ما أزال أشاهد أفلام الأوسكار، التى فازت والتى رشحت، و كان آخرهما «فيكى كريستينا برشلونة» للمخرج وودى آلان و«رقص الفالس مع بشير» الإسرائيلى الذى كان مرشحا لأفضل فيلم أجنبى. الأفلام متنوعة وتحتاج إلى مشاهدة متأنية مستمتعة قبل أن يهل الصيف بأفلامه التجارية وحرارته التى تتناقض مع السينما الجادة.هذه العلاقة، بين درجة الحرارة والتذوق الفنى، شغلتنى كثيرا. هل يقترن البرد الشديد بالفنون التجريدية التى تعتمد على الحركة القليلة والكلام القليل ومخاطبة العقل، فى حين تقترن الحرارة الشديدة بالفنون الحسية العاطفية التى تعتمد على كثرة الحركة والكلام ومخاطبة الغرائز؟! فى فيلمه البديع «فيكى كريستينا برشلونة» يتحفنا المؤلف والمخرج وودى آلان بمناقشة من هذا النوع لا تتعلق بالبرد والحر، ولكن بالفرق بين أوروبا التى تمثلها أسبانيا وبين أمريكا التى تمثلها نيويورك. لا إسبانيا حارة جدا ولا نيويورك باردة جدا ولذلك لا تصلح معهما المقارنة السابقة، ولكن الفكرة لا تزال قائمة: هل الجغرافيا تؤثر على الفن؟ الجغرافيا تؤثر على كل شىء، ولكن من الشيق جدا أن تستكشف الكيفية التى تم بها ذلك...وكتاب «عبقرية المكان» للعالم الراحل جمال حمدان يعتمد على هذه النظرية. هذه الأيام نتحدث كثيرا عن صدام الحضارات، وحوار الثقافات، ومعرفة الآخر... والسينما وسيلة أساسية فى هذا الحوار وكذلك الجغرافيا، قارن مثلا بين أفلام الكاوبوى التى ظهرت فى الغرب الأمريكى بصحرائه الحارة ومراعيه الشاسعة، وبين أفلام المخرج السويدى انجمار بيرجمان التى تصور الحياة فى بلد اسكندنافى بارد ومظلم معظم العام، وسوف تتبين أن الاثنين ينتميان لنوعين مختلفين من الفن والثقافة. المخرج وودى آلان يضع فتاتين أمريكيتين جميلتين، ريبيكا هال وسكارليت جوهانسون، فى برشلونة حيث تلتقيان بزوجين فنانين، خافيير بارديم وبينلوبى كروز، ليستكشف بعض المقارنات بين الأوروبى الإسبانى و الأمريكى النيويوركى.. اللقاء بين هؤلاء يثرى حياتهم جميعا وكذلك اللقاء بين الأنواع المختلفة للفن والثقافات... رغما عن أنف الجغرافيا.