإسلامية- فإن تصويب المدفعية الثقيلة وإطلاقها عليها جميعها دون استثناء، بغية تقويضها وهدم أركانها، يكتسب مشروعية ذاتية سياسية وأخلاقية شكلية، وإن كانت ذرائعية وفاسدة وزائفة.
ثانيًا: إذا واصلنا استخدام منهج تحليل مفردات الوثيقة أو الخطاب، فسوف نجد أن أكثر المفردات استخدامًا وتكرارًا بعد ذلك هي مفردات: 'الثورة' التي تكررت 88 مرة، ثم مفردة 'معركة' وقد تكررت 38 مرة، ثم مفردة 'التفكيك' وقد تكررت 37 مرة، ثم مفردة 'الدولة العميقة' وقد تكررت 23 مرة، ولذلك فإن هذه المفردات اللغوية إضافة إلي مفردة 'النظام السابق' تكاد أن تشكّل الأعمدة الرئيسية التي تقوم عليها الوثيقة، فكرًا وتوجهًا وهدفًا استراتيجيًا.
ثالثًا: إذا توقفنا عند تكرارية كلمة 'الثورة' 88 مرة في الوثيقة، فإنها تعكس ظاهرة متكررة الاستخدام، وهي 'الإحلال اللغوي' أي إحلال معني كلمة مكان كلمة أخري، وطرد الأخيرة من الساحة، فقد استُخدمت مثلا كلمة 'تحرير الاقتصاد' بديلا لكلمة 'خصخصة الاقتصاد' لإضفاء دلالة ثورية، تشبه تحرير الأرض علي عملية مناهضة لمعني التحرير ذاته، باعتبارها أقرب إلي 'استعمار الاقتصاد' بالاستحواذ عليه من قبل الأجانب، وهذا ما وظفته الوثيقة تماما، بالإحلال الدائم لكلمة الثورة، مكافئًا لغويًا لكلمة الجماعة، فأينما حلّت الأولي، لن تجد في مضمونها داخل سياقها اللغوي، إلا 'جماعة الإخوان المسلمين' فالثورة هي الجماعة، والجماعة هي الثورة، وكل ما يصدر عنها بالتالي هو فعل ثوري، وكل ما يصدر عن عمل عداها أيًا كان هو فعل مناهض للثورة، ومضاد لها، بل إن الوثيقة تمضي إلي ما هو أبعد من ذلك مشكّلة قناعة ذاتية، بأن فعل الثورة، والثورة ذاتها كانا من صنع جماعة الإخوان المسلمين، وأنها شكّلت بألفاظها رأس رمحها، وقوة دفعها، وما سوي الجماعة ابتداء من الجيش، وانتهاء بالقوي السياسية المختلفة، مرورا بجميع الطبقات والقوي الاجتماعية، والأجيال الصاعدة، جميعهم لم يكونوا أكثر من زوائد في العملية الثورية، فالثورة وفق منهج الوثيقة ومفرداتها، هي صناعة إخوانية كاملة، حيث يسود خلط دائم في كل تعبير بين قوي الإخوان، وبين قوي الثورة، وإذا امتد دور الإخوان إلي المستقبل بحكم المهام التي تلقيها الوثيقة علي أكتافهم، باعتبارهم قوي الثورة المتفردة والمنفردة، التي عليها أن تهدم الدولة وتعيد تفصيلها كلها علي مقاس رؤيتها وحجمها ومصالحها، فإنهم يضفون علي أنفسهم بأنفسهم، مكانًا أعلي ومكانة أرفع، باعتبارهم القوي المحركة للتاريخ.
رابعًا: وإذا توقفنا عند تكرارية مفردات 'المعركة' و'التفكيك' و'الدولة العميقة' وقد تكررت 38 مرة و37 مرة و23 مرة علي التوالي، لوجدنا في بنية السياق اللغوي ذاته، تداخلاً مدهشًا بين هذه المفردات، يكاد أن يشكل تزاوجًا والتزامًا مترابطًا بينها جميعها في حيز الخطوط الرئيسية للاستراتيجية التي تطرحها الوثيقة، ولعل كلمة 'المعركة' نفسها في هذا الحيز، تشي بمشروعية ذاتية لاستخدام كل الأسلحة الممكنة، من العزل إلي الإكراه، إلي التفتيت والتفكيك، إلي استخدام وسائل انقلابية وغير ديمقراطية، بل إنها تعطي رخصة استخدام أدوات القوة المادية، لكن توصيف المعركة يتحدد في قلب الوثيقة، من طبيعة الاصطفاف نفسها، وبالتالي فإن ميدان المعركة المستمرة، هو مساحة الصدام بين قوتين أو جبهتين محددتين، هما: 'النظام السابق' و'جماعة الإخوان المسلمين' بنص الوثيقة، هي التي تصدت لقوي النظام السابق في كل المعارك، والقوة الأولي التي تتصدي لكل محاولات الثورة المضادة وتدفع ثمنًا غاليًا في كل المعارك، فإن بقية القوي الإسلامية، كما تؤكد الوثيقة، 'لا تشارك جماعة الإخوان المسلمين في كل المعارك، خاصة أنها لم تشارك في عركة تغيير الحكومة بعد انتخابات مجلس الشعب، ولم تشارك في المعركة الانتخابية الرئاسية، التي كانت ذروة المعارك مع قوي النظام السابق'، وهو ما يعني أن جبهة المواجهة الأولي في ميدان المعركة، إنما تتشكل من الجماعة وحدها بالأساس، بحكم تخاذل بقية القوي الإسلامية عن المشاركة في ذروة المعارك، أما الجبهة الثانية–كما تقول الوثيقة فإنها تتشكل بالأساس أيضًا من قوي 'النظام السابق' وهو تعبير يتسع كما قلنا، لجميع القوي الاجتماعية، وجميع الأحزاب السياسية، وجميع التيارات الفكرية والثقافية والإعلامية، بل إنه يتسع ليشمل كذلك جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها، ونخبة الدولة المهيمنة بكل مكوناتها في 'المؤسسات المدنية' و'المؤسسة العسكرية' و'المؤسسة الشرطية' و'المؤسسة القضائية للدولة' إضافة إلي الكتل الاجتماعية المؤيدة للنظام السابق، بل وعائلات المنتمين للمؤسسات المركزية في الدولة مثل القضاء والجيش والشرطة، حسب تحديد الوثيقة.
وهو ما يحتم في منظور أصحاب الوثيقة، ضرورة العمل علي تفكيك هذه المؤسسات، بل تفكيك الدولة ذاتها، لماذا؟ تجيب الوثيقة: 'لأن تفكيك الدولة العميقة من أهم معارك الثورة'، مع ملاحظة استبدال كلمة الثورة بكلمة جماعة الإخوان كلما ورد ذكرها، ولأن 'بقاء الدولة المهيمنة يعني بقاء النظام السابق' ولأن 'الدولة العميقة أو الدولة الخفية أهم تحدٍ يواجه عملية الإصلاح'، ولهذا كما تضيف الوثيقة بالحرف الواحد فإن 'جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة اعتمدا استراتيجية التفكيك المتتالي للدولة العميقة وهو ما تبناه الرئيس محمد مرسي بعد انتخابه' ولهذا تستطيع أن تستخلص من السياق الكامل لاستخدام مفردات المعركة، والتفكيك، والدولة العميقة، أن جبهة المجهود الرئيسي لعمل جماعة الإخوان المسلمين ليست الأحزاب والتيارات السياسية والاجتماعية، وإنما جبهة المجهود الرئيسي تتحد أساسا في مواجهة العدو الرئيسي وهو الدولة المصرية.
خامسًا: في تحديد ميدان المعركة، والقوي المضادة للثورة تفصح الوثيقة عن القاعدة الاستراتيجية لموقفها من القوات المسلحة، وتؤكد زيف وكذب خطابها، الذي يعلو صوته كلما استشعرت الخوف وأحست بالخطر، بكلمات مفعمة بعواطف الرضا عن الجيش، وعن دوره الوطني، ولا أقصد بذلك فقط، ما يتعلق بدور الجيش التاريخي ومجلسه الأعلي في حماية الثورة، والذي ألغته الوثيقة تمامًا، شأنه شأن دور قوي الثورة الحقيقية ذاتها، بعد أن احتكرت فعل الثورة من أوله إلي آخره للجماعة، ولكنني أقصد ما يتعلق- أيضًا- بدور المجلس الأعلي للقوات المسلحة في أعقاب الثورة، وعلي امتداد المرحلة الانتقالية، فقد ألبست المجلس دورًا مناهضًا للثورة، وخلعت عليه كل ملامح الثورة المضادة، ولخصت ذلك في أنه 'عَمِلَ علي حماية بقاء النظام السابق' وعَمِلَ 'من خلال أذرع الدولة العميقة في القضاء علي الكيانات المنتخبة ممثلة في مجلس الشعب والجمعية التأسيسية، حتي تتمكن قوي النظام السابق من العودة مرة أخري للحياة السياسية' غير أن الجماعة كما تقول الوثيقة استطاعت بنجاح التصدي لمحاولات المجلس خاصة عندما 'أظهرت تلك المعركة، أن المجلس لن يسمح لقوي إسلامية بتشكيل الحكومة' وبعد نجاح مرشح الجماعة د. مرسي استطاعت الجماعة كما تقول الوثيقة 'توجيه أكبر ضربة لمخططات النظام السابق' أي إلي الجيش بالدرجة الأولي، و'استطاع الرئيس من خلال العديد من المعارك إنهاء الدور السياسي المباشر للقوات المسلحة'، وكذلك 'تأمين عمل الجمعية التأسيسية' و'صد المخطط القضائي الهادف لهدمها' و'تأمين صدور الدستور الجديد' وحتي بعد أن نجحت الجماعة في إنهاء الدور السياسي للقوات المسلحة كما تقول الوثيقة فقد تصدي الرئيس لعملية انقلاب منظمة علي مؤسسة الرئاسة كانت تهدف للوصول إلي السلطة، وقامت الجماعة بدورها لحماية شرعية الرئيس، بعد أن بات واضحًا أن أجهزة الدولة لن تحمي الرئيس، إن هذا المتن الذي يستولي علي مساحة كبيرة في الوثيقة، يقطع بعدة حقائق، ينبغي أن تكون واضحة جلية للعيان :
إن الحديث عن تحالف بين المجلس الأعلي للقوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين هو محض اختلاق، روَّجت له الجماعة بنفسها للأسف الشديد، والواضح أن ميدان المعركة علي امتداد المرحلة الانتقالية، وحتي ما بعد الانتخابات الرئاسية، كان بين جبهتين محددتين هما، القوات المسلحة وجماعة الإخوان، والواضح أيضًا أن كل محاولات ذم الجيش والدعوة إلي إسقاطه، بل إلي الاصطدام المادي به، لم تكن بعيدة عن تخطيط الجماعة، وعن المناخ الذي انتجته ضد القوات المسلحة، رغم خطابها العلني المراوغ، إضافة إلي الدور الملموس لحلفائها الإقليميين والدوليين.
إن الجيش نفسه حتي بعد إنهاء دوره السياسي، لم يكن بعيدًا عن المحاولات المختلفة التي أفاضت الوثيقة بالحديث عنها، للانقلاب علي مؤسسة الرئاسة، فقد كان واضحًا كما تقول الوثيقة أن أجهزة الدولة وفي مقدمتها الجيش لن تحمي الرئيس، لأنها حسب تفسيرها ما زالت تحت سيطرة النظام السابق.
إن الجماعة بعد أن أدركت– كما تؤكد الوثيقة– لحظة الانقلاب علي الثورة قامت بدورها لحماية شرعية الرئيس، وهو ما يعد اعترافا مباشرا بدور الجماعة في عملية الهجوم المنظم علي المعتصمين عند قصر الاتحادية، وقيامها باستخدام العنف والقوة ضدهم، والإقدام علي قتل بعضهم بالرصاص الحيّ.
إن القوات المسلحة، ليست بعيدة عن استراتيجية التفكيك، بل ما تزال ساكنة ومستهدفة في قلبها، غير أن نجاح هذه الاستراتيجية كما تقول الوثيقة إنما يعتمد علي منهج التفكيك الجزئي المتتالي، وعدم اللجوء إلي المواجهة الشاملة مع الدولة العميقة، لماذا؟ 'لأن التفكيك الجزئي والمتتالي يضعف الولاءات 'ولأن المواجهة المرحلية والجزئية' تبدل في مصالح المنتمين لشبكة الدولة العميقة 'وإذا كان إضعاف ولاء الجيش قيادة وبنية للوطن والشعب مستحيلا، وإذا كانت المصالح يصعب أن تحل في حالته محل العقيدة الوطنية، فكيف سيكون الحل، إلا فرضًا قسريًا لعملية التفكيك، وهو ما يعني، في كل الأحوال أن الجيش ما يزال يشكل الهدف الاستراتيجي للجماعة، أيًا كانت صيغ تحقيق هذا الهدف.
إن ذلك يعني في جانب منه، أن مؤسسات الدولة جميعها ما تزال في إطار سلسلة متتالية من أهداف عملية التفكيك، وإذا تصورت إحدي هذه المؤسسات أو قيادة فيها، أن محاولة التكيف مع هذه الاستراتيجية، بإظهار الولاء أو تفعيل المصالح، سوف يمثل حماية لها، فإنها ستقع في خطأ استراتيجي كبير، ذلك أن حجم الدفع بعملية التفكيك المصحوب بقوة دفع شديدة لتغيير البيئة الوطنية ذاتها سوف يجعل صمود المؤسسات والأشخاص، ذا طبيعة انتقائية حسب الدور في السلسلة، كما أنه وهو الأهم ذا طبيعة انتقالية تحت سقف زمني مؤقت.
سادسًا: إن عملية تفكيك مؤسسات الدولة متعددة المستويات، فإضافة إلي مستوي تفكيك المؤسسات بتغيير الولاءات داخلها، هناك مستوي آخر، لتفكيك أجزائها، ومستوي ثالث يقوم علي التفكيك المتتالي للروابط والشبكات فيما بين هذه المؤسسات، إضافة إلي مستوي رابع لتبديل مصالح المنتمين إليها، علمًا بأنه كلما تم تفكيك أجزاء مهمة منها غير هذه المستويات، كلما أصبح تفكيك المستويات الأخري أسرع، فتفكيك الانخراط السياسي للقوات المسلحة– بنص الوثيقة– أفقد مؤسسات قضائية غطاء مهمًا، كما أن اشتراك قضاة في الإشراف علي الاستفتاء الدستوري، انتصار مهم، لماذا ؟ لأنه أظهر أن هناك تباين مواقف بين المنتمين للمؤسسة القضائية، أي أنه نجح في كسر وحدتها، كما أن تغيير النائب العام كان هدفه، تفكيك الذراع القضائي للنظام السابق.
غير أنني أستطيع أن أجزم داخل هذا السياق بأن الهدف الاستراتيجي في المقام الأول، هو تفكيك المؤسسة العسكرية، ولما كان ذلك مستحيلا الآن، فإن التوجه من الطبيعي أن يسعي إلي أن يطول أجزاء منها، ولما كان ذلك بالغ الصعوبة الآن، فإن التوجه الحالي، هو تفكيك الروابط والشبكات فيما بين المؤسسة العسكرية، وبقية مؤسسات الدولة الأخري علي جانب، إضافة إلي تفكيك روابطها مع جميع القوي السياسية والوطنية في حيز البيئة الداخلية، فضلا عن روابطها وشبكة علاقاتها في البيئة الخارجية.
بل أستطيع أن أجزم، بأن جانبا من ذلك يجري في حيز الواقع العملي دون أن أدخل في تفاصيل أكثر إيلاما وجرحا.
سابعًا: إن عملية التفكيك بمستوياتها السابقة، لا تقتصر علي مؤسسات الدولة، وإنما تتزامن معها معركة أخري لا تقل أهمية كما تقول الوثيقة عن المعارك الخاصة بالنظام السابق، وهي معركة تفكيك الكتل الاجتماعية المناصرة للنظام السابق، وهي معركة كما تضيف الوثيقة منوطة بالقوي الإسلامية فقط وجماعة الإخوان خاصة، وإذا تحقق تفكيك هذه الكتل حتي قبل تفكك الدولة العميقة، فإن هذا يعني نهاية النظام السابق، أما لماذا تكون هذه المعركة وقفا علي القوي الإسلامية، لأن غالبية هذه الكتل لها توجه تقليدي محافظ، ولديها توجهات إسلامية، ولكنها رغم توجهها الإسلامي، فإنها معادية للقوي الإسلامية.
وهذه معادلة كاشفة بدورها في إطار الوثيقة، إذ كيف يستقيم وجود توجه إسلامي داخل هذه الكتل، بينما توصف وتصنف علي أنها معادية للقوي الإسلامية؟ والتفسير هنا يكتسب أهمية خاصة، فليست الجماعة ولا القوي المتحالفة معها، تخوض حربًا وصراعًا من أجل السلام، إذ لو كان المر كذلك لكان توجه هذه الكتل الإسلامية كافيًا لأن يعصمها من مخطط الجماعة الاستراتيجي والدعوي معًا.
فالاستراتيجية هنا والحرب هنا، ليست معنية بقضية الإسلام من قريب أو بعيد، وإنما هي معنية، بقضية أخري تمامًا، وهي قضية الولاء، أي الولاء بالمطلق للجماعة، لا للوطن، ولهذا تتسع استراتيجية التفكيك إلي 'فك روابط عامة الناس بالنظام السابق، وتغيير البيئة السياسية' وهو ما يتطلب بالضرورة أعمالا ذات طبيعة انقلابية، واحتكارية، قد تتسم بالعنف.
يبقي في منهج التحليل جانب مهم، لم يعد ثمة وقت له، وهو 'السكوت عنه' في الوثيقة، وهو مجمل الأوضاع الداخلية، والانهيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما لحق بالبيئة الوطنية كلها، من زلزلة وانكشاف وتصدع، وفصم لعري الوحدة الوطنية، وهو ما تفسره الوثيقة نفسها، باعتبار أن هم الجماعة والسلطة، منصرف كليا إلي تنفيذ استراتيجية الاحتواء والتفكيك، مع أن الحقيقة الساطعة الدامغة، أننا لسنا بصدد وثيقة لتفكيك مصر، أو فتح مصر، بقدر ما نحن أمام استراتيجية لسبيّ مصر، وتحويلها من أُمّة إلي أَمَة في بيت الطاعة الإخواني.
ومن له عينان فلير، ومن له أذنان فليسمع.
Email: [email protected]
Site : ahmedezzeldin.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.