لاشك أن الظروف السياسية العصيبة التى مرت بها مصر فى الآونة الأخيرة وخصوصا فى الفترة التى أعقبت الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس مرسى فى أواخر شهر نوفمبر الماضى وحتى الاستفتاء على الدستور بمرحلتيه وإعلان نتيجته قبل نهاية شهر ديسمبر، وتمثلت فى حصار قصر الاتحادية وحصار وحرق مقرات الأحزاب وعلى رأسها مقرات حزب الحرية والعدالة ثم بعض مقرات حزب النور، ثم رشق مقر حزب الوفد بالحجارة، ومحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى وحصار مسجد القائد إبراهيم بالاسكندرية – للمرة الأولى فى تاريخ مصر – وتبادل العنف السياسى بالشارع المصرى ودخول أسلوب البلطجة إلى الشارع السياسى يقابله استخدام المليشيات الحزبية لمواجهة عمليات الحصار والاقتحام فى إشارة خطيرة إلى السير فى طريق بداية سقوط مؤسسات الدولة السيادية، وإضراب القضاة وأعضاء النيابة ثم محاصرة مكتب النائب العام وإجباره على كتابة استقالته.. والافتئات المسبق على رأى الشعب ووصفه بالأمية والجهل السياسى والتصويت متأثرا بالرشاوى الانتخابية، وما صاحب كل هذه الحالة شديدة القتامة والسواد من قذف إعلامى شديد القسوة، وتبادل تهم الخيانة والعمالة والتكفير السياسى والتحقير الدينى. فى مشهد عام بدا الأكثر ضبابية وخطورة منذ قيام الثورة المصرية المجيدة فى 25 يناير قبل عامين.. مشهد بدا فيه الوضع مرشحا للانفجار بطريقة متصاعدة كالقنابل العنقودية. وكان واضحا أن اللاعب الأساسى فى هذه المحنة القاسية هو ممارسة الاستقطاب الحاد وغياب الحوار الوطنى وممارسة نوع مقيت من سد الأذن عن سماع الأطراف الأخرى. فى هذه الأجواء القاتمة تدخلت أحزاب وهيئات سياسية وشخصيات سياسية وعامة لم تشارك فى هذا الاستقطاب الحاد، وعملت بكل طاقتها على امتصاص هذا الوضع والسعى الحثيث نحو الحوار الوطنى والوقوف نحو الخروج من الأزمة واتخاذ موقف وطنى حفظ على المعارض السياسى حقه فى المعارضة النظيفة القائمة على المعارضة مع احترام شرعية الشعب واختياراته والحفاظ على مؤسسات الدولة وسيادتها، كما حفظ على المؤيد للرئيس وحزبه تأييده فى غير الانجرار بالضرورة إلى تقسيم البلد بين دولتين.. فيما عرف اختصارا بدولة تمثال النهضة ومدينة الانتاج الإعلامى، وبين دولة ميدان التحرير وقصر الاتحادية. هذه الأحزاب السياسية التى وقفت فى منطقة الوسط متحملة النقد والتجريح من كل الأطراف والاتهام بالرمادية وعدم الوضوح، هذه الأحزاب وتلك الشخصيات الوسطية هى التى مارست دور الساعى فى وئد الفتنة ودرء الخطر، وكانوا أحد العوامل المساعدة بقوة فى إطفاء حريق هائل كاد أن يطيح بالوطن برمته (معاذ الله). وخرجت هذه الأحزاب الوسطية المحترمة التى أعلنت بوضوح وبأفعالها وممارستها على الأرض ومن خلال وسائل الإعلام أنها فصيل سياسى وسطى لا يقوم بجريمة الاستقطاب الحاد ولا يساعد عليه. وسيحفظ لها التاريخ ذلك الموقف، وإن بدا ملتبسا الآن.. خرجت الأحزاب الوسطية من تلك الأزمة كما خرجت بقية القوى السياسية لتجد نفسها أمام استحقاق انتخابى لمجلس نواب يعول عليه إعادة رسم الخارطة السياسية المصرية، مما جعلها بوضوح فى مأزق سياسى حرج. أدرك تماما من خلال التجارب الوسطية السابقة أن ما يمكن تسميته ب (مفرمة الانتخابات) قد تدهس (أو تفرم) هذه القوى السياسية الوسطية خاصة الناشئة منها إن لم يكن لها موقف واضح ومحدد من المشاركة فى الانتخابات، والحصول على وضع معقول وهو التمثيل فى المجلس القادم ولو بعدد محدود كإعلان عن استمرار وجودها وتنامى قدرتها على الانتشار والتأثير، وحماية كياناتها الوليدة من التبعثر على اطراف الاستقطاب الحاد.. كل ذلك يجعل المعادلة معقدة وصعبة. لكننى أحذر قادة هذه الأحزاب الوسطية من الانجرار إلى تحالفات انتخابية مع قوى سياسية مارست جريمة الاستقطاب الحاد أو شاركت فيه أو دعمته على الجانبين. فالتحالف مع تلك القوى الموسومة بالتطرف على جانبى العمل السياسى المصرى، هو انحياز إلى الاستقطاب، وهو الخروج المؤكد من مساحة الوسط، مساحة التيار العام المصرى.. ( Mainstream ) الوضع صعب ومعقد، لكننى أؤكد بوضوح أن خطر الانحياز نحو أحد طرفى الاستقطاب الحاد بالتحالف معه ولو تحالفا انتخابيا مؤقتا لا يقل خطورة عن الخروج من مسابقة الانتخابات النيابية المقبلة خلو الوفاض.. بل إن هذا التحالف مع المستقطبين، يساوى ممارسة الاستقطاب البغيض نفسه.. يا أيها السادة حافظوا على أنفسكم فى منطقة الوسط والتيار العام فأنتم على ثغرة من ثغور الوطن فى أشد أوقات تاريخه خطورة وصعوبة، واجعلوا شعاركم الدائم ( نحن لا نستقطب ولا نساعد على الاستقطاب) ولسوف يثبت لكم التاريخ أن ما يدعيه البعض عليكم اليوم بأن لونكم رمادى لم يكن سوى لون أبيض ناصع ونقى بين لونين هما الأحمر القانى والأسود القاتم.. أرجوكم لا تغيروا ألوان علم مصر من ثلاثة ألوان يزهيها ويبرزها الأبيض الرائق ليختزل فى لونين هما الأحمر والأسود أحمدم .