كلنا نحمل أهدافا وكلنا نحلم أن نحققها، وتتفاوت تلك الأحلام من فرد لآخر. الجميل ، أن لى صديقا اعتز به كثيرا لا يمتلك حلما فرديا ذاتيا لنفسه إنما يمتلك فى داخله حلم أمة وهدفا ساميا لها إذا كانت أمته لا تزال أمة واحدة ولا تزال تحلم نفس حلمه، حلم صديقى وهدفه هو ( أن يحرر القدس ) ، حلم صعب ، بعيد المنال ، قد تقرأ السطر الأخير مرة أخرى ، تتأكد أنه لا يزال هناك شاب عربى يحلم ذاك الحلم . أنا أعرف ذات الشاب واعتز به ويشاطره نفس الحلم آلاف بل والله ملايين ولكنهم جميعا ضعاف الحيلة لا يستطيعون إليه سبيلا. فكرت ما هى المشكلة وماذا ينقصنا ولماذا ضاعت القدس أصلا ، ولماذا لم اذهب إلى زيارة المسجد الأقصى كجدة أمى التى قدست إليه وأصبحت حاجة ومقدسة فى نفس ذات الوقت. الحقيقة أننى وجدت أن رغم أن الحلم سامى وجميل إلا أن العرب الذين يحيون حاليا فيما يسمى مجازا بالوطن العربى ينقصهم الكثير لأجل الوصول لحلم ذلك الصديق وكل من يشاركه حلمه . وحتى أبعد عن أهواء المشاعر وأنزه النفس من الاندفاع المجنون نحو سطور غير موضوعية وغير بناءة، فإن السطور القادمة تحمل رؤية شخصية فيما أراه نواقص كبرى تلازم العرب فكرا وعملا منذ بدأ التكالب الصهيونى على أرض فلسطين العزيزة . 1- يمتلك العرب قدرة خرافية على هدم كل عمل جماعى ، ويمتلكون قدرا اكبر على عدم الاتفاق إلا فيما ندر، فكلما استدعى الأمر موقف عربى موحد ، تتشتت الجهود العربية وراء تيارات متعددة ، وشهدت حرب لبنان الأخيرة ومن بعدها حرب غزة اكبر مثالين أن العرب يتفقون على ألا يتفقوا، فهم حتى يفقدون القدرة على الاجتماع فى وقت تراق فيه دماء عربية . فتعقد 3 قمم عربية فى ثلاث عواصم عربية ، وتجد من يشجب ومن يساند ومن يصمت صمتا مهينا. 2- يفتقد العرب القدرة على رؤية المستقبل ، ويفقدون القليل المتاح بغية أكثر غير متاح ، فقرار التقسيم الشهير فى عام 1947 كان مجحفا ولكنه كان يؤسس دولة فلسطين بقرار أممى ، واعلم أننى اكتب بعد ما يقرب الستين عاما وان الظروف كلها تغيرت ولكن ألم تضع فلسطين كلها بعد ذلك، ألم يكن من الممكن إقامة دولة فلسطينية حينها على أن تسعى نفس الدولة لتحرير باقى أرضها المغتصبة ..مجرد رأي. مثال آخر، ألا نطالب اليوم وبعد 30 عاما ويزيد بنصف ما كان يمكن للرئيس السادات أن يجلبه للعرب، ألم يكن هناك مفاوضات للحكم الذاتى، وحقق الفلسطينيون نفس ما كان السادات ليجلبه لهم ولكن بعد 15 عاما، وهاهو الوضع الآن حيص بيص . 3- يفتقد العرب القدرة على الترويج لقضيتهم، ففى الوقت الذى يبتز اليهود الألمان والعالم بأرقام غير مؤكدة عن محرقة ضمت إلى جنبهم غجرا وأجناسا أخرى، فإن العرب يفشلون دائما فى لفت نظر العالم لقضيتهم الكبرى، وفى الوقت الذى سيطر فيه خصمهم على إعلام العالم تقريبا ويتحكمون فيما يصل إلى شعوبه من أخبار عبر محطات إخبارية بل وعبر الدراما التلفزيونية اليومية التى يظهر فيها العربى قاتلا شريرا واليهودى مسكينا وأميرا ، فإن العرب نجحوا وباقتدار فى ملأ فراغ المواطن العربى بما يقرب عشرين قناة ترفيهية غنائية مبتذلة، وفشلوا بجدارة فى توجيه أى رسالة للغرب. وأتحسر حين أرى الأرمن ، أصحاب الدولة الصغيرة وهم يجوبون بلاد الأرض من شرقها لغربها مروجين لمذابح حدثت منذ تسعين عاما فيستصدرون اعترافا بها من البرلمان الفرنسى تارة ويحاولون فى الكونجرس الأمريكى تارة أخرى. يعجبنى كذلك شعب التبت التى تستبد بهم الصين ويكفى إيصالهم لرسالتهم عبر العالم وإن كان العالم يحب أن يسمع ما يدنس ثوب الصين. 4- يفشل العرب فى ربط مصالحهم بمصالح الغرب تماما، وهو فشل لا يضاهيه أى فشل، فبينما يمثل النفط العربى مصدرا استراتيجيا للعديد من الدول الأوربية وسابقا الولاياتالمتحدة ويتكالب علينا مئات شركات النفط الأجنبية لاستغلال نفطنا، فإننا وعلى مدار ستنين عاما لم نتمكن من استغلاله إلا مرة واحدة ، وليس النفط وحده بل إننا فشلنا فى استخدام أى ميزة نسبية تظهر لنا لمصلحتنا. فلا الموقع الجغرافى ولا النفط ولا آلاف العرب بالخارج نفعوا حلم صديقى بقيد أنملة. 5- لا أعرف لماذا لا يتم استخدام ملايين العرب بالخارج لتشكيل لوبى عربى سواء فى الولاياتالمتحدة أو فى دول أوربا، ورغم أن عدد العرب فى الولاياتالمتحدة يفوق عدد اليهود إلا أن اليهود متغلغلين فى المجتمع الأمريكى بشكل كبير ويضغطون على الإدارة الأمريكية من أصغر سيناتور إلى الرئيس ذاته، وستخدمون فى ذلك كل الوسائل المتاحة. بينما يقف العرب متفرجين ممثلين لرقم سهل فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، لأنهم غير متحدين وبالتالى غير منظمين وبالتالى وهو الأخطر لا يسمعهم ولا يهتم بهم أحد. 6- يقال إن الإنسان سمى إنسانا لأنه ينسى، ولكن لا أعرف هل هناك صلة بين العرب والنسيان، فلحسرة الزمان أن العرب أقدر الأمم على نسيان تاريخهم وبالأخص الانتهاكات التى حدثت بحقهم ، فلا أحد يتذكر أن أطفالا ونساء ذبحوا فى دير ياسين ولا أحد فى باله أطفال قانا 1996 ومروحين 2006 وقانا مجددا 2006 . كلها أرقام فى مشاهد صعبة تنقل عبر التلفاز فتقشعر لها أبدان العربى ، وما يلبث أن ينساها جميعا بمرور الوقت، بينما الأرمن لا ينسون مذابحهم وصديقا روانديا من التوتسى يذكرنى بأن هذا العام يمر خمسة عشر عاما على مذبحة بحق أهله و آخر عربى يذكرنى بذكرى حفل للمثيرة هيفاء وهبي. اعتز بعروبتى ولا أتحامل عليها، ولكننى أرى أننا ينقصنا الكثير وربما بأكثر مما لم يضمه ما كتبت فسابعا وثامنا وتاسعا ربما يكتبها غيرى. لا أحبط من يحلم ولكننا نحتاج أولا لتطهير الذات من نواقص تبدو لى مستعصية ومتعمقة فى نفس العرب . نحتاج لإعادة توحيد الصف ولبناء الذات والقوة من جديد حتى نكون أمة يعتد بها، نحتاج لوضع خطة قومية للنهوض بكل بلد عربى، وليعلم أهل الخليج أن نفطهم فى نضوب وأن أمواله ستجف يوما، حينها ستتحول بنايات الخليج الفارهة لفنارات لسفن تشترى اللؤلؤ من جديد، فالثروة ليست ثروة حسابات البنوك إنما ثروة إنجازات الأمم. نحتاج وبشدة لاستغلال أموالنا فيما ينفعنا حق النفع، ولما لا نوجه خطابا للغرب عبر محطات إخبارية بلغاتهم المختلفة ... فكرة قديمة ولكنها غير مربحة بالمرة!!! واستشهد برائعة نجيب محفوظ المثيرة للجدل " أولاد حارتنا " ..إلا أن آفة حارتنا هى النسيان.