لا يدرك الكثيرون أن هناك خطة محكمة ومتقنة تحاك الآن فى الخفاء سواء فى إسرائيل أو فى عواصم أوروبية أخرى لوضع حل نهائى لأزمة غزة، وكذلك حل آخر لمشكلة متقدمة وهى مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. الخطة مفادها أن إسرائيل تعمل على نقل مشاكل غزة وشعبها إلى مصر عبر إعادة توطينهم فى سيناء وتدرك تل أبيب أن فتح الموضوع مع السلطات المصرية مباشرة لن يجدى نفعا لذلك، فإن إسرائيل تنتهج عدة طرق لتنفيذ مخططها. أولى تلك المخططات كان فرض حصار جائر وشديد على القطاع من البر والبحر ومنع دخول المساعدات وأساسيات الحياة اليومية لتحريك شعب غزة جهة الغرب أى ناحية الحدود مع مصر ومن ثم توجيه أنظار العالم إلى ملف المعابر وإظهار مصر على أنها شريك أساسى فى الحصار، وبالتالى نقل جزء من المشكلة كذلك الغضب الشعبى تجاه مصر، ومع استمرار الحصار وتزايد وطأته اقتحم الفلسطينيون معبر رفح ظهر الخامس والعشرين من يناير 2008 ووصلوا حتى العريش لشراء احتياجاتهم، ولم تنجح الجهود المصرية لإعادتهم إلا بعد حوالى أسبوع. السلطات المصرية عملت على ضبط النفس وعدم الاشتباك مع الفلسطينيين تعاطفا مع شعب يقاسى مأساة إنسانية، وخاصة أن الكثير منهم رفض العودة مجددا إلى غزة. إلا أن ما حدث لا يمكن تفسيره إلا فى خانة الاعتداء على أرض بلد ذات سيادة. ثانى المخططات ، كان إصرار إسرائيل قبل وخلال الحرب الأخيرة على إظهار مصر فى موقف المتعاون معها فى جريمتها الإنسانية – و هو ما أكده عن طريق الخطأ رد الفعل المصرى فى بداية الأزمة بكل أسف – فمن زيارة ليفنى المشبوهة إلى القاهرة قبل الحرب بيومين إلى تصريحات المسئولين الإسرائيليين خلال الأزمة عن مصر – منها أن إسرائيلى لا تمانع فى إعادة إدارة القطاع لمصر مجددا - مرورا بالعلاقات المتوترة مع حركة حماس، بدا وكأن صورة مصر تتهاوى وأن البساط ينسحب من تحت أرجلها فى أحد أكثر الملفات التى لعبت فيها دورا تاريخيا عبر تاريخها المعاصر. وتم زيادة اللعب على وتر العلاقات المصرية الفلسطينية مع اشتداد الهجمة الإسرائيلية البربرية وامتناع مصر عن فتح المعبر. وهنا لى وقفة مهمة ، فكلمة فتح المعبر قد راجت كثيرا فى الفترة الأخيرة، ودون التطرق إلى نقطة أن المعبر تحكمه اتفاقية دولية أصبحت لاغية الآن بابتعاد حركة فتح عن السيطرة على غزة ، فإن معبر رفح أصلا هو معبر أفراد صغير لا يماثل معبر فلاديلفيا الأكبر. المهم ، فإن جملة فتح المعبر تعنى على الجانب الفلسطينى فتح المعبر على مصراعيه لعبور فلسطينى مماثل لما حدث فى يناير 2008 وفى مخيلتى أن حينها لم يكن ليعودوا. وعلى الجانب المصرى فإنها تعنى السماح للمصابين والجرحى دون غيرهم بالعبور وهو ما حدث فاستقبلت مصر 1003 جريح. ما تهدف إليه إسرائيل هو إخراج ذلك الصداع المزمن المتمثل فى غزة من رأسها تماما وتحويله للمصريين وأرضهم (سيناء) التى يروجون أنها أرضا بلا شعب لشعب بلا أرض، والحقيقة أنها أرض نساها شعبها لشعب يحاولون أن ينسوه أرضه. وأؤكد أننا لن ننسى سيناء ولو كنا نختزلها فى شرم ودهب ورأس شيطان فهى أرض مصرية أبد التاريخ ورغم تعاطفنا مع أهلنا فى فلسطين فإن مجرد التفكير فى تنازلنا عنها لأى طرف وبعيدا عن استحالة تطبيق ذلك، يعنى إغلاق الصراع العربى الإسرائيلى الأصلى وترك أرض فلسطين فى أيدى غرباء عنها . وجاءت مناقشة وضع سيناء فى مجموعة الأزمات الدولية لتدق ناقوس خطر، فهى نفس المجموعة الدولية ذائعة الصيت التى ناقشت ملفات مثل تيمور الشرقية وكوسوفا وفى كليهما كانت النتائج النهائية مدمرة . والآن فإن على الحكومة المصرية سرعة مناقشة الترتيبات الأمنية فى سيناء وفقا لمعاهدة السلام مع إسرائيل فلا يعقل أن تعادل القوات المصرية فى سيناء حجم القوات المكلفة بحماية مباريات القمة بين الأهلى والزمالك، كذلك العمل على تعمير سيناء والاستثمار الجاد بها عبر مشروعات حقيقية للتعمير وإسكان ملايين المصريين "المزنوقين" فى الوادى بها. وهو ما يجعلهم واقيا بشريا من أى تلميحات غربية أو تهديدات إسرائيلية. لا أعلم لماذا تذكرت محمد هنيدى فى فيلمه الجميل والهادف همام فى أمستردام "دة ناقص يقولى شبرا بتاعتهم"، ولأن شبرا مش بتاعتهم ولأنهم لم يبنوا الهرم فأنا أطالبهم بأن يتركوا الحديث عن سيناء وأهلها.