ليسمح لى الأمير أحمد شوقى، أن أعارضه فى شطر بيت، ليس إلا: اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية ومع ذلك يبقى شوقى هوشوقى أمير الشعراء والأدباء والبلغاء، وأبقى أنا على حالى. أى خلاف هذه الذى لا يفسد للود قضية ؟ آلخلاف بيننا نحن البشر، بين بنى آدم، بين الإنسان وأخيه الإنسان، الخلاف تحت ذاك الأديم، وفوق هذه البسيطة؟ أم هوالخلاف فى الملأ الأعلى بين الملائكة أولى الأجنحة، الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن اختصام الملأ الأعلى، أوبين الأفاضل من الناس وما أندرهم فى هذا الزمان. وقد اختبر شوقى بنفسه صحة هذا القول فى خلافه مع الأستاذ محمود عباس العقاد، ومع غيره من الأدباء والشعراء. ونختبره نحن يوميا فى حياتنا، فما إن يختلف إنسان مع آخر حتى ينقله من زمرة أهل النعيم إلى رفقة أصحاب الجحيم. هكذا بدون مقدمات، ولا مراعاة للود ولا العشرة ولا الصحبة القديمة، ولا للعيش والملح التى يحسب لها البسطاء حسابا. على أنى أسلم لأمير الشعراء شوقى بصحة هذا المقولة فى حالة واحدة، إذا صارت هكذا: اختلاف الرأى ينبغى ألا يفسد للود قضية. (ينبغى)، وما ينبغى كثير، لكن ما ينبغى شىء، والواقع شىء آخر دوما. لننح العواطف جانبا، الحب والبغض، القبول والرفض، وغيرها من مكنونات النفوس ودفائن الصدور، وأحاسيس القلوب التى لا يعلم ما فيها إلا علام الغيوب. وقديما قال عمر بن الخطاب لقاتل أخيه زيد: إنى أبغضك. فقال الرجل وكان قد أسلم بعد قتل زيد: هل يمنعنى بغضك هذا حقا من حقوقى؟ قال عمر: لا. فقال الرجل: إنما يبكى على الحب النساء. لندع مستوى العواطف جانبا، ولننقل قضية الخلاف إلى مستوى السلوكيات. اختلف معى كما تشاء، ولومائة بالمائة، وادحض حجتى، ورد دليلى، وفند برهانى، وسفه رأيى، وعب مسلكى، لكن لا تحل دمى، ولا تستبح مالى، ولا تقع فى عرضى، فكلى عليك حرام، دمى ومالى وعرضى. اختلف معى لكن لا تشتم ولا تقذف، ولا ترمينى بالباطل من القول، ولا تتهمنى بالمنكر والزور من الفعل، لا تتعرض لشخصى، ولا تُدخل فى الموضوع أهلى وولدى، ولا تسب أبوى، ولا تسئ إلى عائلتى. اختلف معى من غير أن تغتابنى، وتسعى بالنميمة بين الناس وبيني، وتهمزنى وتلمزنى، وتصرح وتعرض بعيبى. اختلف معى من غير إساءة الظن، وافتراء التهم، وادعاء ما تعلم أنه ليس فى بيقين، ومن غير كذب صراح تعللا منك بأن الكذب على الأعداء مباح. اختلف معى ولكن حاذر من اتهام دينى، وإن كنت لم أحسن الالتزام به، أو من الإساءة إلى اتجاهى الإسلامى وإن قصرت فى تقديم النموذج له، ومن التعرض لقدوتى، فكم مقتد بمثال لا يبلغه، ولا يعيب المقتدى به. اختلف معى، لكن لا تجعل ما توقن بصوابه منى خطأ، ولا خطئى خطيئة، لا تتوقف عند الهفوات، ولا تحول حسناتى سيئات، فالبحترى يقول: إذا محاسنى اللّائى أُدلُّ بها كانت ذنوبى فقل لى: كيف أعتذر؟ ألا يستقيم أن أكون خصمك أو عدوك، وفى بعض الحسنات أو المميزات، أم إن خصومتك لى نزعت منى كل فضيلة. ورحم الله عمرو بن العاص، وقد ذكر الروم عنده – والحرب قائمة بينهم وبين المسلمين – فقال: إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرَّة بعد فرَّة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيفأ وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك. فعمرو إن التقى بهم فى معركة سلب أرواحهم من أجسادهم، وفصل رقابهم عن هاماتهم، لكن لا يلزم من ذلك أن يسلبهم كل فضيلة يتحلون بها، أو يفصلهم عن كل خلق يلتزمون به. فاختلف مع من تشاء، لكن التزم معه آداب الخلاف.