تتخطى ال 12%، الإحصاء يكشف حجم نمو مبيعات السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي    عاجل - آخر تحديثات سعر الذهب اليوم.. وهذه القرارات منتظرة    عاجل- أسعار الفراخ البيضاء في بورصة الدواجن اليوم الأربعاء 12-6-2024    الجيش الأمريكي يعلن تدمير منصتي إطلاق صواريخ كروز للحوثيين في اليمن    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: نستعد لمقاضاة إسرائيل أمام الجنائية الدولية    «مشكلتنا إننا شعب بزرميط».. مصطفى الفقي يعلق على «نقاء العنصر المصري»    اتحاد الكرة يحسم مشاركة محمد صلاح في أولمبياد باريس 2024    اليوم، أولى جلسات محاكمة عصام صاصا في واقعة دهس سائق أعلى الطريق الدائري    مصرع طفل غرقا في ترعة بكفر الخضرة بالمنوفية    طلاب الثانوية العامة يؤدون امتحان الاقتصاد والإحصاء.. اليوم    حكم الشرع في خروج المرأة لصلاة العيد فى المساجد والساحات    هيئة الدواء: هناك أدوية ستشهد انخفاضا في الأسعار خلال الفترة المقبلة    تأثير التوتر والاكتئاب على قلوب النساء    رئيس الأساقفة جاستين بادي نشكر مصر بلد الحضارة والتاريخ على استضافتها    رؤساء مؤتمر الاستجابة الطارئة في غزة يدينون عمليات قتل واستهداف المدنيين    أوروبا تعتزم تأجيل تطبيق أجزاء من القواعد الدولية الجديدة لرسملة البنوك    حبس شقيق كهربا 4 أيام لاتهامه بسب رضا البحراوي    شيرين عبد الوهاب تتصدر "إكس" بخبر خطبتها، ولطيفة: يا رب ترجعي زي الأول ويكون اختيار صائب    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    رئيس لجنة المنشطات يفجر مفاجأة صادمة عن رمضان صبحي    عيد الأضحى 2024.. الشروط الواجب توافرها في الأضحية والمضحي    أيمن يونس: أحلم بإنشاء شركة لكرة القدم في الزمالك    عاجل.. تريزيجيه يكشف كواليس حديثه مع ساديو ماني في نهائي كأس الأمم الإفريقية 2021    هذا ما يحدث لجسمك عند تناول طبق من الفول بالطماطم    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج ب عيد الأضحى: كل عام وأنتم بخير    "بولتيكو": ماكرون يواجه تحديًا بشأن قيادة البرلمان الأوروبي بعد فوز أحزاب اليمين    البنك المركزي المصري يحسم إجازة عيد الأضحى للبنوك.. كم يوم؟    ظهور حيوانات نافقة بمحمية "أبو نحاس" : تهدد بقروش مفترسة بالغردقة والبحر الأحمر    والد طالب الثانوية العامة المنتحر يروي تفاصيل الواقعة: نظرات الناس قاتلة    السيطرة على حريق نشب داخل شقة سكنية بشارع الدكتور في العمرانية.. صور    واشنطن بوست: عملية النصيرات تجدد التساؤلات حول اتخاذ إسرائيل التدابير الكافية لحماية المدنيين    بيمكو تحذر من انهيار المزيد من البنوك الإقليمية في أمريكا    ليست الأولى .. حملات المقاطعة توقف استثمارات ب25 مليار استرليني ل" انتل" في الكيان    البنك الدولي يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في 2024    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    هل الأضحية فرض أم سنة؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    الكويت: ملتزمون بتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ الدمج الشامل لتمكينهم في المجتمع    رسميًا.. تنسيق الثانوية العامة 2024 في 5 محافظات    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    الحق في الدواء: إغلاق أكثر من 1500 صيدلية منذ بداية 2024    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل قصواء الخلالى: موقف الرئيس السيسي تاريخى    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    يوسف الحسيني: القاهرة تبذل جهودا متواصلة لوقف العدوان على غزة    حازم إمام: نسخة إمام عاشور فى الزمالك أفضل من الأهلي.. وزيزو أفيد للفريق    مصدر فى بيراميدز يكشف حقيقة منع النادى من المشاركة فى البطولات القارية بسبب شكوى النجوم    رئيس جامعة الأقصر يشارك لجنة اختيار القيادات الجامعية ب«جنوب الوادي»    63.9 مليار جنيه إجمالي قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    رمضان السيد: ناصر ماهر موهبة كان يستحق البقاء في الأهلي.. وتصريحات حسام حسن غير مناسبة    تريزيجية: "كل مباراة لمنتخب مصر حياة أو موت"    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    أحمد عز: "أنا زملكاوي وعايزين نقلل حدة التعصب عشان ننتج ونبدع أكتر"    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    وزير الخارجية الجزائري يبحث مع أردوغان تطورات الأوضاع الفلسطينية    رويترز عن مسئول إسرائيلي: حماس رفضت المقترح وغيّرت بنوده الرئيسية    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية بلة المستجدة ببني مزار    شيخ الأزهر لطلاب غزة: علّمتم العالم الصمود والمثابرة    يوافق أول أيام عيد الأضحى.. ما حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة؟    قافلة مجمع البحوث الإسلامية بكفر الشيخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي حافة انفجار إقليمي كبير.. !!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 07 - 05 - 2013

أكتب إليك أيها المحارب القديم و الصديق العزيز، بعد أن عاودت زيارتي في الهزيع الأخير من الليل علي غير موعد، وفي لحظات أقرب إلي الحلم من الحقيقة، فقد تركت بعضا من أنفاسك الدافئة تتجول في فضاء الغرفة، وبعضا من كلماتك تحوم كالفراشات الملونة حولها، ولكن بعضا من أسئلتك ظلت كالطيور المفترسة تشق الفضاء من حولي، بينما تهمّ مناقيرها بأن تأكل من رأسي، وقد كان لزاما عليّ أن أفتح الشبابيك وأن أتوسل بنور الصباح لكي تغادرني، ولكن الكتابة بدت لي في النهاية هي الشباك الوحيد، الذي يمكن أن تخرج منه هذه الطيور الجارحة إلي الفضاء المفتوح.
لقد أبديت دهشة مضاعفة من أن كثيرا من الأفكار التي تقنعت كذبا باسم الإسلام، والتي بدت قادرة علي الاستحواذ علي عقول الناس، وبدت قابلة للبقاء طويلا علي قيد الحياة، قد أدركها كثير من الأفول والذبول سريعا، وكأنها ليست سوي نباتات بغير جذور، أو كأنها ثمار معطوبة نمت في غير مكانها وغير زمانها.
والحقيقة في ذلك – أولا – أنه ليست هناك أفكار معلقة في الفراغ، فالأفكار في النهاية هي تعبير عن قوي سياسية واجتماعية في إطار بيئة معينة ولحظة تاريخية محددة، والحقيقة في ذلك – ثانيا – أن الأفكار لا تستمد قوتها من طاقاتها الداخلية، التي تحدد مدي تأثيرها وإشعاعها، أو من درجة صحتها وسلامتها، ولكنها تستمد قوتها ودرجة تأثيرها، إلي جانب ذلك، من طبيعة وحجم القوي الاجتماعية التي تعبر عنها، والحقيقة في ذلك – ثالثا – أن الأفكار لا تستمد قوتها في مرحلة معينة من طاقتها الداخلية، ومن سلامتها وصحتها ومن القوي التي تعبر عنها فحسب، وإنما تستمدها بالأساس من فشل الأفكار الأخري السابقة عليها في حيز التطبيق العملي.
ولذلك عندما يكون منتوج امتحان صحة وسلامة هذه الأفكار البديلة، في حيز التطبيق العملي وهو حصاد فشل سياسي أكبر وأنهار اقتصاد أقوي وتوتر اجتماعي أشد، وعندما ينكشف حجم وطبيعة وعلاقات القوي التي تعبر عنها هذه الأفكار فإن أفولها وذبولها المتسارع، لا يخرج عن قوانين الطبيعة، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الإنسانية.
لقد كان سؤالك الأول يحرضني للبحث عن صلة بين ما قالته السفيرة الأمريكية في القاهرة، وما نفاه بعدها كالعادة متحدث باسم السفارة، حول أن 'عودة الجيش المصري إلي الحكم ستكون كارثة غير مقبولة لواشنطن وحلفاء مصر الآخرين' وبين تلك المحاولة السفيهة للتقيؤ علي رأس الجيش المصري، ينعت أداء قائده العام الفريق السيسي في كلماته الواثقة لطمأنة الناس، بأنه 'أداء ممثل عاطفي' والحقيقة عندي أن الصلة بين الحالتين والتعليقين، لا تحتاج إلي تنقيب أو بحث، فكلاهما يلتقي في دائرة واحدة هي دائرة مأزومة، أو علي نحو أدق دائرة أزمة، وهي أزمة مركبة لعدة أسباب:
الأول: أن الاستراتيجية الأمريكية قد استخدمت كل أسلحتها ومدفعياتها الثقيلة، لتغيير البيئة الداخلية المصرية وتأليبها علي ذاتها، وإحداث انقلاب جذري في أوضاعها، ولكنها تري وحلفاؤها في حيز الرؤية المباشرة أن عناصر هذه البيئة الأساسية أكثر تماسكا مما كانت تنطق به الظنون والأوهام، وأكثر صلابة مما تحركت به الفتن والمؤامرات.
الثاني: أن الشعب المصري الذي كان هناك كثير من حسن الظن الآثم، باستسلامه وتطويعه تحت غطاء زائف من الدين، قد برهنت أغلبيته علي كل أسلحة وأدوات تكنولوجيا صناعة الوهم، لم تنطل عليه، لأن إسلامه ليس إيمانا أعمي ولكنه مبصر وحاد البصر، وهو ما أعانه علي أن يفصل بين الدين كبضاعة للتجارة الدنيوية، وبين الدين كمكون حضاري في عمق وجدانه وتاريخه، وكضمير ذاتي داخلي حيّ يشكل جسرا مفتوحا بين الأرض والسماء وبين الدنيا والآخرة.
الثالث: إن الجيش المصري قد خرج من معركة تكسير العظام أقوي بنية وأوضح برهانا، وأصفي رؤية، فقد وضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وباءت بالفشل كل مخططات ومحاولات خلق حالة صدام أو مواجهة بين الشعب والجيش، أو تكريس حالة انفصام بينهما، أو تجريف الروح المعنوية للشعب تجاه قواته المسلحة، فالحقيقة الساطعة تؤكد أن أمواج التأييد الشعبي للجيش، هي أكثر الأمواج قوة وعنفوانا واندفاعا وعلوا، وأن منسوبها الذي ازداد ارتفاعه، هو الذي يتيح لسفينة الوطن، أن تظل طافية رغم مساحات الجدب والتصحّر، ومن المؤكد أن هذا المنسوب العالي من التأييد الشعبي للجيش، هو الذي خلق حالة معنوية عامة جديدة، انعكست في صفوف الجيش ذاته، إرادة وجهدا وبذلا، كما انعكست علي الشعب بدوره ثقة ووعدا وأملا، وحول هذه الدائرة تحديدا يتبدي قدر كبير من الفزع والقلق والتوتر، في دوائر الاستراتيجية المضادة وفي سلوك أدواتها المحلية.
الرابع: أن هناك إلي جانب ما سبق، جوانب ذاتية بحتة في كلا المصدرين تعزز الصلة بينهما، فصاحبة التصريح الأول لديها شعور عميق بالفشل والإخفاق، فقد ابتنت بيتا يتداعي، ونفذت استراتيجية تتهاوي، بينما تبدو الخيارات البديلة لترميم البيت أو استنقاذ الاستراتيجية، ليست حاضرة في الواقع، أما صاحب الوصف الثاني، فقد زيّن لنفسه كما زين له آخرون في مرحلة سابقة، أنه قادر علي أن يطوي السلطة تحت أقدام جواده الجامح، لكنه رأي نفسه في الصورة الأخيرة جالسا فوق جواد من خشب.
ولذلك كله، فإن الصلة بين القولين والحالتين ليست صلة في المظهر، وإنما في الجوهر، باعتبار كل منهما تعبيرا مأزوما عن أزمة، ولعلك في الإطار ذاته، تستطيع أن تسكّن كثيرا من تلك الأصوات، التي حاولت أن تبدو زئيرا عاليا لملوك في الغابة، وهي تتوعد الجيش بالقتل والذبح أحيانا، وبجيوش الاحتلال الصديقة أحيانا، إذا هم بالزحف لمساندة الشعب، وكأن أصواتها هي التي يمكن أن تشكل أسوارا عالية، يستحيل القفز من فوقها، مع أنها مجرد أكوام من الرمل ستذروها الرياح، إذا قامت العاصفة!
وكان سؤالك الثاني عن ذلك البيان المطوّل، الذي سبق أن نطق به السيد 'كيري' أمام الكونجرس حول مصر، وعلي وجه التحديد فقرتين محددتين منه، الأولي قوله: 'لقد خدعنا الإخوان خلال الفترات الماضية، وأوهمونا أنهم يمتلكون الكوادر والكفاءة التي تؤهلهم لقيادة مصر، لكنهم في الحقيقة لا يمتلكون هذه الكوادر علي الإطلاق' والثانية، حديثه عن 'دور محوري للجيش المصري في السيطرة علي المشهد المتصاعد في الشارع المصري، لحظة نزوله للميادين من جديد، خاصة أن الجيش يجب أن يقف حائلا دون نشوب حرب أهلية في البلاد'.
أما بالنسبة للفقرة الأولي، فاسمح لي أن ألخص إجابتي فيما يلي:
أولا: لست ممن يعتقدون أن الولايات المتحدة، قد شربت كأس الخديعة من يد الإخوان المسلمين، فذلك إذا كان يعكس قدرة الإخوان الفذة علي الخديعة، فإنها لا تعكس بأي حال من الأحوال قدرة الأجهزة الأمريكية علي الاستقصاء والتدقيق والتحقق، وإذا ما تجاوزنا عن الأجهزة الأمريكية الحكومية، التي تدخل في نطاق وزارات الأمن القومي، فإن الشركات الأمريكية الخاصة التي تدخل في نطاق عمليات التجسس والمتابعة والتحليل، والتي تعمل كسلطة استخبارات، قطاع خاص يمولها المال العام الأمريكي، وتمارس عملها عبر قارات العالم يبلغ تعدادها 2163 شركة، تتعامل معها 1271جهة حكومية أمريكية، من بينها وزارة الأمن القومي والدفاع والخارجية، من بينها ما يتجاوز 1900 شركة خاصة تتعامل فقط مع ملفات الإرهاب، أي أنها وثيقة الصلة بكافة الأوضاع والمتغيرات في مصر وفي الإقليم، ولذلك فإن توصيف ما انتهت إليه استراتيجية الولايات المتحدة في مصر، من أنه دخل إليها من باب خديعة الإخوان، هو تغطية علي باب سوء التقدير والحساب، الذي مثل قاعدة لهذه الاستراتيجية.
ثانيا: إن سوء تقدير الموقف وحساباته، في إطار هذه الاستراتيجية الأمريكية، التي ساعدت دون شك في تمكين الإخوان من السلطة، ينطوي علي بعد أكثر عمقا من تعبير كأس الخديعة، والتي يقول السيد 'كيري' إن أمريكا تناولته وشربته من يد الإخوان، وهو يتعلق تحديدا بغياب قدرة الأجهزة الأمريكية علي استقراء بنية الطبقات التحتية غير المنظورة في مكونات البيئة الوطنية المصرية، بما في ذلك، وضع ومكانة المؤسسة العسكرية المصرية في نسيج هذه البيئة.
إن الأمريكيين قادرون علي نزح جبال من المعلومات، التي تمس السطوح الملساء في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وفي الأشخاص أيضا، لكنهم برهنوا دائما علي اضمحلال قدرتهم علي تجاوز هذه السطوح، وعلي بناء تقديرات موقف، أكثر اعتمادا علي المكونات الأكثر ثباتا في البيئة التاريخية الوطنية، وأكثر إحاطة بصيغ ومعادلات حسابات الاحتمالات في ضوء التفاعلات المعقدة في هذا الحيز، ولهذا فقد وقعوا في خداع نظر ليس تجاه قدرات الإخوان، وإنما تجاه قدرات الشعب المصري.
ثالثا: لقد قدم معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني تقريرا استبق زيارة السيد 'هاجل' وزير الدفاع الأمريكي إلي القاهرة، داعيا الوزير إلي الضغط علي الجيش المصري من أجل تبادل أكثر صراحة للآراء، في ضوء جدول أعمال مقترح، للقضايا التي يراها أكثر حيوية لمصالح الولايات المتحدة، وبعيدا عن الإشارات التي حملها متن التقرير عن توقف استمرار التدهور في مصر خلال الشهور المقبلة، وعن غياب أي تغيير محتمل في نهج د.مرسي، وعن حدوث مزيد من الاستياء الشعبي، إلا أن ما يعنينا تأكيدًا علي ما سبق، هو تأكيد التقرير علي أن 'واشنطن لم يكن لديها علم كبير بكيفية استجابة الجيش المصري خلال ثورة 25 يناير، ورفضه إطلاق النار علي المتظاهرين' لماذا؟ يضيف التقرير 'لأنه منذ 1979 لم تكن واشنطن برغم المساعدات السنوية التي قدمتها، تعرف الكثير عن آراء المستوي المتوسط من صفوف الضباط، وهو ما يجعل الجيش المصري مختلفًا عن جيوش أخري تتلقي مساعدات من واشنطن'، وما هو المطلوب إذن 'من المهم بشكل متزايد لواشنطن أن يكون لديها فهم لضباط الجيش، لاسيما في ضوء زيادة المطالبة الشعبية بانقلاب عسكري ضد حكم مرسي'.
والشاهد أن الجيش بالنسبة لهم مازال يكتنفه الغموض، فهل يمكن أن يكون لديهم فهم أو رؤية أقل غموضًا للشعب المصري؟!.
أما الجزء الثاني من بيان السيد 'كيري' أمام الكونجرس، والذي يتعلق بالحديث عن دور محوري للجيش المصري في المشهد المتصاعد في الشارع المصري، وضرورة وقوفه حائلاً دون نشوب حرب أهلية، فإنني أستأذنك في أن ألخص إجابتي فيما يلي:
أولاً: أنني لا أري تناقضا حقيقيا بين بيان السيد 'كيري' عن دور محوري للجيش، وعن حديث السيدة السفيرة عن الكارثة التي تمثلها لواشنطن عودة الجيش إلي الحكم، فليس المطلوب أمريكيًا من الجيش أن يكون أداة تغيير ثوري، في ظل أوضاع تزداد تصدعًا وانهيارًا وبؤسًا، وإنما مطلوب منه أن يكون أداة مؤقتة لضبط هذه الأوضاع، إذا ما وصلت تداعياتها إلي حالة الانهيار الشامل، التي يمكن أن تغرق مصر في الفوضي، أو في حرب أهلية.
ثانيا: كيف يستقيم ذلك، مع تلك التحليلات المتكررة عن أن هدف الولايات المتحدة، هو إيصال مصر إلي حالة من الفوضي، أو إلي حالة من الفوضي البناءة، علي حد تعبير 'كونداليزا رايس'، لقد صاغ الإستراتيجيون الأمريكيون مبكرًا، وقبل أن يصبح تعبير الفوضي البناءة شائعًا، نظرية كان منطوقها يقول: 'إن الفوضي سيئة، ولكن النظام أكثر سوءًا' فهل المطلوب هو حالة بين النظام والفوضي؟
في التقرير الاستراتيجي للوداع الذي قدمه 'جورج تنت' من رئاسة المخابرات المركزية الأمريكية، تحت عنوان 'التهديدات عالمية الاتساع ضد الأمن القومي الأمريكي' نبوءة أكثر تدقيقًا لتلك الحالة الملتبسة بين النظام والفوضي، قد تقدم توصيفا أفضل، لتعبير الفوضي البناءة، لقد حدد 'تنت' جوهر التناقض علي خارطة الشرق الأوسط، في 'الصدام الرهيب بين قوتين' الأولي هي عجز عدة أمم خاصة في الشرق الأوسط في السيطرة علي الحداثة، مما سينتج جمهورا ثائرا بلا عمل، والثانية، انتشار تكنولوجيا المعلومات التي تمكن الشباب في مجالات عدة من تهديد الدول التي يعيشون فيها وفي تهديد أمريكا، قبل أن يضيف خطوطًا بالعرض إلي رؤيته الرأسية، حول تزايد ضعف الروابط الداخلية في عدد من الدول التي أصبح تماسكها أمرًا غير مسلم به، الإيقاع السريع للتغيير في عدد من المناطق التي تهدد الأمن القومي الأمريكي، الضغوط السكانية من ناحية والنمو الاقتصادي اللذان سوف يؤثران بعمق في مستقبل الشرق الأوسط، لكن أهم ما أضافه 'تنت' نصًّا هو: 'إن المواطنين العاديين في عدة أماكن من العالم العربي، يبدون في صورة من الهياج الزائد، والصياح المدوي، فهناك جمهور قلق يصعب احتواؤه، لا قيادة معروفة له، ولا هيكل تنظيميًا واضحًا' وذلك هو جوهر المشكلة أمريكيا علي وجه التحديد، 'جمهور قلق وهائج يصعب احتواؤه، لأنه لا قيادة معروفة له، ولا هيكلاً تنظيميًا واضحًا'.
أي أن الفوضي في هذه الحالة لن تكون بناءة، لأن عناصرها الأساسية لن تكون محتواه، ولا واقعة تحت السيطرة، وبالتالي فإن منتوجها لن يكون بدوره قابلا للاحتواء، ولا واقعا تحت السيطرة، إنهم إذن يريدون الفوضي، شرط أن تكون بناءة في إطار الاستراتيجية الأمريكية، أي أن تكون لها قيادات معروفة يمكن احتواؤها، وهياكل تنظيمية واضحة، يمكن وضعها تحت السيطرة، وبالتالي يمكن دفع منتوجها علي خطوط التوجه الاستراتيجي السابق الإعداد والتجهيز.
وباختصار، فطالما بقيت الفوضي في مصر بناءة وتحت السيطرة، وطالما ظل منتوجها هو تقزيم الدولة، وإضعاف مؤسساتها، وفصم عري وحدتها الوطنية، وتسعير التناقضات، وتدمير قواعد إنتاجها، وزعزعة اقتصادها الوطني، فإنها مقبولة وجديرة بالتشجيع.
ثالثًا: لست ممن يعتقدون في صحة تلك التحديدات القاطعة، التي تتنفس في بعض وسائل الإعلام، مؤكدةً أن شهر العسل بين أمريكا والإخوان قد شارف علي الانتهاء، أو أن أمريكا توشك أن تغسل يديها من الإخوان، وتسعي إلي أن تستبدلهم بالسلفيين، أو أن أمريكا غاضبة ومستفذة من سلوك الإخوان تجاه إيران، فقاطرة الإخوان لا تزال تسير، ولو بدت بطيئة ومترنحة ومهتزّة، علي القضبان الأمريكية، وليس في سعيها للتمكين وإخضاع مؤسسات الدولة لرجالها وقيمها تناقضا حادا مع الاستراتيجية الأمريكية، وإذا كان الإخوان يخوضون بكل دأب معركة صفرية لإخضاع مصر، فإن أمريكا تخوض بكل إصرار معركة صفرية لإخضاع الإقليم، وكلاهما محكوم في ذلك بقوانينه وقيوده الذاتية، لقد حددت الثقافة الاستراتيجية الأمريكية نفسها بقوالب ذاكرتها العسكرية، وهي ذاكرة قليلة العمق، صغيرة العمر، تتشكل شرائحها الرقيقة من تاريخها العسكري، حتي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث لم يصادف الأمريكيون خصمًا لقدراتهم العسكرية، لا الهنود الحمر، الذين أبادوا 40 مليونًا منهم، ولا الكنديين والمكسيكيين، الذين اقتطعوا منها بالقوة غالبا، وبالتحايل أحيانا أكثر من ثلث المساحة التي تمددت فوقها الإمبراطورية الأمريكية، ولهذا آمن الأمريكيون دوما أن يكسبوا معاركهم بنصر مطلق منذ حربهم ضد إسبانيا 1898 إلي الحرب العالمية الأولي 1917، إلي الحرب العالمية الثانية 1942، ولهذا خانتهم ثقافتهم الاستراتيجية في حروب كوريا وفيتنام، ومؤخرا أفغانستان والعراق، حين واجهوا أوضاعًا مختلفة عن تلك التي شكلت فكرهم الاستراتيجي، مثلما شكلت عقيدتهم القتالية.
لا ينمو المستقبل من عوامل ليست قائمة في الواقع، ولذلك في قلب سؤالك الكبير عن المستقبل، تتكاثر أسئلة كثيرة، وتطل برؤوسها في هذا الفضاء المفتوح دون إجابات قاطعة، فنحن أمام قوة حاكمة ركبت موجة الثورة، وصعدت إلي شرفة السلطة العالية، لكن جوهر سلوكها من أوله إلي آخره، ناطق بأن معاولها تهدم السلالم التي صعدت عليها، بقدر ما تهدم في قواعد الدولة ومن أركان شخصيتها التاريخية، ونحن أمام شعب ما زال يرمم حلم الثورة والتغيير، وهو يعبر عن ذلك بفيض من الألم والغضب والمعاناة، وقد برهن بكل الصور الممكنة علي أن طاقته حية، وأنها لا تزال وافرة ومتدفقة، وإن فرض الانكسار والهزيمة عليه، ليس مقبولاً ولا متاحًا، فضلاً عن أنه يزداد صعوبة يومًا بعد يوم، ونحن أمام جيش وطني، يتمتع بذاكرة استراتيجية واسعة وعميقة، ويمثل في ذاته تمثيلاً ديمقراطيًا صحيحًا للأمة، بكل طبقاتها وفئاتها وقواها، ويمثل في كيانه، تعبيرًا صافيًا عن عقلها المبدع، ووجدانها الحي، ورصيدها المعرفي الذي جمعته بالدم والعرق، من معارك التاريخ، توفرت له قيادة وطنية لا سبيل إلي إنكار ما تتمتع به من نفاذ في الرؤية، وصدق في التوجه، ودقة في الحساب وتقدير الموقف.
فنحن أمام استراتيجية غربية، كان تقديرها أنها ستمر في جسد مصر، كما يمر السكين في مكعب الزبد، ولكنها اصطدمت بمكعب من الجرانيت، وإذا لم يكن بمقدورها أن تتراجع، فليس بمقدورها في ضوء تفاعلات العوامل الداخلية، أن تتقدم إلي العمق الذي أرادته وتريده، ولذلك فإنها تكاد أن تصبح مستنفدة، رغم أن حضورها وأدواتها هنا وهناك أكثر بأسًا وعددًا وعدّة.
ونحن أمام بيئة استراتيجية إقليمية، لا يعيق عملية الانقلاب الاستراتيجي الكامل فيها شيء كما تعيقه غيبة الحسم الكامل في الحالة المصرية، فحسم مصير مصر، هو رمانة الميزان في حسم مصير الإقليم كله، وهو أمر ليس منفصلا بدوره عن الحسم الكامل المطلوب في سوريا، غير أن متطلبات وأسلحة الحسم هنا، ليست متطلبات وأسلحة الحسم هناك.
ما هو البديل إذن؟، إذا كان التصعيد الرأسي في مصر ليس قادرًا علي أن ينتج المطلوب منه في هذا الحيز الزمني الدقيق، قد يكون البديل تصعيدًا أفقيًا في البيئة الاستراتيجية المحيطة بمصر، يترتب عليه تصدير عوامل من شأنها خلخلة التربة الداخلية، بحكم الزلزال الذي سينجم عن هذا التصعيد، إن ثمة شواهد وظواهر عديدة، مدّعمة بقرائن ومعلومات، تؤكد أننا علي حافة انفجار إقليمي كبير، وذلك كله يحتاج إلي وقفة مطوّلة!.
Email: [email protected]
Site: ahmedezzeldin.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.