وزير الطيران: مصر نجحت في إدارة أزمة إغلاق المجالات الجوية المجاورة    اتفاقية تعاون لتأهيل شباب شمال سيناء في مجال الاتصالات    ولي العهد السعودي يجدد للرئيس الإيراني إدانة بلاده للاعتداءات الإسرائيلية    عمرو أديب عن سخرية الإخوان من الهجمات الإيرانية على إسرائيل: كلاب لندن متوزع عليهم نفس الكلام    "لا أنتظر قرار الإدارة بشأن مستقبلي".. أيمن الرمادي يُعلن الرحيل عن تدريب الزمالك    الإسكندرية تستعد لاستضافة البطولة الدولية للبادل بمشاركة 125 فريقا    بعد 22 يومًا.. العثور على جثة شاب غرق خلال الاستحمام بنهر النيل في قنا    لطيفة التونسية تفجع بوفاة شقيقها وتنعاه بكلمات مؤثرة    رومانو يكشف النادي الذي يرغب جيوكيريس للانتقال له    وسائل إعلام إيرانية: الضربة الجديدة على إسرائيل تمت ب100 صاروخ    الرقابة النووية: مصرآمنة    "التعليم" تكشف تفاصيل الاستعدادات ل امتحانات الثانوية العامة غدًا    رئيس بعثة الحج السياحي المصرية: موسم الحج هذا العام من أنجح المواسم على الإطلاق    النيابة الإدارية تؤكد استمرار جهودها لمكافحة ختان الإناث ومحاسبة مرتكبيه    "الأوقاف": بدء إجراءات التعاقد مع مستوفي شروط مسابقتي 2023 للأئمة وللعمال    منتخب كرة اليد الشاطئية يحرز برونزية الجولة العالمية بالفوز على تونس    فات الميعاد الحلقة الحلقة 2.. أسماء أبو اليزيد تخبر زوجها بأنها حامل    نارين بيوتي تخطف الأنظار رفقة زوجها في حفل زفاف شقيقتها    أدعية مستجابة في شهر ذي الحجة    الهلال الأحمر المصرى: تنظيم حملات توعوية لحث المواطنين على التبرع بالدم    على البحر.. ميرنا نور الدين تخطف الأنظار بأحدث إطلالاتها    رئيس مجلس الشيوخ: الشباب المصري العمود الفقري للدولة الحديثة ووعيهم السلاح الأقوى لمواجهة التحديات    خبير: إسرائيل تحاول استفزاز حزب الله لجره لساحة الحرب    قائد بوتافوجو: مستعدون لمواجهة أتليتكو مدريد وسان جيرمان.. ونسعى لتحقيق اللقب    محافظ المنيا يُسلم 328 عقد تقنين لأراضي أملاك الدولة    روبرت باتيلو: إسرائيل تستخدم الاتفاقات التجارية لحشد الدعم الدولى    نور الشربيني من الإسكندرية تؤازر الأهلي في كأس العالم للأندية    مصدر ليلا كورة: الزمالك يرحب بعودة طارق حامد.. واللاعب ينتظر عرضًا رسميًا    "الإصلاح المؤسسي وتحسين كفاءة الخدمات الحكومية".. جلسة تثقيفية بجامعة أسيوط    تعليمات لرؤساء لجان امتحانات الثانوية العامة بالفيوم    بأغاني رومانسية واستعراضات مبهرة.. حمادة هلال يشعل أجواء الصيف في حفل «بتروسبورت»    شركة سكاى أبو ظبي تسدد 10 ملايين دولار دفعة مقدمة لتطوير 430 فدانا فى الساحل الشمالي    ديمبيلي يكشف عن الهدف الأهم فى مسيرته    والدة طفلة البحيرة بعد قرار رئيس الوزراء علاجها من العمي: «نفسي بسمة ترجع تشوف»    امتحانات الثانوية العامة.. الصحة تعتمد خطة تأمين أكثر من 800 ألف طالب    رئيس الوزراء يتفقد مركز تنمية الأسرة والطفل بزاوية صقر    تعاون بين «إيتيدا» وجامعة العريش لبناء القدرات الرقمية لأبناء شمال سيناء    كأس العالم للأندية.. باريس الباحث عن موسم استثنائي يتحدى طموحات أتلتيكو    الأكاديمية العسكرية تحتفل بتخرج الدورة التدريبية الرابعة لأعضاء هيئة الرقابة الإدارية    محافظ كفر الشيخ يُدشن حملة «من بدري أمان» للكشف المبكر عن الأورام    لطلاب الثانوية العامة.. نصائح لتعزيز القدرة على المذاكرة دون إرهاق    خبير اقتصادي: الدولة المصرية تتعامل بمرونة واستباقية مع أي تطورات جيوسياسية    وزير الخارجية البريطاني يعرب عن قلقه إزاء التصعيد الإسرائيلي الإيراني وندعو إلى التهدئة    السجن المؤبد ل5 متهمين بقضية داعش سوهاج وإدراجهم بقوائم الإرهاب    تخفيف عقوبة السجن المشدد ل متهم بالشروع في القتل ب المنيا    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 14 يونيو 2025    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومؤسسة "شجرة التوت" يطلقان فعاليات منصة "القدرة على الفن - Artability HUB"    غدا .. انطلاق فعاليات مؤتمر التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص    مصرع شاب سقط من الطابق الرابع بكرداسة    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    مراسلة «القاهرة الإخبارية»: مستشفيات تل أبيب استقبلت عشرات المصابين    مدبولي: الحكومة تبذل قصارى جهدها لتحقيق نقلة نوعية في حياة المواطنين    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    حجاج مصر يودّعون النبي بقلوب عامرة بالدعاء.. سلامات على الحبيب ودموع أمام الروضة.. نهاية رحلة روحانية في المدينة المنورة يوثقوها بالصور.. سيلفي القبة الخضراء وساحات الحرم وحمام الحمى    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنسان شيطانا.. والشيطان إنسانا!
نشر في اليوم السابع يوم 14 - 05 - 2009

ونحن نتحدث عن حرية التفكير والتعبير والاعتقاد، وندافع عن حقنا فيها، ونتحاور فيما بيننا حول ما يجب أن نلتزم به فى ممارستنا لهذا الحق، نحتاج لمراجعة التجارب التى خضناها وخاضها غيرنا من البشر، والمعارك التى دخلناها وانتصرنا فى بعضها على القوى المعادية للحرية، وانهزمنا فى بعضها الآخر. نحتاج لمراجعة هذا التاريخ ومعرفة الظروف والشروط التى ساعدتنا على أن ننتصر فى سعينا لامتلاك هذه الحرية وإقرارها والتمتع بها، والظروف والشروط التى ساعدت خصومنا على الوقوف فى وجهنا ومصادرة حقوقنا.
وكنت قد عدت فى الأيام القليلة الماضية أطالع ديوان الشاعر الفرنسى شارل بودلير «أزهار الشر» فى أعماله الكاملة، وما نشر معها من نصوص وتوضيحات حول المحاكمة التى تعرض لها هذا الشاعر هو وديوانه فى أواسط القرن التاسع عشر، وبالتحديد فى عام 1857، واتهم فيها بالإساءة إلى المشاعر الدينية والأخلاق الفاضلة فى عدد من قصائد الديوان من بينها «إنكار القديس بطرس» و«صلوات الشيطان» و«لسبوس» و«النساء الملعونات»، و«نبيد السفّاح»، وغيرها.
وقد قرأت هذه القصائد فى نصها الفرنسى فذكرتنى قصيدة بودلير عن الشيطان بقصيدة العقاد «ترجمة الشيطان». والحقيقة أن القصيدتين كلتيهما عن الحرية. لأن الشيطان الذى كان فى العصور الماضية مجرد رمز دينى للخطيئة والشر والسقوط، تحول فى العصر الحديث فأصبح رمزا للتمرد والتحدى والحرية.
وإذا كان الشيطان فى الماضى قد أصابه الغرور فظن نفسه نِدًّا لله عز وجل، وخرج عن طاعته فطرد من السماء، وسقط إلى أسفل سافلين، فالشيطان فى العصر الحديث يرمز للإنسان الذى ثار على النظم المستبدة وعلى المؤسسات الدينية التى تحالفت معها، فارتبطت السلطة الدينية بالطغيان، وارتبطت الحرية بالخروج على السلطة الدينية التى اتهمت الخارجين عليها بالكفر، وطاردتهم، وصادرت أعمالهم. لكن البشر الذين دافعوا عن حريتهم وضحوا فى سبيلها بأرواحهم استطاعوا فى النهاية أن يحطموا معاقل الطغيان ويفصلوا بين الدين والدولة.
ونحن نعرف أن شارل بودلير عاش حياته فى مناخ سياسى عاصف متقلب. ولد فى السنوات التى كانت فيها فرنسا وأوروبا كلها تتفجر بالثورات التى تلد الثورات الحليفة والثورات المضادة التى بدأت بالثورة الفرنسية وما أعقبها من أحداث مزلزلة وحروب طاحنة، انخرط فيها الأوروبيون جميعا، وفى المقدمة الفرنسيون الذين اجتاحوا العالم رافعين رايتهم المثلثة وشعارهم المثلث! الحرية، والإخاء، والمساواة. حتى أنهكتهم حروبهم المتواصلة، واشتدت عليهم قبضة الإمبراطور المنتصر، واجتمع عليهم الإنجليز، والألمان، والروس، والنمساويون فردوهم على أعقابهم، وقضوا على إمبراطوريتهم الأولى، فعادت الملكية، وعادت بعدها الإمبراطورية الثانية ليشتد الصراع بين القوى السياسية المحافظة ورجال الدين المتحالفين معهم وبين المثقفين وأنصار الجمهورية والقوى المتحررة والشعبية بشكل عام.
وفى تلك المرحلة التى امتدت حوالى عشرين عاما من خمسينيات القرن التاسع عشر إلى سبعينياته اضطهد الفكر الحر، وصودرت الصحف، وحوكم عدد من الكتاب والشعراء، وآثر بعضهم حياة المنفى. ومن هؤلاء فولبير، وبودلير، وبرودون، وفيكتور هيجو الذين نسىء فهمهم إذا قرأنا ما كتبوه بعيدا عن هذا المناخ العاصف المتفجر الذى عاشوا فيه، وكتبوا، ودافعوا عن حقهم، وحق مواطنيهم، وحق الناس جميعا فى الحرية.
هذا الولاء للحرية لم يكن مجرد موقف سياسى، وإنما كان إيمانا بعصر جديد وحضارة جديدة يصبح فيها الإنسان سيد مصيره، وينتزع فيها حقوقه من قبضة الحكام ورجال الدين المستبدين. ومن هنا تبلور رمز الشيطان فى أدب القرن التاسع عشر الأوروبى تعبيرا عن التمرد والخروج على رموز الطغيان.
ولم يكن شارل بودلير هو الشاعر الفرنسى الوحيد الذى اهتدى لهذا الرمز ونظم فيه بعض قصائده، وإنما كان الشيطان موضوعا كذلك لقصيدة طويلة نظمها فيكتور هيجو بعنوان «نهاية شيطان» وهى تزيد عن ستة آلاف بيت. بالإضافة إلى قصائد أخرى عن الشيطان نظمها شعراء أوروبيون آخرون منها قصيدة «الشيطان» للشاعر الروسى ليرمونتوف، وتقع فى حوالى ألف ومائتى بيت، وقد ترجمها الشاعر رفعت سلام إلى العربية مع قصائد أخرى للشاعر وصدرت كلها فى مجموعة واحدة.
ومن الملاحظ أن هذه القصائد نظمت كلها فى تلك المرحلة التى أشرت إليها، أى فى العقدين الخامس والسادس من القرن التاسع عشر. فيكتور هيجو بدأ قصيدته فى أول الأربعينيات وأكملها فى أواسط الخمسينيات.
وفى أول الأربعينيات أيضا نظم ليرمونتوف قصيدته. أما قصيدة بودلير فقد ظهرت فى أواخر الخمسينيات وبعد هذا التاريخ بستين عاما تقريبا نظم شاعرنا عباس محمود العقاد قصيدته «ترجمة شيطان» التى لا أشك فى أنه استوحاها مما قرأه عن الشيطان فى الشعر الأوروبى، وخاصة قصيدة فيكتور هيجو التى أعتقد أن العقاد قرأها فى ترجمة إنجليزية.
والعقاد رومانتيكى مثله مثل فيكتور هيجو، وبودلير، وليرمونتوف، وهو لم يكن مجرد شاعر وإنما كان مثلهم أيضا مناضلا صلبا يدافع عن الحرية، ويقف فى صفها، ويخاصم أعداءها، ويتحمل السجن والاضطهاد فى سبيل الدفاع عما يعتقد.
ومع أن الموضوع مشترك فى القصائد التى نظمها هؤلاء الشعراء فى الشيطان فلكل منها فكرتها المستقلة «قصيدة فيكتور هيجو» تقدم لنا سيرة متخيلة للشيطان بعد أن طرد من العالم السماوى. لقد كان قريبا من الله، بل كان أقرب الملائكة للخالق جل شأنه. لكن هذا القرب أصابه بالغرور فجعل يساوى نفسه بخالقه وخرج عن طاعته، ولهذا طرده الله شر طردة، وقذف به إلى أسفل سافلين عقابا له على تمرده، وجعله شرا مطلقا بعد أن كان خيرا مطلقا، ومسخه وحوله إلى كائن قبيح لأن الشر قبيح، ولأن القبح شر.
وهكذا سقط الشيطان، وتقلب فى العذاب، وتصارع فيه ما بقى من الخير القديم وما صار فيه من الجحود والإنكار وأخذ يتذكر ما كان فيه قبل السقوط فيحن إلى سيرته فى السماء وينتظر من الله أن يغفر له، لأن الله لا يتخلى عن خلقه إلى الأبد، وإنما يعاقبهم جزاء ما اقترفوا. ثم يعفو عنهم. وكانت ريشة مضيئة من جناح الشيطان قد طارت عنه خلال سقوطه ثم تحولت فى نهاية القصيدة إلى ملاك أنثى، تماما كما ولدت حواء من ضلع آدم. تلك هى ملاك الحرية الذى سيقود الفرنسيين إلى الثورة التى حطموا فيها الباستيل وتحرروا إلى الأبد!
هذا الصراع بين الخير ممثلا فى ملاك الحرية والشر ممثلا فى كائن غامض سماه فيكتور هيجو إيزيس، يتكرر على نحو آخر فى قصيدة الشاعر الروسى ليرمونتوف الذى يقدم لنا الشيطان وقد وقع فى غرام راهبة فاتنة فقدت زوجها قبل أن تزف إليه فدخلت الدير لكنها ظلت تحن للحب. وهكذا أسلمت شفتيها للشيطان.
فى الشيطان هنا شىء إنسانى يتمثل فى الحب. وفى الإنسان شىء يجمع بينه وبين الشيطان، وهو التمرد، وتحدى القيود، والرغبة فى التحرر.
وفى المقالة القادمة نتحدث عن قصيدة بودلير وقصيدة العقاد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.