كنت طالباً فى السنة الثالثة الثانوى بمدرسة سان جورج.. ولم يتبق على خوض غمار الامتحانات النهائية سوى أقل من شهر.. استدعانى والدى (رحمه الله) ودار بيننا هذا الحوار: والدى: أخبار المذاكرة ايه؟ أجبت: الحمد لله. والدى: مش عاوز تاخد درس فى أى مادة؟ أجبت: لا .. وتابعت متعجباً: أنا عمرى ما خدت درس!! والدى: أنا سامع إن الرياضيات فروعها كتير وصعبة .. ودرجاتها كتيرة .. ما تاخد درس أو تعمل مراجعة. وأصر والدى على درس الرياضة ولم يكن أمامى سوى الامتثال. وفى المساء طرقت باب منزل أستاذى .. وفتح الباب .. وحين رآنى أبدى دهشته وبأسلوبه اللطيف ولكنته المحببة سألنى أستاذى: نعم؟ عايز ايه؟ أنا مش لسة سايبك فى المدرسة؟ أجبت: أبويا باعتنى أخد درس؟ أستاذى: باعتك من نفسه كدة!! يعنى مش أنت اللى طلبت منه؟ أجبت: لا والله .. هو اللى باعتنى. أستاذى: حاجة غريبة! ادخل واقفل الباب. أغلقت الباب وتبعت أستاذى إلى غرفة السفرة حيث أجلسنى ووضع أمامى امتحانا من عام سابق وبعض الأوراق وقلم .. ثم تركنى وذهب. وبعد حوالى الساعة جاءنى صوته من الداخل: خلصت؟ وأجبت ملتفتاً ناحية باب الغرفة: لسه. ومرت ساعة أخرى قبل أن يدخل أستاذى .. فتناول الأوراق التى دونت فيها إجاباتى وأخذ يتفحصها واقفاً ثم قال لى: مية مية .. قوم روح. ثم تابع مداعباً: وماتجيش هنا تانى .. كفاية عليا بشوفكم فى المدرسة .. وسلملى على والدك .. وقل له يوفر فلوسه. ومرت أكثر من أربعين سنة التقيت أستاذى خلالها فى ثلاث لقاءات مرتبة وقابلته مرتين مصادفة فى الطريق .. وفى كل مرة أراه كما هو .. حكيماً .. مخلصاً .. نبيلاً .. متعففاً .. باشاً .. ودوداً .. وقلباً شاباً رغم آثار السنين. وفى كل مرة ألقاه وكأننا افترقنا بالأمس. واليوم علمت أنى لن أرى - مرة أخرى - أستاذى الذى طالما احترمته وقدرته وأحببته .. فقد رحل "جورج باسيلى" .. رحمه الله.