لا تشغل بالك بالإجابة على سؤال لماذا دعا الرئيس مرسى الأستاذ هيكل للقاء فى هذا التوقيت، ولا تتعب نفسك فى معرفة لماذا قبل هيكل الدعوة، لأن الحكاية كلها عبارة عن حوار بين من لا يملك مع من لا يقدر، فلا مرسى يستطيع أن يعمل بنصيحة من هيكل.. ولا الأستاذ بمقدوره أن يقنع مرسى بخطوة أو إجراء دون الرجوع لحكام مصر الفعليين فى مكتب الإرشاد! هو إذن لقاء فى الوقت الضائع يمكن أن تضع له عنوان "اضحك علشان الصورة تطلع حلوة"، وفى الصورة رئيس انفض من حوله مستشاروه، ومستشار قديم مشهود له بقدرات تاريخية فائقة فى إنقاذ الأنظمة لحظة سقوطها! وفى ظنى أنه كان من الأجدى أن يلتقى هيكل مع مرشد جماعة الإخوان د.محمد بديع الذى يأتمر مرسى بأمره ويدين له بالسمع والطاعة، أو مع خيرت الشاطر رئيس هيئة الأركان الذى يتولى الآن قيادة غرف العمليات ويمسك بيده كل خيوط إدارة الأزمة حشداً وتمويلاً وتخطيطاً وتنسيقاً، سواء مع حلفاء الداخل أو مع الكبار فى التنظيم الدولى للجماعة. وقبل يومين من لقاء مرسى – هيكل، كان هيكل يتحدث فى التليفزيون محذراً مما سماه ب"لحظة ديسمبر الخطرة" ومن طرح دستور للاستفتاء "صدم بمجرد قراءة مادته الأولى"، دستور غابت عنه الكنيسة ويرفضه قطاع كبير من المصريين، ويمثل خطراً كبيرًا على مستقبل البلاد! ولا أتصور كيف رد الدكتور مرسى على تحذير الأستاذ هيكل بأن سماحة بحصار المحكمة الدستورية هو "إلغاء لدولة القانون"، وأن "هروب رئيس البلاد من الباب الخلفى لقصره تحت ضغط المتظاهرين هو مؤشر خطير للغاية يستوجب إعادة النظر فى كل تفاصيل الأزمة!"، فهل يمكن أن يستجيب مرسى لنصائح مستشار قديم؟.. وهل يعيد النظر فى كل تفاصيل الأزمة؟.. "يلغى إعلانه الدستورى القديم أو "أبو شرطة" ويؤجل الاستفتاء على الدستور لمدة شهرين لإعطاء فرصة لحوار وطنى ينزع فتيل الأزمة ويجمع الشمل حول دستور توافقى لكل المصريين؟! الإجابة معروفة.. مرسى لا يستطيع لأنه لا يملك.. ومن يملك يحكم، ولهذا فإن الشعب خرج ضد الاستفتاء يهتف "يسقط حكم المرشد" بعد أن خرج الأستاذ هيكل من قصر الاتحادية إلى مزرعته فى ضواحى القاهرة صفر اليدين، فقد قرر المرشد ومعه الشاطر وقرارهما نافذ، انهم سيقاتلون حتى آخر مواطن مصرى أمى فقير دفاعا عن الدستور.. بالدم وبالزيت والسكر وبخطباء الجوامع وبميليشيات الإخوان وكتائب حازم أبو إسماعيل التى تحاصر مدينة الإنتاج الإعلامى وجحافل الجماعات الإسلامية التى تحاصر المحكمة الدستورية، كلهم سينتفضون دفاعا عن "الشرعية والشريعة" والاثنان فى وجهة نظرهم سواء، الحكم بالدين، والوالى هو الفقيه الجالس على عرشه أعلى جبل المقطم! وأتصور أن اللقاء البالونى بين مرسى وهيكل لن يسفر إلا ربما عن صفحة سوداء فى كتاب جديد للأستاذ يحلل فيه حالة المصريين لحظة اندقاعهم نحو هاوية الحرب الأهلية بفعل مؤامرة متعددة الأطراف هدفها الانتقال من الانقسام إلى التقسيم عبر تمرير دستور يؤسس للدولة التى رسم ملامحها قبل ثمانية عقود الإمام الأول حسن البنا والتى ينفذها ويقطف ثمارها الإمام الحالى محمد بديع!. إن مرسى فى هذه الساعات العصيبة لا يسمع إلى أحد، لا يرى أحد وليس أمامه غير أن يمضى حتى النهاية فى تنفيذ ما رسم له.. لن يتراجع عن الاستفتاء، ولا نتيجة إلا ب"نعم"، والتزوير بدأ فعلياً بتسخير كل مرافق الدولة وأجهزتها، ولا بديل أمامه غير الاستعانة بميليشيات الإخوان وأمن أبو أسماعيل المركزى! وعلى الجانب الآخر فإن المصريين الذين يدفعون من دماءهم كل يوم ثمن إصرارهم على حماية ثورتهم وتحقيق أهدافها النبيلة، ينتظرون قيادة ثورية شجاعة تقود الشارع فى لحظة تاريخية ضد حكم الجماعة واستبداد النظام.. الشعب ينتظر زعامة شعبية لا تخشى إرهاب النظام ولا ترتعش أمام تهديداته.. لا تساوم ولا ترضى بأقل مما يطالب به الشعب،.. إن المصريين الآن ينظرون إلى جبهة الإنقاذ وينتظرون إما أن يتقدم صفوفهم رجال.. أو تدوسهم النعال!!