المشهد الرائع لتعاون أهالى أسوان ومسئولى الآثار منذ أيام لمشاهدة تعامد الشمس على وجه الفرعون رمسيس الثانى، ومن بجواره من تماثيل الآلهة فى قدس الأقداس يدفعنا بشدة إلى تذكر تآلف المصريين ومحبة بعضهم البعض فى إظهار روعة حضارة بلادهم، وبطريقتهم الأسوانية الرائعة شاركت مجموعات الرقص الشعبى الأسوانية مثيلاتها من الفرق الشعبية من عدة دول كفرنسا وأمريكا وتركيا هذا الاحتفال فى ليلة من ليالى أسوان الجميلة، لتضرب مثلاً للحمية الصعيدية فى الدفاع عن سمعة السياحة فى مصر . وعلى النقيض تبدو أهرامات الجيزة وكأن حرباً ضروسا تدور رحاها فوق رمالها، وكأن خيول الفرس تهاجم كل غريب يشرع فى زيارة – ولو خاطفة - لأحد عجائب الدنيا السبع، والوحيد الذى مازال صامداً شامخاً ساخراً مما يراه حوله من عجائب الدنيا الجديدة ! الهرم – حيلتنا – يتطلع من عل فيرى باعة شهروا واستلوا بضاعتهم فى وجوه الزوار الذين رمى بهم القدر بين أنياب من لا يرحم، وقد أقسم البائع ألا يغادره الزائر إلابعد أن يبيعه قسراً ما لديه من بضاعة، وهى فى أغلبها بضاعة صينية رديئة كتمثال أو جمل أو كارت بوستال أو عقال يلتف حول قطعة قماش صغيرة لاتغطى رأس طفل ..الخ ويفرض البائع ما يحلو له من سعر. فإذا شاء القدر وكان لدى الزائر مهارة الهروب والزوغان من بين براثن الباعة، فلاشك هو جاثم بين أقدام الخيل والبغال والجمال التى كثر عددها فى صحراء الهرم وكأن حروب البدو قد عادت لنا فى ثوب جديد. والزائر المسكين يكتشف فجأة أنه فوق جمل أو حصان أو" كارته"، لا يكاد يذكر من أركبه ومتى، وحين يفوق من غفوته يجد أنه فى صحراء جرداء والهرم يبدو له كسراب وبمعزل عن رفاقه، ويكاد يلطم وينوح ليعود به صاحب الجمل إلى رفاقه الذين نجوا من محاولات غزوهم بالدواب. بينما تمتلىء الساحة بصبية وصبيات يحملون فى أياديهم قطعا صغيرة من بردى أو جعارين ملونة وأصناف عديدة من بضاعة لا معنى لها سوى الاستجداء الملح ثقيل الظل حيث يشير الصبى أو الصبية أثناء ذلك بأصابعه تجاه فمه، وكأنه لا يجد ما يأكله ويكاد يموت جوعاً. بينما يتناثر وينتشر غبار الرمال المتناهية الصغر التى تثيرها الجياد وتطير فى وجوه وأفواه الذين مكثوا صامدين فى أماكنهم يلتقطون صوراً تذكارية للهرم الشامخ الساخر. وأمام تمثال أبى الهول الذى يبدو وكأنه يستعد لمغادرة المكان من هول ما يدور حوله، وبجوار ساحة عرض الصوت والضوء امتد طريق على جانبيه بضاعة من كل شكل ولون، يجلس الباعة حول بضاعتهم – والشهادة لله – فى هدوء ينتظرون أرزاقهم فى صبر جميل. المشهد الآن حول الأهرامات – التى صورت فى محيطها أحداث الأفلام الرومانسية العالمية والمصرية - فى مجمله يحمل عاراً على كل مسئول بمنطقة الهرم، أهرامات مصر، الحلم المشترك بين كل سكان المعمورة منذ الصغر، حيث كثير من السائحين قد أعربوا عن أنهم حققوا أخيرا بزيارتهم للأهرامات حلماً كان يراودهم منذ نعومة أظافرهم، ولكن ما يرونه مما يدور فى أرجائها من عبث وفوضى يقلل من جمال هذا الحلم. الحكومة التى تستجدى قرضاً بملاليم تهدر المليارات التى تجلبها السياحة بما تسمح به من فوضى تعم البناء الأوحد الشهير فى العالم وهو أهرامات الجيزة. الأهرامات التى يدفع السائح فى سبيل زيارتها الغالى والنفيس، ليعلق فى صدارة غرفته صورة تذكارية له بين أحضانها، أصبحت الفوضى تعربد فيها وكأن هناك من يتربص بها وينتقم منها. يا حكومتنا الغراء .. أين تنامين لنوقظك؟ أحمد م