إن العالم يموج بعدد من الأزمات التى تظهر بصور متعددة فمنها المالى والاجتماعى والأمنى وغير ذلك لكن كل هذه الأزمات ترجع إلى أزمتين بارزتين أولهما أزمة الفكر وثانيهما أزمة الحوار خصوصا وان لثقافة المجتمع تأثيره الواضح سلبا وإيجابا فى هذه الأزمات، أن الحوار عملية تجرى بين أفراد المجتمع حول موضوع محدد للوصول إلى هدف معين فيمكن القول بأن الحوار له أهمية بالغة فى المجتمع وتأثيره الفعال على أخلاقياته. لقد انتشرت كثير من وجهات النظر حول موضوع الحوار مع الآخر، وما له من أهمية فى الوقت الحاضر، والذى يعد نجاح الحوار مرهونا بنجاح وتطور المجتمع، والحوار هو التفكير المشترك بمعنى أدق هو محاولة للوصول إلى نتيجة من خلال تعبير عن وجهات النظر، فهو إحدى الطرق التى تساهم فى أن يصل المتحاورون إلى هدف محدد من خلال عرض الأفكار ومناقشتها وبلورتها وإثبات الصواب والوصول إلى الحقيقة. نحن الآن وللأسف نرى ونسمع من خلال وسائل الإعلام مستوى متدنيا من الحوار يكاد يتحول إلى الشجار والتنابذ بالألقاب والمصطلحات، كل ذلك نتيجة لعدم فهم صحيح للقواعد والأصول التى يقوم عليها الحوار الجاد التى من أهمها البحث فى نقاط التلاقى بين التيارات المختلفة قبل البحث فى نقاط الاختلاف، ومحاولة التعاون لتعزيز وتقوية النقاط المشتركة. أن مشكلة مجتمعنا اليوم ليست فى ترجيح أحد الآراء أو وجهات النظر فى القضايا المختلف ولكن مشكلتنا فى تضييع النقاط المتفق عليها، أكاد اجزم أنه لا سبيل غير الحوار والتعايش السلمى والاعتراف بالآخر كضمان وحيد لتحقيق التقدم والتطور والبناء الاجتماعى السليم، فالحوار والاعتراف بالآخر هى الوسيلة الوحيدة التى بها تبنى المجتمعات، ومما لا جدال فيه الحوار يعد من القيم الحضارية لأى أيديولوجية بغض النظر عن ثوابت هذه الأيديولوجية وأكاد اجزم أيضا أن كل فرد يحمل فكراً أيديولوجيا منضبطا بضابط العدل لابد وأن يدعو إلى الحوار واحترام الأخر كى تتحقق أهداف المجتمع فى النهضة والتطور. والحوار الذى أعنيه هنا ليس كلاماً فارغا ولا مجاملات وتملق إنما هو سلوك حضارى ولغة وثقافة يسعى لها كل صاحب حق وصاحب إرادة يريد الخير لهذا الوطن، وحتى يكون الحوار ناجحا فقط نريد حسن النوايا والثقة بالآخر وعدم التخوين فالكل شركاء فى هذا الوطن، كما يجب أن يكونوا شركاء فى بناءه وفى مستقبله، نحن فى بحاجة لتكوين الدولة الوطنية لا على أساس التراضى بل على أساس القناعة والإيمان، التى يكون فيها الجميع سواء فى العمل وفى الحقوق وفى الواجبات وليكون الشعب شاهد على عملية الحوار كى يحكم بنفسه وحتى يعلم من هو على الحق ومن على الباطل فبين الاثنين أربع أصابع والشعب يسمع ولا يرى لذلك هو فى دوامه من هو على الحق ومن هو على الباطل، هذه الدوامة التى جعلت الانقسام يزداد عمقاً، بل وقد يتحول إلى صراع ومواجهات وحروب أهليه لعينة شرها مستطير قد لا تبقى ولا تذر. وأخيرا نحن فى أمس الحاجة إلى إشاعة لغة الحوار والتعايش السلمى والتسامح، ولابد وأن يلتزم المتحاورون بحدود الله، وفى مقدمتها صون اللسان عن الخطأ أو الإساءة للطرف الآخر حيث قال تعالى: "وَقُلْ لِعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِى هِى أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينا.