* قلما ما تجد فنانا تتغلغل ألحانه فى أعماقك وتظل منهمرة التدفق كلما جاء موقف أحياها فى ذاكرتك، فتتنهد قليلا، وتتأثر كثيرا وربما انهمرت دموع خارجة عن إرادتك. * كم هى قاسية لحظات الفراق خاصة عندما يكون فراقا لواحد من قليلين أثروا فى شخصيتك فى وقت أن كانت تتشكل فلقد تشكلت شخصيتى مع مسلسلات كتبها أسامة أنور عكاشة وأخرجها إسماعيل عبد الحافظ، ومحمد فاضل، وظل عمار الشريعى قاسما مشتركا فى أبو العلا البشرى، والشهد والدموع وزيزينيا، وقال البحر، والراية البيضا، وغيرها الكثير بأصوات جيل مطربين كل منهم أصبح مدرسة كعلى الحجار ومدحت صالح ومحمد الحلو والكثيرون وها نحن قد فقدنا مؤلفها منذ أعوام وهذا العام فقدنا المخرج إسماعيل عبد الحافظ والموسيقار عمار الشريعى ليلتقى الثلاثة عند مالك الملك الرحمن الرحيم. *ولن تكفى السطور للحديث عن عبقرية ابن سمالوط الذى حمل عوده وبصيرته المميزة وفكره الذى تشكل من ثقافة واسعة لم تمنعه أى ظروف صعبة من الحصول عليها ليضع تلك المدخلات من جهة ويخرج من الجهة الأخرى أحاسيس متدفقة تعشق الوطن فى موسيقى مثل دموع فى عيون وقحة ورأفت الهجان وعشرات الأوبريتات الوطنية ثم يحول أحاسيسه بشقاوته وخفة ظله المعهودة إلى أغنيات للأطفال أصبحت تراثا يصعب تكراره مع الراحل مدبولى وعفاف راضى ونيللى ولبلبة وصفاء أبو السعود وغيرهم وتجده مرة ثالثة حامى حمى الموسيقى الشرقية ومتعهدا بدوره فى تمجيدها والحفاظ عليها سواء عندما قدم غواص فى بحر النغم فى الإذاعة ومرة أخرى عندما كان عمار الشريعى هو الاختيار الوحيد لصناع الدراما فى مسلسلات وأفلام السيرة الذاتية أم كلثوم وإسماعيل يس والعندليب وحليم ومع الأخير أظهر عبقرية أخرى عندما قدم مسلسلا وفيلما عن العندليب ولا توجد أدنى علاقة بين موسيقى العملين ! * صدق الكاتب عمر طاهر عندما قال إن لنا فى عمار وله فينا أكثر من أى رئيس جمهورية فعمار جعلنا نحب أنفسنا ونحب الوطن ونحب الحب نفسه فما أروعها كلمات غناها بصوته لمصر فقال: حبيبتى من ضفايرها طل القمر. لن تتوقف أوتارك يا عمار فموسيقاك سيتغنى بها الأجيال التى عاصرتك فى حفلاتها كالحجار (الذى ظل معك حتى أوصلك إلى حين ترقد فى عالم أفضل من عالمنا) ومدحت صالح وغادة رجب وغيرهم وموسيقاك ستظل نموذجا يتم تدريسه مثل جيل الرواد كما ستعزف فى حفلات الأوبرا والساقية وسنسمعها فى الإذاعة المصرية وأعمالك الدرامية ستظل تراثا تذاع جنبا إلى جنب الأعمال الحالية وسيتذكرك دائما الأطفال مع أغنياتهم التى لم يقدمها أحد مثلما فعلت وأغانيك الوطنية ستظهر فى المناسبات وخارج المناسبات. * وسيتم عمل متحفا لنوتك الموسيقية وعودك الذى يحمل اسمك وأورجك الذى كان لك دور فى تطويره مع اليابانيين وربما يسرع أحد النحاتين لنجد فى صدر متحفك تمثالا لك وأنت تحتضن عودك وسيظل المصريين يرددون: يا حلوة يا بلدنا يا نيل سلسبيل فى حبك إنتى رفعنا رأسنا لفوق لو الزمن ليل ما يرهبنا ليل شوقنا فى عروقنا تصحى شمس الشروق للحلوة قلب كبير يضم الولاد وزاد وزواد وضل وسبيل الموت و الاستشهاد عشانها بلاد وكلنا عشاق ترابها النبيل.