ينتظر المجتمع الدولى حاليا، وعلى رأسه السودان، قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية, ومن الأرجح أن يتم إدانة الرئيس السودانى عمر البشير، ويدعم إصدار مذكرة اعتقال بحقه بتهمه ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية فى إقليم دارفور غرب السودان. وفى هذه الحالة لا مفر للسودان سوى التعامل مع قرار المحكمة بعقلانية شديدة بعيدة عن تصريحات المسئولين السودانيين والتى تسفه وتقلل من قرار المحكمة. وإذا كانت الحكومة السودانية بالفعل راغبة فى تجنب قرار المحكمة بأمر الاعتقال، فيتوجب عليها ليس فقط أن تتحاور مع الحركات المسلحة فى دارفور لإبرام اتفاقيات شاملة للسلام ووقف العنف واقتسام السلطة فحسب، لأن هذا من شأنه أن يحل القضية سياسيا، لكن لا يستطيع هذا العامل وحده أن يمثل حلاً نهائياً وشاملاً للأزمة. فلابد من توافر الأسانيد القانونية التى من شأنها أن تنهى المواجهة مع المحكمة الجنائية الدولية. أولاً على السودان أن تثبت أن لديها رغبة قوية فى محاكمة كل من ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية فى إقليم دارفور فى محاكم وطنية تتسم بالاستقلال والنزاهة وفقا لأصول المحاكمات المعترف بها بموجب القانون الدولى، ويكون القضاة مستقلين فى أدائهم لوظائفهم ويتحلون بالحياد والنزاهة والأخلاق الرفيعة، مما يضمن عدم محاكمة مجرمى الحرب مرتين لنفس الجرائم، فإذا حوكم بموجب القانون الوطنى ليس عليه أن يحاكم أمام محكمة دولية، حيث إن الفقرة الثالثة من المادة 20 تنص على عدم جواز المحاكمة عن الجريمة ذاتها مرتين. وفى حالة رفض الحكومة السودانية التعامل مع المحكمة وفقا لنظامها الأساسى، فعلينا جميعا أن نتخيل أى رئيس دولة يمكن أن يقبع طيلة فترة رئاسته فى وطنه لأنه مطارد دائما. وحتى يأمن من تقديمه إلى المحكمة عليه أن يمتنع عن زيارة 108 دولة، وهى الدول المصدقة على النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية. فهل يمكن الاعتراف بعد ذلك بشرعية الرئيس السودانى. أما فيما يخص الجانب السياسى يجب على السودان أن تتبنى سياسات تجمع ولا تفرق سياسات تشمل جميع الحركات المسلحة فى دارفور وليس اختزالها فى حركة بعينها بزعم أنها من أقوى الحركات على الساحة القتالية والعسكرية، فهناك الكثير من الحركات المسلحة وإغفالها يضعف من قيمة أى اتفاق يقر من جانب الحكومة وأى من الحركات المسلحة فى دارفور. فإحلال السلام فى دارفور وفى جميع المناطق المهمشة والمضربة أمنيا من شأنه ليس فقط أن يأمن ويحظ سودان أمن ومستقر بل من شأنه أن يساهم بشكل كبير فى تدعيم مسار التوافق، والتصالح، والسلام فى كل دول القرن الأفريقى بدءاً من إريتريا وإثيوبيا ومروراً بالصومال.