ها أنا أقف على مقربة من النيل.. أقف بجوار شاطئ ذكرياتى أدفن آلامى بين أحضانك أيها الوطن وأطيل النظر إلى المدى البعيد.. وأرى الأمواج وهى تتلاطم كدقات قلبى التى لم تعد تعرف للسعادة مكانا... أنتظر لحظة اللقاء بك ومعانقتك لألثمك بقبلات كعاشقة مراهقة أكل قلبها الشوق ودغدغ مشاعرها الحنين فأنت لها مصدر الهواء ومنبع الحياة.. جلست على قارعة الطرقات أعزف على أوتار أحزانى أجمل ذكرياتى معك.. رجوتك مراراً أن لا تجعلنى أبتعد عنك وأن تضمنى إليك.. فلحظاتى معك حين أكون بين أحضانك هى أحلى اللحظات... رجوتك أن ترحمنى من المجهول وأن تجنبنى الحرمان وأن ترحمنى من قول الآه.. ماذا حل بك أيها الوطن الغالى.. لماذا تنزف جراحك وتبكى كلماتك وتتراقص حروفك على أغصان الألم؟؟ لماذا تتبعثر دماؤك هنا وهناك.. لماذا بات أولادك مجرد ذكرى على ورقٍ بالٍ عتيق؟؟ لماذا اصفرت ألوانك وماتت ثمارك وجفت ورودك وباتت أيامك سنيناً عجاف؟؟ .. أمجادك وتاريخك منذ الأزل.. وعراقتك تعيش بوجدان كل عربى ولم تزل.. وعبير أنفاسك يتغزل به كل سائح وكل زائر وكل عاشق.. فلماذا باتت دموعك تتساقط وصروحك تتهاوى.. لماذا حرمتنى من لذة اللقاء.. لم يدر بخلدى يوماً أن أبتعد عنك لساعات فكيف لأيام تطويها الشهور.. وكيف لقلبٍ بات مسجى بالعراء.. وكيف لنبضٍ دقاته من الاستجداء.. وجسدٍ طاهرٍ نقى يتمنى أن يغسل همومه على ضفافك بكل عزٍ وكبرياء.. هلا رددت لى أمنى واستقرارى.. وصورتك التى أعشقها بكل تفاصيلها وتعيش بوجدانى.. أبجديات اسمك يتغنى بها الشعراء ولياليك المضيئة أحلام لكل العشاق.. وبابك مفتوح لكل الغرباء وكرمك للضيوف بات مضرب الأمثال وشموخك لا يعرف إلا دروب البذل والعطاء.. فلمَ غابت عنك كل هذه الأشياء وانطفأ لهيب النور المتأجج كوهج السماء لينبت مكانه الخوف واليأس والحزن من كل ما أفسده من حقدوا ونافقوا وباعوك بأبخس الأثمان.. أنت الوحيد القادر على لئم الجراح وإعادة النور وإكمال المسيرة وكسر حواجز الخوف والتحليق بالفضاء وتحريرنا من كل تلك القيود.. وإعادة البسمة للشفاه.. فأنت طوق النجاة لكل مخلص متمسك بأرضك متشبث بترابك... غيابى عنك شل نبضى وأبكى قلمى وأدمى فؤادى فتبعثرت حروفى هنا وهناك وحزنت كلماتى وتصادمت مع عباراتى ولم تعد تعرف كيف تكتب وتعبر عن مشاعر الحب ولهفة اللقاء.. أرواحنا فداؤك أيها الوطن وأقلامنا على مائدة الفكر تتسارع لتسطر كل النبضات.. وشريانى يضخ مداداً لكل الكلمات لتكون عنواناً أقرأه فى عيون كل البشر.. لأن اسمك نبض يتحرك فوق كل سطر وفى أعماق كل حرف... ولأنك بحق سيد كل الأوطان..