عيار 21 الآن بعد آخر ارتفاع وسعر الذهب اليوم بمستهل تعاملات الإثنين 20 مايو 2024    «القاهرة الإخبارية»: بعض جثث طائرة «رئيسي» احترقت ولا يمكن التعرف على هويتها    تصل إلى 45 درجة في الظل.. «الأرصاد» تعلن ارتفاع الحرارة على محافظات الصعيد    إيمي سمير غانم تحيي ذكرى وفاة والدها: «ربنا يرحمك ويصبرنا على فراقك»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-5-2024    "جهار": الإرادة السياسية الدافع الأكبر لنجاح تطبيق المرحلة الأولى من التأمين الصحي الشامل    السيطرة على حريق بمنفذ لبيع اللحوم فى الدقهلية    اليوم.. أولى جلسات استئناف المتسبب في وفاة الفنان أشرف عبدالغفور    تفاصيل الحالة المرورية اليوم الإثنين 20 مايو 2024    استقرار أسعار الفراخ عند 82 جنيها فى المزرعة .. اعرف التفاصيل    الحكومة الإيرانية: وفاة الرئيس إبراهيم رئيسى لن تحدث أى اضطراب فى الأداء    الشعباني يلوم الحظ والتحكيم على خسارة الكونفيدرالية    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري قبل اجتماع البنك المركزي    اليوم.. محاكمة طبيب نساء شهير لاتهامه بإجراء عمليات إجهاض داخل عيادته بالجيزة    اليوم.. محاكمة 13 متهمًا بتهمة قتل شقيقين واستعراض القوة ببولاق الدكرور    تراجع الفائض التجاري لماليزيا خلال أبريل الماضي    رحل مع رئيسي.. من هو عبداللهيان عميد الدبلوماسية الإيرانية؟    البنك المركزي الصيني يضخ ملياري يوان في النظام المصرفي    جوميز: هذا هو سر الفوز بالكونفدرالية.. ومباراة الأهلي والترجي لا تشغلني    نجمات العالم في حفل غداء Kering Women in Motion بمهرجان كان (فيديو)    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 20 مايو    عمر كمال الشناوي: مقارنتي بجدي «ظالمة»    فلسطين.. شهداء وحرجى في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    أول صورة لحطام مروحية الرئيس الإيراني    ما حكم سرقة الأفكار والإبداع؟.. «الإفتاء» تجيب    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: اليمين المتطرف بإسرائيل يدعم نتنياهو لاستمرار الحرب    معوض: نتيجة الذهاب سبب تتويج الزمالك بالكونفدرالية    مصدر أمني يكشف تفاصيل أول محضر شرطة ضد 6 لاعبين من الزمالك بعد واقعة الكونفدرالية (القصة الكاملة)    محمد عادل إمام يروج لفيلم «اللعب مع العيال»    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    المسيرة التركية تحدد مصدر حرارة محتمل لموقع تحطم طائرة رئيسي    فاروق جعفر: نثق في فوز الأهلي بدوري أبطال إفريقيا    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    الهلال الأحمر الإيراني: فرق الإنقاذ تتوجه لمكان يوجد فيه رائحة وقود    وسائل إعلام رسمية: مروحية تقل الرئيس الإيراني تهبط إضطراريا عقب تعرضها لحادث غربي البلاد    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    دعاء الحر الشديد كما ورد عن النبي.. اللهم أجرنا من النار    اتحاد الصناعات: وثيقة سياسة الملكية ستحول الدولة من مشغل ومنافس إلى منظم ومراقب للاقتصاد    طريقة عمل الشكشوكة بالبيض، أسرع وأوفر عشاء    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    استشهاد رائد الحوسبة العربية الحاج "صادق الشرقاوي "بمعتقله نتيجة القتل الطبي    ملف يلا كورة.. الكونفدرالية زملكاوية    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    أول رد رسمي من الزمالك على التهنئة المقدمة من الأهلي    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    تعرف على أهمية تناول الكالسيوم وفوائدة للصحة العامة    كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    ارتفاع كبير في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 20 مايو 2024    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    عالم بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عملية اصطياد مصر..!!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 25 - 06 - 2013

للأسف الشديد، فإن جماعة الإخوان المسلمين، أو قل حفنة أصحاب النفوذ والكلمة التى لا رد لها تحت عباءتها، قد أكلوا فطيرة التفاح الأمريكية المسمومة، قطعة قطعة، متلذذّين، ومتنغّمين، وممّتنين، ساعين إلى إطفاء شهوة الجوع إلى التمكين فى قلوبهم، والسلطة المطلقة فى نفوسهم، متوهمين أن كلا الأمرين أصبح دانيا، وقائما وباقيا وأبدّيا، دون أن يدركوا أعراض السمّ البطيء الممتد المفعول، أخذت تسرى فى عروقهم، وتصعد إلى رؤوسهم، وتصيبهم بحالة مزمنة من تصلب شرايين المخ، دفعتهم دفعا دون قصد أو ترتيب، نحو التوجه إلى الاصطدام العنيف، بأعمدة صرح شعبى قُدّ من صخر، وقد شبّه لهم أنه مصنوع من قوارير.
ولم: لا؟! إذا كانت الحالة المركبّة التى جرت فى مصر بكل فصولها ومراحلها وصورها، على امتداد عام كامل فى الأقل، يمكن تلخيصها فى جملة واحدة هى: «عملية اصطياد مصر» بل أظن أن اسمها الكودى فى وثائق البنتاجون والمخابرات المركزية، لن يكون بعيدا عن تلك الدلالة، لا عن هذه الظروف، وحتى إذا استبدلت كلمة مصر، بكلمتى الجيش المصرى، أو منظومة القوة المصرية، فالهدف هو الهدف وسياق الحال هو الحال، أما هذا الكم الهائل من الغضب الشعبى السائل، الذى أخذت أمواجه تعلو يوما بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، فى الميادين والشوارع، وتنساب حتى شقوق الحوارى الصغيرة، وزوايا القرى المنسيّة، فلعله يدرك بالغريزة بعيدا عن البرامج التليفزيونية الآسنة، والوجوه المسطحة المكررة، إن دور الإخوان المسلمين، أو دور السلطة النافذة فى الجماعة على وجه أصح، لم يخرج ولن يخرج عن دور الصنارة المفخخة، التى كان عليها أن تمسك برأس الصيد المصرى الثمين، حتى لو تصورت الصنارة أنها الفاعل، وليس أداة الفعل، وتخيلت أنها صاحبة الصيد، لا اليد التى تمسك بها، وتدفعها دفعا نحو المياه المضطربة العميقة.
)1(
قرب نهاية ذلك اللقاء المغلق بين السيد عمرو موسى والمهندس خيرت الشاطر، وعندما بدا للثانى أن طريق الغواية الذاتية مغلق، لم يقل «إن الله معنا»، وإنما قال «إن أمريكا معنا»، ورغم ما ينطوى عليه القول من تهديد بموازين قوى مختلة فى ظنه بحسابات أن قوة أمريكا تثقل ميزان الجماعة، فإنه ينطوى على معنى أكثر عمقا، هو أن أمريكا قد قامت عن البعض مقام الرب، فهى التى تحيى وتميت، وتؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعزّ من تشاء وتذل من تشاء.
وهذا الفهم أو هذا الإيمان فى الحالتين لا يخرج عن كونه أحد أعراض سمّ فطيرة التفاح الأمريكية، فالذين التحقوا بالسفينة الأمريكية لا يتصورون فقط أنها عصيّة على أمواج بحر الغضب الشعبى وأنهم ناجون بها من الغرق، ولكنهم يتصورون – أيضا – أنهم باقون على متنها إلى حيث يبعثون، غير مدركين أن قيادة السفينة ليست فى أيديهم، وإنما فى أيدى القراصنة، الذين لن يجدوا مفرا لتخفيف أحمال السفينة، بعد أن تستوحش ألسنة الموج، وتتفجر الصواعق والعواصف، سوى أن يقذفوا بهم أنفسهم إلى قاع بحر الظلمات، لقد تكرر الأمر نفسه فهما وإيمانا، بعد لقاء الساعات الثلاث، بين السفيرة الأمريكية والمهندس خيرت الشاطر فى مكتبه، خاصة بعد أن صبّت السفيرة شراب الليمون المثلج فى أكواب الجماعة، فهدأت جانبا من قلقهم، وأفرغت بعضا من توترهم، بحديثها المزدوج عن أن د. مرسى ليس مبارك، وثورة الشارع المشتعلة، لا تحرق خشب الصناديق.. رغم أنها تدرك بعمق أن ذلك منافيا الحقيقة، ومجافيا للصواب، وليس لدى تفسير جامع مانع لهذه الأقوال المرسلة من السيدة السفيرة، أكثر إحاطة بها قصدا وهدفا من الآية الكريمة: « إنما نملى لهم ليضلّوا فيه» ولهذا ربما كنت أكثر تفاؤلا مما ينبغى حين تصورت على حافة هذا المفصل التاريخى الحاد، أن ثمة نبضة عقلانية واحدة يمكن أن تصدر من زاوية ما فى الجماعة، تعبر عن فهم حقيقة المعادلة السياسية، التى غدت طوقا يمسك بأطرافها كلها، والتى يقول منطوقها، لقد كسبت الجماعة زبد أمريكا الذى يذهب جُفاء، وخسرت بحر الشعب الذى ينفع الناس ويبقى فى الأرض، لكن المعادلة فيما يبدو، أصبحت مطوية من طرفيها قيدا مكشوفا ولكن لا فكاك منه!
)2(
أما الوجه الآخر لكل الأقوال المأثورة للسيدة السفيرة الأمريكية، فتتشارك مجموعة أصوات فى تحويلها لإلى قناعات أو بديهيات، يراد لها أن تمسك بالأفئدة قبل العقول، وجميعها تتشارك مع تعدد صورها وألوانها، فى التأكيد على أن أمريكا بريئة بالمولد، نقية بالمقصد، طاهرة بالغاية، وهى بالتالى حريصة على مصر، كأنها قطعة من كبدها، رغم أنه إذا لم يكن طريق الآلام المصرى منذ ثورة 25 يناير حتى الآن، صناعة أمريكية كاملة، فقد رسمت خرائط عقول أمريكية، وعبّدته آلات أمريكية، وسار من سار فوقه بقوة دفع أمريكية، وإذا كانت بعض هذه الأصوات، على غرار صوت السيد «كيرى» وزير الخارجية الأمريكية، أكد على طهارة الثوب الأمريكى والنوايا الأمريكية، برد الاضطراب الكبير فى مصر أمام الكونجرس، إلى الخديعة التى أوقعها بها الإخوان المسلمون، حين تعثرت الإدارة الأمريكية فى فهم خاطئ لقدراتهم وإمكانياتهم، فإن لونا آخر من الأصوات حاول أن يقنعنا بأن عناصر إخوانية فى الولايات المتحدة، قد نجحت فى التسلل إلى حملة أوباما، ومن ثم اقترب من عقله، ومن ثم – أيضا – أصبح ردّ الجميل قيدا أخلاقيا فى ذمته، وقد كانت المقاربة السابقة لأصحاب الصوت ذاته، أن التأثير لم يقع عليه شخصيا، وإنما وقع على زوجته قبل أن ينتقل إشعاعه إليه، وكلما شاركت مجموعة من الإعلاميين أو السياسيين المصريين، فى مآدب الندوات المفتوحة فى الولايات المتحدة، كلما عادوا إلينا محمّلين بصناديق هدايا منسوبة إلى الحكومة والأجهزة الأمريكية، ملفوف فيها أن الضرّ قد انكشف عن عيون البنتاجون وأجهزة المخابرات، وأن الغشاوة السميكة قد سقطت، وأنها قد أخذت فى تعديل موقفها من الجماعة، وهى توشك على الإنخراط فى مطالب المصريين المطالبين بالتغيير، شئ من ذلك يصرّ عليه ويكرره يوميا، د. سعد الدين إبراهيم، فبضاعته الرائجة التى لم يمل فى توزيعها على وسائل الإعلام ناطقة بالمعانى ذاتها، صحوة فى الولايات المتحدة، تجاه فشل الجماعة، ويقظة تجاه مطالب المصريين، وانحياز كامل إليهم «فإذا خرجت المظاهرات بصورة حاشدة، وأصر الشعب على إسقاط النظام، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فسوف تؤيد الولايات المتحدة الشعب على الفور، لأنه صاحب الشرعية التى تفوق كل شرعية» لكنه بين شرعية الصناديق التى لا تمسها نار الثورة، عند السيدة السفيرة، وشرعية الشعب التى تفوق أى شعبية، عند د. سعد الدين إبراهيم، يمتد الحبل مزدوجا، تارة تأييدا للجماعة وطمأنة للجماعة، وتارة تأييدا وطمأنة لجموع المصريين، وفى الحالتين فإن أمريكا النقية بالمقصد، البريئة بالمولد، تغسل وجهها ويديها من النتائج الوخيمة لثمار الشوك التى زرعتها فى الحقل المصرى، قبل أن تغسلهما من دخان الصدام وغبار المواجهات التى سعت إليها، واضعة قدما فى بحر الشعب، وقدما فى شاطئ الجماعة، بينما قدمها ليست هنا، وليست هناك.!
وليس دفاعا عن الجماعة أن أقول دون دخول فى التفاصيل، أن كل ما خطّته الجماعة على صفحة الثورة المصرية البيضاء، على امتداد أكثر من عامين، وكتبه قلمها، قد كتب بحبر أمريكى خالص.
)3(
يتصل بالسياق ذاته، تلك الأصوات التى أخذت تشب على ساقين نحيفتين كخيوط العنكبوت، مكررة ومرددة بشكل أو بآخر، وبصور متعددة، ذلك الهتاف المشحون بالكراهية والإزدراء للوطن ذاته، وهو شعار «يسقط حكم العسكر» الذى صاغه الأمريكان منذ اللحظات الأولى للثورة، واعتمده الإخوان وقاموا بنشره وتوزيعه، فعندما تكتب ناقدة أدبية مستغربة، فى إحدى الصحف اليومية السيارة، «أن الجيش والداخلية والإخوان، يكرهون بعضهم البعض، ولكنهم يكرهون الشعب أكثر» فهى لا تضع الإخوان والداخلية والجيش، فوق مستوى أفقى واحد، ولكنها توحّد بينهم، أو على وجه الدقة، توحد الغضب السائل فى شوارع مصر، ليس ضد نظام الحكم وإنما ضدهم جميعا، وكأن هذا الغضب مطالب بأن يوزع نفسه بين الجيش والداخلية والإخوان، وهذا تحوير وتحويل لمجرى المواجهة بالكامل، ولا أعتقد أن ثمة وطنى واحد، مهما بلغ حد نقده للداخلية أو حتى لقيادة الجيش، ولا أقول الجيش الوطنى، يمكن أن يتصور فى هذا المفصل الصعب، أن طيّ صفحة الواقع المصرى المتردى، بطلب دحر أعداء ثلاث فى مقدمتهم الجيش بتاريخه الوطنى المجيد، والداخلية بالتفاعلات الوطنية التى تسرى فى صفوفها.
وعندما يكتب أحد الذين جاهدوا إعلاميا على جبهة الإخوان، قبل أن يركبوا موجة الثورة، محاولا أن يؤصل لصلات شكلية بين جهازى المخابرات العامة والأمن الوطنى على جانب، وجماعة الإخوان المسلمين على الجانب الآخر، فإن الأمر لا يخرج فى هذا التوقيت عن محاولة بناء قنطرة وهمية زائفة، ودفع الغضب الشعبى للعبور فوقها نحو بحر من الرمال، بعيدا عن هدفه المنشود.
وعندما يكتب آخر، واصفا وشائج العلاقة بين الشعب والجيش بأنها لا تخرج عن كونها حالة مرضية من جانب الشعب، فإنه يدعو الشعب إلى الاستشفاء العاجل من مرضه المزمن، والمدهش فى ذلك أنه عندما قلّب عدد ممن يطلق عليهم «المؤرخون الإسرائيليون الجدد»، وهم على عكس ما يشاع، ليسوا خارج معسكر الأيديولوجية الصهيونية، فى العلاقة بين الشعب المصرى وجيشه، نحتوا تعبيرا أكثر احتراما وتفهما بهذه العلاقة، فقد كان التعبير نصا هو: «أن الشعب المصرى قد وقع فى غرام الجيش» ورغم ما فى كلمة الغرام من رومانسية مبهمة، واندفاع غير مبصر، إلا أنها لم تسع إلى تحويل الجيش الوطنى إلى بنية مكروهة فى حد ذاتها، كما يذهب سعى هؤلاء وغيرهم، وهم يوزعون مادة هذه الكراهية المقيتة، كجزء من الحرب النفسية التى تستعر أسلحتها ضد منظومة القوة فى الدولة المصرية، على جانب، وكجانب فى محاولة توجيه الغضب الشعبى بعيدا عن مجراه الطبيعى، ودفعه دفعا ضد ذاته، وضد اتجاه عقارب الساعة وبوصلة التاريخ.
)4(
إذا كان الله عز وجل يقول: «لا إكراه فى الدين» فهل يمكن أن يرضى عن إكراه فى الحكم أو إكراه فى السياسة ؟، ولهذا فإن هذا الصنف المستأجر من « مفتى الدماء « قد خرج على مصر من عصر غير العصر، ومن دين غير الدين، ومن إسلام غير الإسلام، ومن نسل غير نسل أئمة الإسلام وفقهائه المجددين، ولا أعرف أى ريح صرصر عاتية رمت إلينا من غابر التاريخ أمثال هؤلاء، الذين يتبجحون بأنهم يشحذون سيوفهم ليقطعوا رؤوسا يرونها قد أينعت، وأمثال هؤلاء الذين يهددون بحرب أهلية لا تبقى ولا تذر، لأنها ستقضى – كما يقولون – على جميع أشكال الحياة فى الدولة، أو هؤلاء الذين يشبهون مواجهتهم اليوم بغزوة بدر، وكأننا أمام معسكر للإيمان وآخر للكفر، ولكن لا غرابة فى ذلك، ففى ملف قضية مقتل «النقراشى» المحفوظة فى دار الوثائق المصرية، هناك ورقة منفردة، بتوقيع مفتى آخر للدماء، أفتى صاحبها بمشروعية قتل كل من يقف فى طريق الدعوة، وهى التعبير المجازى عن الجماعة، سواء – كما تقول الفتوى – شيخا كان أو رجلا أو امرأة أو طفلا، لكن المدهش الآن أننا لسنا أمام أكثر من مفتى دماء، يبيح قتل رجل واحد، أو بضعة رجال، وإنما أمام صفوف طويلة من «مفتى الدماء» يستبيحون باسم الإسلام، وهو منهم براء، قتل شعب غاضب كامل، وإذا كان بعضهم قد سكن الغضب الشعبى فى إطار حرب عقائدية يشنها الأقباط والشيوعيون والفلول، وفسرها بأنها مؤامرة واضحة على الإسلام، فالحقيقة أن أمثال هؤلاء هم قلب المؤامرة الغربية على الإسلام، فإذا كان هذا هو النبض العقلى للفلسفة الإسلامية والفقه الإسلامى، وإذا كانت خيوط أقوالهم نسيج راية الإسلام، فيحق للغرب الذى يستخدمهم وقودا فى دفع الانقلاب الاستراتيجى فى الإقليم إلى مداه، أن يستعيد من ترسانة متونه الفلسفية، كل المقولات الضالة والتفسيرات العنصرية، التى تقرن الإسلام بسفك الدماء، وتصفه بأنه دين السيف والقتل المبين.
لكن الأمر فى هذه الحدود لا يعنى هؤلاء، ولا يعنى من يسدّدون تكلفة ضلالهم، لأنهم من البداية إلى النهاية، ليسوا أكثر من قطاع فى الحرب النفسية، التى تستخدم صنفا مستحدثا من الموسيقى النحاسية لإرهاب جيوش الغضب والرفض، غير أن فكرة الإرهاب أو التخويف نفسها فى هذا الحيز، تبدو فكرة عقيمة، أولا: لأن تغيير طبيعة المواجهة وإلحاقها بالإسلام والكفر، لن يغير ما قلوب الناس من لهيب، وما فى أرواحهم من لظى، فهم لا يخرجون من أجل شىء يتعلق بذلك، ولكن من أجل أن حياتهم قد أصبحت أكثر قسوة، وأوضاعهم المعيشية قد غدت أكثر صعوبة، ولأن مخالب الفقر والجوع والحاجة، قد استوطنت أجسادهم، ولأن عجزهم عن إشباع حاجاتهم الأساسية، قد غدا رفيقهم فى يقظتهم الجارحة، ورقدتهم الخشنة، وثانيا: لأن ما لدى الناس من آلام فى حضرة النظام القائم، ومن مخاوف فى استمراره، أكبر بكثير من أى آلام أو مخاوف، مهما اتخذت من أشكال، أو تجلت فى تهديدات، تحاول أن تقطع عليهم الطريق، وثالثا: لأن خيوط الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتداخلة، لم تعد تلف طبقة أو فئة أو شريحة اجتماعية، وإنما أصبحت تطول كل الطبقات وكل الشرائح الاقتصادية والاجتماعية، ورابعا: لأن هذه السلطة، بعد كل ما أسرفت فيه من وعود بددتها رياح الوقت، لم تعد فى عيونهم غير تمثال من العجز، أو نصب تذكارى للعجز، لا تضيف إليه الأقوال، ولا تأخذ منه الأفعال، وخامسا: لأن هناك شعاعا مبهما يسرى فى صدور الناس، يشكل إحساسا مشتركا بالضعة والهوان، وباستلاب المصير الوطنى.
)5(
ليس صحيحا أن خطاب د. مرسى فى موقعة «نصرة سوريا» كان هدفه البحث عن عدو خارجى، للتغطية على ما يتفاعل فى الداخل، فقد كان يعلم علم اليقين أن المصريين شعبا وجيشا لن ينجرفوا إلى حرب الأشقاء، ولن ينزلوا بأنفسهم إلى معترك حرب طائفية مسمومة، وليس صحيحا أيضا، أن هدفه لم يخرج عن تحويل الاهتمام من الوضع الداخلى إلى الأوضاع الخارجية، فليس فى ذلك ما يأخذ المصريين من محنتهم الراهنة، ولكننى أتصور أن الخطاب فى مجمله، يمكن توصيفه بأنه )بيان إعلان نوايا( وهو – أولا – بيان إعلان نوايا لأمريكا، يضع الموقف والقرار المصرى ذيلا تابعا، للموقف والقرار الأمريكى، وإن كان تستبقه إشارة لما يريد وقلا لما يشاء، ولسان حاله يقول نحن تابعون، سبّاقون لما تريدون، بل نحن نستبق أضغاث أحلامكم، فإذا ترددتم فى الإعلان عن فرض منطقة حظر جوى فى سوريا، فإننا نسبق ترددكم ونفتح أمامكم الطريق لإعلانه وفرضه، وهو – ثانيا – بيان إعلان نوايا لنسل القاعدة، وأرباب أكلة لحوم البشر، أن اصطفوا إلى جانبنا، وانخرطوا ميدانيا فى إرهاب الشعب، الذى يستجمع طاقاته للخروج علينا، وهو – ثالثا – بيان إعلان نوايا، لكل الحلفاء الإقليميين أن هبّوا لتقفوا إلى جوارنا بكل ما يمكنكم أن تعززوا به بقاءنا على قمة السلطة، وهو – رابعا – بيان إعلان نوايا، لأمواج هذا البحر الشعبى الغاضب الهادر، بأن السلطة عصيّة على السقوط، قادرة على المنازلة، لكن المدهش حقا، أن هذا الخطاب لم يتضمن شيئا يخص إعلان النوايا تجاه أوضاع الناس، التى تؤجّج الغضب، وتشعل نيران الثورة، حتى الحد الأدنى، من محاولة الاحتواء لم تجد مكانا لها، فى مفردة بين مفردات الخطاب، وكأنه قصَد دون قصْد، أن يذهب بالحريق إلى منتهاه، وبالغضب إلى قمته.
)6(
لم يعد الوقت كافيا، للدخول فيما أرى أنه مرحلة جديدة فى الاستراتيجية الأمريكية، تطوى مرحلة سابقة، قد انتهت أدوار أدواتها، لكنها لا تخرج عن إبقاء جوهر الاستراتيجية على حالها مع تغيير فى الوجوه القائمة على وضعها موضع التنفيذ، وهو أمر لا يخص مصر وحدها، ولكنه يخص أكثر من وجه حاكم فى الإقليم، ولهذا فإن أهم ما ينبغى الحذر منه أن تتغيّر الوجوه، وتبقى السياسات على حالها
Email: [email protected]
Site : ahmedezzeldin.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.