ينفرد التاريخ العربى على مر العصور بفنون متنوعة من نفاق الحكام، ويذكر التاريخ على رأس قائمة المدَّاحين "أبو نواس" و"جرير" مرورًا ب "أحمد شوقى" و"نزار قبانى" الذى وصف عبد الناصر ب "آخر الأنبياء"!!! وانفرد بأنواع مختلفة من المحدثين الكثيرين الذين نافقوا "صدام" و"القذافى" و"مبارك" وجعلوهم أنصاف آلهة حتى وصلوا إلى ما آلوا إليه جميعًا، فلم يكن أحدهم يستمع إلا إلى المنافقين والمداحين، فضاعوا وضيعوا شعوبهم.. لذلك، ونحن على أبواب الجمهورية الثانية، وبعد ثورة عظيمة راح فى سبيلها الدم النبيل لشهداء مصر، وبعد تجارب التاريخ الذى تعلمناه، والذى عشناه، لم تنهض أمة من براثن الجهل والفقر بمدح الرئيس أو القائد والملهم، كل هذه الأمور لم تنهض بشعب ولم ترتقِ بدولة من صفوف الدول الفقيرة والمتخلفة إلى صفوف الأمم المتقدمة والرائدة، ولم تقدم للبشرية أمة متحضرة يسودها العدل والحرية والمساواة، بل على العكس قدمت نماذج سيئة ينفر منها التاريخ، وأذلت شعوبها بطغيان الحكام وتسلطهم وإحساسهم الزائف بأنهم فقط هم الملهمون والقادرون دون غيرهم على أن يقودوا شعوبهم وأن يحققوا لها العزة والكرامة اللتين لم نرهما أبدًا، بل كانت عزتهم وكرامتهم فقط على حساب عزة الشعب وكرامته.. إن من يحب مصر ويحب الخير للمصريين - حاكمًا كان أو محكومًا - عليه أن يستنهض إرادة الأمة ليشعر كل فرد من أبناء مصر بأنه صاحب هذه الأرض، وأنه شريك حقيقى فى صناعة نهضتها ومستقبلها، ولو تذكرنا اللحظات المضيئة فى تاريخنا الحديث لوجدنا أن السبب الرئيسى لهذه النجاحات كان استنهاض المصريين.. فالسد العالى الذى بناه المصريون بسواعدهم، والتحول الاجتماعى الذى حدث فى عهد عبد الناصر كان الشعب فيهما هو الفاعل الرئيسى، حتى حولنا عبد الناصر إلى القائد الملهم والزعيم، فتوالت الكوارث وانتهت بالنكسة.. فلما جاء السادات - الذى قال فى تواضع يُحسد عليه إنه جاء على خطى عبد الناصر!!! - واستنفر إرادة الأمة لتحرير الأرض فكان له ولمصر ما أرادا وانتصرنا واستعدنا كرامتنا، ولما حوله المداحون والمنافقون إلى فرعون جديد تاهت الأمة وضاع الحلم.. وجاء بعده مبارك الذى لم يكن له زعامة أو كرامة، وتبارى المنافقون - كلٌّ بطريقته - فى تقديم كل صور النفاق له ولأسرته بالكامل، فحولوه إلى حاكم مستبد لا يسمع، وإذا سمع لا يستجيب، حتى وصل بنا الحال إلى الأنانية المفرطة وتحولت مؤسسات الدولة إلى مؤسسات للأبناء والأصدقاء، وتقهقرت مصر الدولة الواعدة، وتحولت إلى دولة مفككة يتنافس فيها الأفراد والمسئولون للحصول على الغنائم!!! وسيطرت الأنانية وعدم احترام الآخر على تصرفات الناس، الكل يريد أن يستقطع لنفسه جزءًا من هذا الوطن.. الكل يدرك ما وصلنا إليه الآن، ويدرك خطورته، ومن هنا يجب أن تكون البداية.. نريد أن نكون أمة واحدة تعيش فى وطن للجميع، نريد أن نستنهض إرادة المصريين ونلتف حول هدف واضح، نريد أن يكون تحقيق العدل والحرية والمساواة هى مشروعنا القومى، نريد أن يكون التعليم المتميز هو سلاحنا، نريد أن تكون صحة المصريين وحقهم فى حياة كريمة وفى مجتمع نظيف هما شاغلنا، نريد أن تكون حرية الآخرين واحترامهم هما حريتنا التى ننتهى عندها، نريد أن نبنى لأبنائنا دولة يحبونها وينتمون لها ويفخرون بها، كل ذلك وأكثر نستطيع نحن – المصريين - أن نقدمه ليس فقط لشعبنا، بل لكل الشعوب التى تتطلع لمصر الرائدة، إذا توحدنا وحددنا الهدف وابتعدنا عن النفاق وتأليه الحكام.