ما أشبه اليوم بالبارحة، فالأسف كل الأسف لما تشهده البلاد من نزيف الشباب الدامى، الشباب الذى روى بدمائه أرض مصر ليزرع أفقا جديدا للشعب المصرى بكل طوائفه وفصائله حينما ثاروا ضد ظلم وفساد واستبداد ثلاثين عاما لينتقل الشعب من عالمه الافتراضى ليعيش حياة طبيعية على أرض الواقع الجديد بكرامة وحرية وعدالة اجتماعية، وهو الشباب ذاته الذى انتفض مرة ثانية فى الخامس والعشرين من يناير الجارى لاسترداد ثورتة الباسلة، ورفض الديكتاتورية النامية وحماية ما تبقى من جسد الدولة قبل تفشى الوباء الإخوانى فيه، ولضمان أن تصبح مصر دولة القانون التى تسود فيها العدالة الاجتماعية والمساواة التى تمكن كل فصائل وطوائف الشعب من أن يعيشوا فيها على قدم المساواة تحت مظلة القانون وليس تحت مظلة قواعد الفصيل الحاكم. وعلى الرغم من أن مطالب المتظاهرين محددة وواضحة من حيث محاكمات عادلة وحقيقية لقتلة الثوار وتعديل الدستور اللاتوافقى إلى جانب خضوع جماعة الإخوان المسلمون للقانون مثلها مثل باقى طوائف وفصائل الشعب وإزالة آثار الإعلان الدستورى إلى جانب مطالب أخرى، إلا أن هذه المطالب قوبلت وكالعادة بسيناريو التجاهل والقتل وسفك الدماء وإهدار أرواح الشباب الباسل وهذا تمثل فيما شاهدناه مؤخرا فى أحداث الميدان وبورسعيد والسويس وغيرها، إلى جانب سقوط العديد من المصابين . والسؤال الذى يطرح نفسه فى كل هذه الأجواء كيف تعاملت القيادة مع الأمر؟!!!! وفى الحقيقة اتضح أن القيادة الإخوانية لم تقل هزلا عن سابقتها – قيادة الرئيس السابق حسنى مبارك – فى التعامل مع الأمر. فعلى الرغم من التهاب الموقف الشعبى وسقوط العديد من الضحايا إلا أنه كان تصرف الرئيس محمد مرسى دون المستوى ولا يرقى إلى مستوى الحدث بأى شكل من الأشكال، فبدلا من احتواء الموقف الشعبى والاستجابة للمطالب الشعبية، إلا أن الرئيس اكتفى بالتغريد على موقع التواصل الاجتماعى تويتر!!!!!، وبعد أيام من الأحداث ألقى الرئيس خطابة ولم يتعرض بأى شكل من الأشكال للمطالب الشعبية – على الرغم من ارتفاع سقف المطالب للرحيل عند الكثير- إلى جانب فرض حظر التجوال فى السويس وبورسعيد والإسماعيلية وإعلان حالة الطوارئ.. وكان رد الفعل واضح وصريح من جراء هذا الخطاب بالرفض الشديد على كل الأصعدة خاصة فى المحافظات سابقة الذكر واتضح ذلك عندما تظاهر أهالى تلك المحافظات فى وقت حظر التجوال. وعلى صعيد آخر تشهد الساحة السياسية الداخلية تمزق وصراع فى شديد الخطورة بين أطراف عدة، وكأن الدولة انقسمت على نفسها إلى دويلات وكل له وادى يهيم فيه ويبعد كل البعد عن المصلحة العامة، فجماعة الإخوان المسلمون تنظيم على قدر لا يستهان به من الخطورة التى ازدادت بعد وصولهم للسلطة وأثبتت الجماعة عدم قدرتها للارتقاء لمستوى الحدث لتتمكن من قيادة مصر بل ظلت قائدة للجماعة والرئيس محمد مرسى رئيس للجماعة وليس لمصر وكأننا بصدد دويلة قائمة بذاتها ولها تنظيمها وتخضع لقانونها الخاص وتريد التشعب لكيان الدولة ككل. وفى الجانب الآخر، تكمن وزارة الداخلية والتى تصدرت المشهد وكأنها فى عداء وصراع مع الشعب – والوضع الطبيعى يفترض فيه أن تمتثل الحياد وتحظى باحترامها – ويمكن إرجاع ذلك أيضا إلى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك وتفشى ظاهرة الدولة البوليسية، حيث التضخم غير المبرر لوزارة الداخلية وأصبحت بأفرادها وكأنهم فوق القانون، وعلى الرغم مما تردد مؤخرا من محاولات للتعديل والتطوير فى كيان الوزارة إلا أنها لا تتخطى مرحلة المسميات وخير دليل على ذلك ما سقط من ضحايا برصاص الأمن فى الأحداث الأخيرة وفى هذا السياق فتعد وزارة الداخلية هى الأخرى وكأنها دولة داخل الدولة . وفى جهة أخرى، نجد أن الشعب هو الجانب المقهور فى كل هذه المنظومة ولا يملك سوى التظاهر لتقرير حقوقه وللتصدى لذوى المصالح الشخصية التى ترى فى الدولة فريسة لها، ولكن لا يمكن أن نغفل جانب آخر ويشمل الذين يتخذون من الشعب والثوار ستارا لهم، لأنهم وببساطة تتفق أهدافهم وأجنداتهم السياسية مع المطالب الشعبية وخير دليل على ذلك ما فعله الإخوان المسلمون إبان الثورة . وفى ظل هذا التوتر والتمزق الداخلى وحالة الاحتقان والتناحر التى تشهدها البلاد، تراقب الدول الخارجية الوضع عن كثب وتحاول دس الأيادى الخفية لزيادة اشتعال الموقف وتأزمه – وهذا يفسر كثيرا أعمال الخراب والدمار التى تحدث ويحاول البعض لصقها بالثوار – وهذا حتى تتمكن من السيطرة على مصر التى طالما كانت حلما لهم وتحقيق أهدافها ومخططاتها الاستعمارية والرغبة فى سايكس بيكو جديدة وأهم تلك الدول الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل فتلك الدولتين لهم أطماعهم القديمة فى مصر فنحن لا ننسى أهمية سيناء لإسرائيل وكذلك أهمية قناة السويس للولايات المتحدةالأمريكية والتى قد يساعدها فى مسعاها توتر الأحداث فى منطقة القنال وهذا ما يزيد حدة التوتر والخوف الشديد فى ظل قيادة لا تكترث لمصلحة البلاد بقدر ما تسعى لتحقيق أهدافها . ولذلك للحفاظ على مصلحة مصر لابد وأن يستجيب الرئيس لمطالب الشعب والثوار لأن الحديث عن حوار وطنى فى مثل تلك الأحداث يعتبر من سبيل المماطلة الهزلية والتهريج خاصة فى ظل المحاولات السابقة التى باءت بالفشل، والتنازلات لا تأتى أبدا من قبل الشعب لأنه الطرف المقهور فى المنظومة واللعبة السياسية بأكملها، وإن لم يكن ذلك فسيظل الاحتقان والالتهاب وسيكون مصير الإخوان نفس مصير النظام السابق .