مناقشة مخاطر التغيرات المناخية وشح المياه.. تفاصيل لقاء وزير الري ورئيس العراق    وكيل تعليم بورسعيد يكرم المدارس المشاركة في معرض أهلا رمضان 2024    إكليل وخواتم وصلبان.. مظاهر استقبال مبهجة لأقباط بورسعيد احتفالا ب"أحد الزعف".. صور    بعد توجيه السيسي.. إليك تخصصات البرمجة الدراسية وعلوم البيانات بالجامعات المصرية    توقف ضخ مياه الشرب عن الأحياء مساء.. مواعيد تطهير خزانات المياه بمدينة طور سيناء    اقتصادية النواب توافق على مشروع موازنة تنمية التجارة الداخلية    بنك التعمير والإسكان ومؤسسة السويدي يفتتحان "أكاديمية السويدي وبنك التعمير والإسكان الفنية" بمدينة السادات الصناعية    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل رئيس مجلس النواب البحرينى    جانتس يهدد بإسقاط الحكومة الإسرائيلية إن عارضت مقترحا جيدا لصفقة تبادل    البرلمان العربي يدعو لفتح تحقيق دولي عاجل في جرائم المقابر الجماعية بمستشفيات غزة    الخارجية السعودية: إعلان دولة فلسطينية مستقلة هو الضامن الوحيد لعدم تكرار الحرب    الأونروا: أنباء عن وفاة طفلين على الأقل بسبب الحر في غزة    الاتحاد الأوروبي: بوادر الحرب العالمية عادت من جديد، والمواجهة النووية احتمال واقعي    حافلة الزمالك تغادر لملعب مباراة دريمز الغاني    لابورتا يحسم مستقبل كوبارسي مع برشلونة    منتخب مصر يرفع رصيده ل 8 ميداليات في ختام بطولة مراكش الدولية لألعاب القوى البارالمبي    مباشر مباراة الأهلي والزمالك في نهائي كأس مصر لكرة الطائرة    تأجيل محاكمة متهمة بإحداث عاهدة مستديمة لسيدة بمنشأة القناطر ل 29 مايو    مسجلا خطر وراء سرقة عمود إنارة في شبرا    تأجيل محاكمة 14 متهما ب "خلية تفجير كنيسة النعمة الأولي بالمرج" لمرافعة الدفاع    الإعدام لعامل قتل شابا من ذوي الاحتياجات الخاصة بواسطة كمبروسر هواء    بإطلالة صيفية" مي عمر تخطف الأنظار.. والجمهور: "بتجنني"    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    صدى البلد يكرم منة فضالي بعد نجاحها في موسم رمضان الدرامي.. صور    أخبار الفن.. ميار الببلاوى فى مرمى الاتهام بالزنا وعبير الشرقاوى تدافع عنها.. الكينج وشريف منير يكذبان حسن شاكوش    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    مساعد وزير الصحة: انخفاض نسب اكتشاف الحالات المتأخرة بسرطان الكبد إلى 14%    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    وزير العمل يعلن موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم للعاملين بالقطاع الخاص    حسام غالي يكشف مفاجأة لأول مرة عن لاعبي الأهلي أثناء توقف النشاط الرياضي    تأجيل محاكمة المتهمين في عملية استبدال أحد أحراز قضية    استعدادا لشم النسيم.. الزراعة: طرح رنجة وفسيج بالمنافذ بتخفيضات تتراوح بين 20 و30%    الزنك وزيت بذور القرع يسهمان في تخفيف أعراض الاكتئاب    تفاصيل لقاء هيئة مكتب نقابة الأطباء ووفد منظمة الصحة العالمية    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    الرئيس السيسي: «متلومنيش أنا بس.. أنا برضوا ألومكم معايا»    فيلم «أسود ملون» ل بيومي فؤاد يحقق المركز الرابع في شباك التذاكر    بحضور محافظ مطروح.. «قصور الثقافة» تختتم ملتقى «أهل مصر» للفتيات والمرأة بالمحافظات الحدودية    مدير تعليم الدقهلية يناقش استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الثاني    وزير العمل: 5 و6 مايو إجازة بأجر للقطاع الخاص بمناسبة عيد العمال وشم النسيم    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية في قرية جبل الطير بسمالوط غدا    الصحة الفلسطينية: 7 مجازر إسرائيلية جديدة فى قطاع غزة خلال 24 ساعة    الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس المتوقعة اليوم وحتى الجمعة 3 مايو 2024    أعاني التقطيع في الصلاة ولا أعرف كم عليا لأقضيه فما الحكم؟.. اجبرها بهذا الأمر    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    أجمل دعاء للوالدين بطول العمر والصحة والعافية    اليويفا يكشف النقاب عن حكم مباراة ريال مدريد وبايرن ميونخ في ذهاب نصف نهائي تشامبيونزليج    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    مطران دشنا يترأس قداس أحد الشعانين (صور)    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب على الإرهاب أسيرة المركزية الأمريكية
نشر في الأهرام اليومي يوم 17 - 11 - 2015

طالما اعتبر الغرب أن التحديث رسالته التى يسعى إلى التبشير بها، ودار جدل كثير حول ممانعة المناطق الثقافية المختلفة لتلك الرسالة، وقياس مستوى حميمية العلاقة بين الغرب وهذه المناطق بمدى استجابتها للحداثة كمشروع فلسفى وتجربة تاريخية. فالمجتمعات الأكثر تحديثا خارج الغرب الأورو أمريكى كاليابان، تم النظر إليها كصديق منطقي، فيما نظر إلى المجتمعات الأكثر ممانعة للتحديث باعتبارها «شاذة» فى كل الأوقات وعدوا محتملا فى بعضها، وضمنها المشرق العربى الإسلامي، الذى قادته ممانعته إلى عديد المشكلات كالإرهاب، الذى طفح من هنا، ليصيبه هناك.
تلك السردية تبدو لنا دعوى مثالية إن لم تكن فرية تاريخية، فلم يكن تحديث العالم هدفا غربيا بالمعنى الجوهري، الذى يفترض تبنى المكونات الأساسية: الفلسفية والعلمية والسياسية، التى صاغت متن تجربته الحضارية، وإن ظل هدفا خطابيا لنزعة التمركز الغربى حول الذات، وفى القلب منها نسق الفكر الكولونيالي. فما سعى الغرب الى تصديره للمجتمعات الأخرى إنما هو أشكال الحداثة الملونة، كى تصبح هوامش فعالة، تعمل كأسواق مفتوحة لسلعة دون انتاج، وجمهور مستهلك لإعلامه دون ثقافة. ربما اقترب هذا الفهم من النقد الماركسى للرأسمالية منذ القرن التاسع عشر، ونظيره العالم ثالثى للنزعة الكولونيالية منذ ستينات القرن العشرين، ولكنه فى الحقيقة يتقاطع معهما ولا يتوقف عندهما، طامحا إلى تفسير ثقافى أكثر جذرية، فالغرب لم يرد فقط التوسع الرأسمالى ضمانا للمركزية الاقتصادية، ولا التوسع الإستعمارى ضمانا للمركزية الجيوسياسية، بل أراد المركزية الحضارية بالمعنى الشامل، تلك التى بلغها بفضل مشروع الحداثة، وتمكن من الحفاظ عليها حتى اليوم، ويأمل فى استمراها إلى الغد ما بعد الحداثي.
من تلك الفجوة بين حاجة الغرب إلى تحديث هوامش المجتمعات الأخري، وخوفه العميق من حداثة متونها، ولدت الإشكالية التى صارت مألوفة عن ازدواجية المعايير داخل مشروعه الحضاري، فحكم بعض المعايير مسارات تطوره الذاتي، وتحكمت نقائضها بمسارات تمدده الخارجي؛ ذلك أن التراث الفلسفى الغربى ينطوى على تيارين أساسيين متناقضين فى نظرتهما إلى الآخر: يمثل ليبنتز معلما على التيار الأول، الغالب، الذى أراد تسخير الآخرين فى خدمة أوروبا الصاعدة آنذاك، كى تتبلور هى نفسها كفكرة كبرى أولا، قبل أن تسود العالم كتجربة ثانيا، فكان داعية لاستعمار الأقاليم المركزية فيه وضمنها مصر التى حرص العرش الفرنسى طويلا على احتلالها، حتى جاءها نابليون أخيرا باسم الثورة والجمهورية. ويمثل كانط معلما على التيار الثاني، الذى أراد التعايش مع الآخرين على قاعدة الإنسانية المشتركة والحكومة العالمية التى تكرس للسلام الدائم بين جميع الأمم، على قاعدة الديمقراطية داخل كل المجتمعات.
المشكلة الكبرى أن الغرب قد سار دوما خلف ليبنتز، فاحتل الأرض، ووظف أصحابها، فى خدمة مشروعاته.. دعاهم إلى الحداثة فيما عطل تطورهم الطبيعى إليها، حتى لو كان قد بنى بعض المرافق الحديثة بها، خدمة لوجوده فيها.. نصب نفسه داعية للديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكنه اعتبر الإنسان الغربى وحده الأجدر بممارستهما. ومن ثم ظل البناء الفلسفى المعتمد لمشروعه الحضارى عاجزا عن حمل مشروع كونى حقيقي، سواء فى ظل القيادة الأوروبية بالأمس، أو فى ظل الريادة الأمريكية اليوم.
هذا الفهم ربما يلقى ضوءا كاشفا على العلاقة الملتبسة بين الولايات المتحدة، وبين تنظيم الدولة داعش الذى تساءل دونالد ترامب، المرشح الرئاسى للحزب الجمهوري، ببراءة كاشفة إذا كان كل ما يملكه داعش من سلاح ومن عربات مدرعة هو أمريكى الصنع، فكيف وصلت هذه الأشياء إليهم، وكيف ندعى أننا نحاربهم؟. فإذا ما طرحنا سؤالا موازيا وهو: لماذا يستهدف تنظيم داعش روسيا التى تدخلت ضده بفعالية منذ أسابيع، وفرنسا التى أعلنت نيتها فى التدخل الفعال ضده قبل أيام، بإرهابه العدمى على ذلك النحو الذى تبدى غالبا فى حادث الطائرة الروسية، وتبدى يقينا فى حوادث باريس الإرهابية، فيما يستبقى يهادن الولايات المتحدة، المفترض أنها تقود الحرب ضدها خصوصا فى العراق منذ أكثر من العامين؟ لتبدى لنا تحالفا مسكوتا عنه بين الدولة الكبري، والجماعة المتطرفة.
فمن جهة يتبدى الموقف الأمريكى مناقضا لمنطق التاريخ وروح الحداثة، خاضعا فقط لأوهام المركزية الثقافية، وحساباتها الإستراتيجية ذات النكهة الاستعمارية، التى يقصر نظرها عن الآفاق الإنسانية التى طالما ادعاها العقل الغربى عموما، والولايات المتحدة خصوصا، فالبلد الأكثر حيوية فى الغرب، والأكثر حفزا لحركة التاريخ المعاصر، والمفترض أن يكون حاضنة لكل السائرين على طريق الحداثة والحرية والتقدم صار يخون مثله السياسية جهارا نهارا، ويمنح نفسه للشيطان الداعشى الذى لا يرى فى الولايات المتحدة ظاهرا سوى شيطان أكبر، وفى الباطن سوى حليف أكبر.
ومن جهة أخرى يكشف موقف التنظيم عن نزوع براجماتى إلى الاتجار بالدين، فلم يكن الإنتماء الدينى بحد ذاته مانعا لتحالف التنظيم (الإسلامي) مع الدولة الأمريكية (الإمبريالية)، ربيبة المسيحية البيوريتانية، والهجرات الأوروبية والإستعمار الانجليزي، والحبلى الآن بالأصولية الإنجيلية.
جوهر المفارقة التى يكشف عنها ذلك التحالف المريب يكمن فى طبيعة طرفيه، الدولة الكبرى المحفزة لحركة التاريخ من ناحية، التنظيم الدينى المتطرف، المعاند لحركة التاريخ، من ناحية أخري. فرغم أن الدول الوطنية العربية التى يجرى تفكيكها الآن (سوريا والعراق وليبيا واليمن) هى الأقرب للدولة الكبري، من التنظيم المتطرف، باعتبارها ربيبة الحداثة السياسية ولو السلطوية. فإن هذه الدولة، تحركت اقترابا من التنظيم المعاند للحداثة، والمعطل للحرية، ابتعادا عن تلك الدول الوطنية، عندما تبدى لها أن ذلك يخدم أهدافها الإستراتيجية أو يكرس لتصوراتها المستقبلية حيال المشرق الحضارى الإسلامي.
المشكلة الكبرى أن تلك الأهداف والتصورات تبقى قصيرة النظر، إذ تقوم على التلاعب بجغرافية الأرض والتحكم بحدود القوة، والتوظيف السلبى للانتماءات المذهبية، وعلى معاندة جسد الحداثة العقلاني، المؤكد على الدولة القومية، والعلمانية السياسية، والنزعة الفردية، والرافض للدين السياسى والمنزع الطائفي، والروح القبلية. وهكذا تعود الذات العربية لتتحمل من جديد أعباء تلك الثنائية المتضادة فى تجربة الحداثة الغربية، التى كانت دفعت ثمنها إبان الاحتلال الأوروبى لأراضيها، ويبدو أنها سوف تدفعه مرارا، طالما أنها لم تستطع تجاوز مأزقها مع الحداثة بالمعنى التاريخي، من طريق فك أسرارها واللحاق بها، وليس بإنكارها أو معاندتها أو التقاتل تحت رايتها بين طوائف تؤيدها وأخرى تعارضها.
[email protected]
لمزيد من مقالات صلاح سالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.