عندما دعت القوات المسلحة المصرية الشعب للاستفتاء بعد ثورة 25/1/2011 م، ولم يكن قد أكملت الثورة شهرها الثالث بعد، فقد حدثت تعديلات جديدة على قانون الانتخابات وسمح لجميع المصريين ممن تعدوا سن 18 سنة بأن يدلوا بأصواتهم، وهذا ما كانوا محرومين منه فى النظام السابق، والذى كان يحتم أن من ينتخب لا بد أن يكون له بطاقة انتخابية وشروط استخراجها فيها بعض الصعوبة، لذلك كان الناس يتكاسلون عن حقهم فى الإدلاء بصوتهم واختيار ما يناسبهم، وبالفعل فرح الناس جميعا، وتم الحشد للاستفتاء سواء من المعارضة أو من المؤيدين للاستفتاء، ولم يأخذ موضوع الاستفتاء الكثير من الجدل والنقاش وأقبل الناس بالملايين بسعادة وفرحة لم تحدث من قبل، وحدث إقبال شهد له العالم أجمع وزادهم جمالا ورونقا حضور كبار السن والمرضى، ومن يحملهم من أهلهم ومساعدة رجال القوات المسلحة لهم للإدلاء بأصواتهم، وبالطبع أغلب من شارك فى استفتاء مارس 2011م كانوا يدلون بصوتهم لأول مرة فى حياتهم. لكن شتان الفارق بين استفتاء مارس 2011 م واستفتاء ديسمبر 2012، فهذا الاستفتاء الأخير تلوثه الدماء والفرقة والضعف الاقتصادى الشديد وسقط بسببه قتلى ومصابون، وهناك من قرر أن يعرض عن الذهاب، وهناك من يؤيد ومن يعارض، والشعب فى حالة احتقان شديدة، وهناك تضارب فى المواقف يعرض أصحابها إلى خطر التصادمات والتراشقات، وإعراض هذا وذاك، ومحاولة إسقاط الاستفتاء لأنه لا يرضى المعارضة، وتمسك بعض الأحزاب ذات الطابع الدينى بحتمية الاستفتاء، كل هذا يعرض الوطن لخطر شديد، ونحن نرى جيدا الظروف المحدقة بنا من مخاطر خارجية وداخلية. كنت أتمنى أن يخرج دستور يرضى أغلب المصريين، لكن فى ظل ظروف استقطاب حزبية ومنافع خاصة دنيوية، فإن أى دستور يستفتى عليه لن يرضى نصف المصريين، وذلك حسب ما عرفناه من نتائج أخيرة فى الانتخابات الرئاسية ومعارضة نصف الشعب للنصف الآخر، فإن أى قانون أو فعل يقوم به الرئيس الحالى سوف يلقى معارضه شاملة له، ليس عن أسلوب علمى ولكن عن تعصب طائفى سياسى، والعكس صحيح، إذا استلمت المعارضة الحكم، فسوف يقابلون بمعاملة قاسية من التيارات الدينية السياسية ولن تلقى قراراتهم قبولا أيضا، وهنا نجد أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أوضحت لنا خريطة سياسية دينية جديدة، فقد عرف الشعب من هى المحافظات التى تؤيد ومن هى التى تعارض، وهذا خطر جسيم يحدق بالوطن. لقد أصبح الاستفتاء أمرا واقعا ولا بد للجميع أن يتكاتف حتى يخرج فى صورة مشرفة لمصر، وعلى كل الأحزاب الوطنية التى تحب مصر بحق أن تفضل مصلحة مصر على مصلحتهم الشخصية، وأن يدعوا أنصارهم للاستفتاء وأن يعوا جيدا أن صوتهم له قيمة ولا تصدقوا الشائعات التى تقول إن الاستفتاء سوف يزور، هذا خطأ جسيم، وقعتم فيه أيام النظام السابق، فتركتم الحزب الوطنى يتحكم فى الانتخابات حتى أصبح التزوير سمه واضحة للعيان، لا تتركوا أصواتكم لغيركم واعلموا أن هناك أحزابا قادرة على الحشد، فأين أنتم منها؟ أين قوتكم فى صندوق الانتخابات؟ أين وجودكم الحقيقى على الساحة؟ اعلموا أن من يقاطع فهو يقول نعم. ملحوظة: ليس هناك شىء اسمه التجربة الإسلامية، فنحن لا نجرب الإسلام، والإسلام لن يكون أبدا تجربة فى يد البشر، فهو أسمى من ذلك، ولكن نحن نجرب حزبا سياسيا كان مظلوما سابقا، ويقول إنه جاء بالخير لمصر، وهو من يمثل التجربة وليس الإسلام. الدستور ليس قرآنا، ويجب ألا يموت من أجله إنسان صوتك فى الشارع قد يوقظ الآخرين لكن صوتك فى الصندوق قد يغير أحوالهم.