عقيدة الولاء والبراء: هل يختلف مفهوم الإخوان, الذي طرحناه في الحلقة السابقة, حول الأقباط وغير المسلمين, عن مفهوم الولاء والبراء الذي يطرحه الظواهري, القائد الميداني لتنظيم القاعدة في وثيقته الشهيرة المعنونة الولاء والبراء.. عقيدة منقولة وواقع مفقود؟ لقد دعا الظواهري صراحة في تلك الوثيقة, وفي تطابق ملحوظ ومهم مع قادة الإخوان, إلي عدم جواز تولية الذمي مناصب مهمة, وذكر عدة وقائع مختلفة ومنسوبة للخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه, كان قد تصدي لها منذ أكثر من خمسين عاما العلامة الشيخ عبد المتعال الصعيدي, في كتابه القرآن والحكم الاستعماري حينما قرر أن الأصل في معاملة أهل الذمة هو ما فعله الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم وليس أحدا غيره مهما علا شأنه, ثم تعرض الصعيدي للأسباب التي دعت ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه, لمعاملة بعض أهل الذمة في حينها معاملة فيها شيء من التمييز, وذلك علي أساس أن الرقعة الجغرافية التي مارس فيها عمر بن الخطاب هذه الممارسات كانت تعتبر معسكرا للجندية, لايجوز أن يلبس فيها ملابس الجند سوي الجنود وهو ما يحدث الآن حيث تجرم معظم الحكومات من يقوم من المدنيين بارتداء ملابس العسكر وقدم الشيخ منهجا عظيما في كيفية معاملة أهل الكتاب في ديار الإسلام, سيأتي مجال شرحه بالتفصيل بعد الإنتهاء من هذه الدراسة. ولكن الظواهري يمضي في وثيقته ليؤكد ما سبقه إليه قادة الإخوان من ضرورة أن يهب المسلمون في كل أنحاء العالم للجهاد في وجه الصلبييين الجدد, الأمريكان, ومن والاهم. ولا حاجةلنا هنا إلي الاسهاب في عرض وجهة نظر الرجل, فقد أفردنا لها مكانا في كتابنا خلف الإرهاب: تنظيم القاعدة من عبدالله عزام إلي أيمن الظواهري الجزء الثالث, وخلاصتها أن العداء الكامل والشامل لكل ما هو غير إسلامي واجب مقدس علي كل مسلم, من تركه كان آثما, وهو ما يخالف جميع المنقولات الصحيحة من قرآن وسنة, عملية وقولية, وكذا جميع تفاسير وأقوال وفتاوي علماء الإسلام الثقاة, قدماء ومحدثين, ثانيا: الإطار الحركي: قضية التمكين, عبر الأطر الانقلابية التي تتراوح بين الانقلاب العسكري أو الدستوري, عبر الثورة المسلحة أو العصيان المدني, هو الهاجس المسيطر علي المجال الحركي لكبري الحركات الإسلامية. ولا يشذ الإخوان عن هذه القاعدة بالطبع, ففي وثيقة شهيرة عثرت عليها الشرطة المصرية في عام1991 في منزل المهندس خيرت الشاطر, النائب الثاني للمرشد العام للجماعة حاليا, أطلق عليها وثيقة التمكين, تشرح الجماعة خطتها للوصول إلي السلطة في مصر, وهي الغاية الكبري لجميع الجماعات والحركات الإسلامية علي مختلف مشاربها, باعتبار أن السلطة هي الأدارة التي ستمكنهم من تنفيذ ما يعتقدون أنه شرع الله من وجهة نظرهم. ولعل هذه الوثيقة هي أخطر وثائق جماعة الإخوان المسلمين السرية, علي الإطلاق وهي كما يشير عنوانها تتعلق بخطة الجماعة من أجل الاستيلاء علي الحكم, لأن معني التمكين, كما تقول الوثيقة بالحرف الواحد: هو الاستعداد لتحمل مهام المستقبل وامتلاك القدرة علي إدارة أمور الدولة, وذلك لن يتأتي, كما تؤكد الوثيقة, بغير خطة شاملة تضع في حساباتها ضرورة تغلغل الجماعة في طبقات المجتمع الحيوية, وفي مؤسساته الفاعلة مع الالتزام بإستراتيجية محددة في مواجهة قوي المجتمع الأخري والتعامل مع قوي العالم الخارجي. وتضع الوثيقة, المكونة من13 ورقة فلوسكاب, مهمة التغلغل في قطاعات الطلاب والعمال والمهنيين وقطاع رجال الأعمال والفئات الشعبية الأقل قدرة, باعتبارها حجر الزاوية في خطة التمكين, لأن من شأن انتشار جماعة الإخوان في هذه القطاعات كما تقول الوثيقة أن يجعل قرار المواجهة مع الجماعة أكثر صعوبة ويفرض علي الدولة حسابات أكثر تعقيدا, كما أنه يزيد من فرص الجماعة وقدرتها علي تغيير الموقف وتحقيق التمكين. (عبدالرحيم علي: كشف البهتان: الإخوان المسلمون.. وقائع العنف وفتاوي التكفير ص56) وتشير الوثيقة بوضوح بالغ إلي أهمية تغلغل جماعة الإخوان في المؤسسات الفاعلة في المجتمع, وهنا مكمن الخطورة, لأن المؤسسات الفاعلة في عرف الجماعة ليست فقط النقابات المهنية والمؤسسات الإعلامية والفضائية ومجلس الشعب, لكنها أيضا المؤسسات الأخري التي تتميز بالفاعلية والقدرة علي إحداث التغيير والتي قد تستخدمها الدولة في مواجهة الحركة وتحجيمها. إن وثيقة التمكين تصرح بماهية المؤسسات الأخري التي يجري تجهيلها عمدا, لكن الوصف يشير بوضوح بالغ إلي مؤسستي الجيش والشرطة, والذين يعرفون تاريخ الإخوان لا يرون في ذلك غرابة لأن الإخوان هي الحركة السياسية الوحيدة التي كان يدخل ضمن خططها من أجل الوصول إلي الحكم محاولة التغلغل في الجيش والشرطة, بغية الاستيلاء علي الحكم, وهو بالضبط ما حدث في السودان علي سبيل المثال!.. وتطرح الوثيقة أيضا رؤية لكيفية التعامل مع النقابات وجماعات الضغط في المجتمع وقوي الأحزاب السياسية, من خلال سياسة طويلة المدي تبدأ من التنسيق إلي التحييد إلي الاحتواء إلي الإمساك بزمام الموقف والسيطرة عليه من خلال السيطرة علي مراكز اتخاذ القرار. علي أن أخطر ما تطرحه الوثيقة هو رؤية جماعة الإخوان لكيفية التعامل مع قوي العالم الخارجي, خاصة الغرب والولايات المتحدةالأمريكية, حيث يتكشف الوجه الحقيقي للجماعة, لأن الوثيقة تؤكد اهمية إشعار الغرب, وأمريكا علي وجه الخصوص, بأن الإخوان لا يمثلون خطرا علي مصالحهم, وأن من صالح الغرب أن يتعامل مع الإخوان عند التمكين لأن الإخوان يمثلون قوة تتميز بالاستقرار والانضباط( المصدر السابق, ص57). ثلاث عشرة صفحة فلوسكاب من الحجم الكبير معنونة بكلمة التمكين, موضوعة في شكل تقرير يؤكد أن المرحلة الجديدة من عمر التنظيم تتطلب المواجهة ولا تحتمل عمومية الأهداف السابقة في الانتشار والتغلغل, وتحذر الوثيقة من التضارب في القرارات بالنسبة للمواقف التي تتعرض لها الجماعة, فضلا عن التحدي والتهديد الخارجي والمواجهة السافرة بين الأنظمة الموجودة وحركات الإسلام السياسي العاملة علي الساحة. تبدأ الوثيقة بطرح تساؤلين هما لب خطة التمكين. الأول: ما هي الأوضاع التي ينبغي أن تكون عليها الحال والنتائج الموجودة علي المدي القريب والقصير من حيث: تحقيق الرسالة. توافر الاستمرارية. الاستعداد للمهام المستقبلية. رفع الكفاءة( المصدر السابق, ص57). والرسالة في عرف الجماعة, وحسب نص الوثيقة, تستهدف التهيؤ لتحمل مهام المستقبل وامتلاك القدرة علي إدارة الدولة وإعداد البناء الداخلي لمهام مرحلة الكفاءة, والأخيرة تقصد بها الوثيقة وضع سياسة مواجهة لذلك التهديد الخارجي, يقصدون به محاولات إجهاض مخططات الجماعة للسيطرة والتغلغل, وذلك عن طريق: الانتشار في طبقات المجتمع الحيوية والقدرة علي تحريكها. الانتشار في المؤسسات الفاعلة ويقصدون بها الجيش والشرطة. التعامل مع القوي الأخري. وأخيرا الاستفادة من البعد الخارجي. إدارة الدولة: مقترحات الصور * ابراهيم شكري( حزب العمل) مصطفي كامل مراد( رئيس حزب الأحرا السابق). * د. حمدي السيد نقيب الأطباء * صورة لتظاهرة إخوانية لطلاب الجامعة. لعل أخطر ما في هذه الوثيقة أنها توضح الشكل الانقلابي الذي يعده الإخوان للسيطرة علي نظام الحكم الوصول إلي مرحلة إدارة الدولة, أو ما اصطلح علي تسميته في تلك الوثيقة الخطيرة بالاستعداد للمهام المستقبلية. وتقول الوثيقة: إن المحافظة علي الحالة من التمكين التي يصل إليها المجتمع يتطلب ضرورة امتلاك القدرة علي إدارة الدولة لمواجهة احتمال اضطرارنا لإدارة الدولة بأنفسنا, وفي الوقت ذاته ستؤدي حالة التمكين إلي تكالب القوي المعادية الخارجية. لذا كان لابد من الاستعداد لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية من خلال أن يكون لدينا الإخوان رؤية لمواجهة التحديات, سواء من حيث امتلاك الإمكانيات اللازمة لتحقيق هذه الرؤية والقدرة علي تطويرها, وهذا يتطلب إعداد البناء الداخلي بما يتواكب مع متطلبات المرحلة ويحقق الاستخدام الأمثل للموارد والذي اصطلحت الوثيقة علي تسميته بالكفاءة. وتضيف الوثيقة:إن هذا يمثل التحدي العملي في تحقيق الخطة بأهدافها المختلفة مما يستوجب التعامل مع جزئيات البناء الداخلي لتطويرها كي تتوافق مع طبيعة المرحلة القادمة سواء من حيث الرؤية أو التكوين للأفراد أو البناء الهيكلي علي النحو التالي: فعلي صعيد الرؤية, وهي أحد أهم أضلاح مثلث مرحلة الكفاءة, فإن هذا يتطلب توحيد توجهات الصف في اتجاه البناء والتغيير, لذا لابد من استيعاب كامل من قبل الصف العناصر الإخوانية لقضية التغيير ووضوح كامل للتوجهات حتي لاتواجه الخطة بالمقاومة السلبية من الداخل, ضرورة البدء بطرح قضية التغيير للحوار علي جميع المستويات من اجل ان يتفاعل ويكون عامل المشاركة دافعا لإثارة كوامن الفكر والمبادرة وتجسيد القضية. في جانب تكوين الأفراد فإنه وحسب ماتصرح به الوثيقة إضافة الي البرنامج التكويني القائم حاليا, فلابد أن يشمل في المرحلة المقبلة انعكاسات الجزئيات المختلفة للخطة عليها. فالانتشار في طبقات المجتمع, وهو صلب خطة التمكين, يتطلب رفع قدرة الأفراد علي التأثير في قطاع عريض من المجتمع, برفع إمكانات الحوار والقدرة علي الاقناع والتدريب وذلك عن طريق: إحداث التوازن بين الدعوة الفردية, من أجل الضم للصف, والدعوة العامة. تنمية حلقات القيادة والقدرة علي تحريك المجموعات. أما بالنسبة للانتشار في المؤسسات الفاعلة, فهذا يتطلب: رفع قدرة الأفراد علي اختراق المؤسسات دون فقدان الهوية. رفع قدرة الأفراد علي التعامل مع المعلومات. وبالنسبة للتعامل مع القوي الأخري, لابد من تربية الأفراد علي إقامة جسور فكرية أو عملية معها. وبالنسبة لمهمة إدارة الدولة ومهام المستقبل فإن هذا يتطلب: 1 الاهتمام بمجموعة مختارة تنمي فيها القدرة علي إدارة المؤسسات العامة 2 القدرة علي استيعاب المتميزين في القطاعات المختلفة والاستفادة منهم. وإلي جانب البناء الهيكلي, فإن المنهج العملي للإدارة يتطلب: توفير المعلومات اللازمة لأداء المهام المختلفة. إرساء مبدأ التفويض واللامركزية في الأعمال ما أمكن. ارساء مبدأ التفرغ لشغل المناصب ذات الأهمية. مرونة الهيكل بحيث تسمح بإضافة كيانات جديدة استجابة للخطة جهاز معلومات علاقات سياسية. استكمال الهياكل بناء علي أهمية العمل في الخطة وأولويته( المصدر السابق, ص59) القاعدة ومفهوم التمكين: هل تختلف تلك الرؤية مع رؤية تنظيم القاعدة لمفهوم التمكين, يحدد الظواهري في كتابه فرسان تحت راية النبي مفهوم التمكين للحركة الإسلامية الموالية لأفكار التنظيم قائلا: إن إقامة الدولة المسلمة في قلب العالم الإسلامي ليست هدفا سهلا ولا مغنما قريبا, ولكنها أمل الأمة المسلمة في عودة خلافتها بعد أن سقطت وإعادة مجدها بعد أن ذهب( أيمن الظواهري: فرسان تحت راية النبي, ص41). وإذا كان هدف الحركة الجهادية في قلب العالم الإسلامي عامة, ومصر خاصة هو إحداث التغيير وإقامة الدولة المسلمة, فعليها ألا تتعجل الصدام وألا تستبطئ النصر. وعلي الحركة المجاهدة أن تصبر علي البناء حتي تستوفي أركانه وتحشد من الإمكانيات والأنصار والخطط مايمكنها من أن تخوض المعركة في الزمان والميدان الليذين تختارهما. ويتساءل الظواهري, مشددا علي خطورة السؤال والجواب معا:ولكن ماذا لو تعرضت الحركة لانكشاف أعضائها أو خططها,أو لاعتقال أفرادها, وصار وجود الحركة مهددا, وبدأت حملة الاعتقالات والمداهمات تلتهم افرادها وأموالها وإمكانياتها وقياداتها؟ ويجيب:هنا يجب علي الحركة أن تسأل نفسها سؤالا محددا, ثم تجيب عليه إجابة واضحة. هل يمكنها أن تختفي من أمام العاصفة, وتنسحب من الميدان بأقل خسائر؟ أم أن الصبر غير مجد,ولايعني إلا الهزيمة التامة, ولامجال للانسحاب؟ أو ربما كانت الإجابة مزيجا من الاحتمالين الآنفين, أي أنها يمكنها أن تسحب بعض قياداتها وأفرادها بأمان, ولكن جزءا منها معرض للأسر والبطش. والإجابة في رأيي: هو أن تسحب الحركة من تستطيع أن تسحبهم بأمان إلي مأمنهم دون تردد أو تلكؤ أو ركون الي الأوهام, فإن أخطر مايواجه من يضيق عليه الحصار هو قرار الهرب. فمن أقسي الأمور علي النفس ترك الأهل والوظيفة والمنصب والنمط المستقر في الحياة الي المجهول والقلق والعيش المتقلب. أما إذا قدر للحركة كلها أو لجزء منها أن تواجه موقفا قد أحكم فيه الحصار عليها, وأصبح سقوطها مسألة أيام أو ساعات, فحينئذ يجب علي الحركة أو علي هذا الجناح منها أن تبادر بخوض معركة الصدام ضد النظام حتي لايؤسر أو يقتل بغير ثمن( المرجع السابق: النبي ص43 44) هذا هو مفهوم التيارين لقضية التمكين, الذي يؤدي الي الانقلاب علي مؤسسات الدولة الدستورية, فهل من خلاف؟! ونواصل.