نوقن أن التوافق في مضمونه يشير إلى ماهية التكامل، المنحسرة فلسفته في تعزيز الرؤى المستقبلية، كأمل منعقد في نفوس البشر قاطبة؛ ومن ثم يصعب أن نصل إلى مراحل الانسجام الفكري، والمادي، بعيدًا عن بناء علاقات، تقوم على فكرة التشارك، والتعاون، والتقاسم؛ من أجل أن ندير المنظومة الأسرية بحرفية، عبر قلوب متآلفة، وعقول واعية، تدرك مسؤولياتها، وتعمل في مناخ آمن، يؤدي حتمًا إلى واحة من المودة، ويفعل طاقات يمكن استثمارها في مواجهة التحديات، والصعوبات المتمخضة عن إفرازات الحياة اليومية الهادرة؛ ومن ثم نصل إلى مكانة، ننشدها جميعًا؛ حيث الرغبة في السكينة. تآلف القلوب المؤدية إلى صلابة القدرة، والعزيمة البانية لسياج نفسي صحي، يقوم في الأصل على فلسفة القيم النبيلة، والخلق الفضيل، ولا ينفك عن مغزى التوافق داخل الإطار الأسري؛ لذا فإننا ندرك أهميته، كونه يعد عماد بقاء الكيان، بل، خط دفاع منيع ضد تموجات التوترات، والضغوطات، الناجمة عن أحداث متلاحقة، قد يكون منها نوازل، أو إخفاقات، أو تقصير، أو قصور في الأداء، والممارسة المادية منها، والمعنوية، وهذا يجعلنا نجدد العهد، والوعد؛ من أجل أن نستأنف صراع الحياة بمزيد من القوة المستلهمة من هذا الوفاق الأسري في أبعاده المختلفة. الصحة النفسية لجموع الأسرة، مرهونة ببيئة خصبة، تعزز ماهية الوئام بين مكونها؛ إذ يستحيل أن نرى توازنًا على المستويين: الداخلي، والخارجي في العلاقات الإنسانية، بعيدًا عن هذا الشرط الأصيل في بقاء، واستقرار، ونمو، وتقدم مسيرة العائلة الواحدة؛ ومن ثم ينتج عن غياب التوافق الأسري العديد من المخاطر، التي نحصد مرارتها في صور، لا حصر لها؛ حيث الصراع الذي لا ينتهي، جراء مداد، وتراكم للمشكلات، والقضايا العالقة في الوجدان، والكامنة في الذاكرة، ناهيك عن هشاشة في الروابط الأسرية، وصعوبة في إحداث تنشئة تقوم على نبل القيم وإيجابية السلوك، وهنا نبحث عن السكينة في القلوب، والمسكن فلا نجدها، بل، نحاول إيجاد مأوى، نطمئن، ونركن إليه، فلا نعثر عليه. غياب التوافق الأسري يعد كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ إذ نرصد حالة من الاضطراب متعددة المراحل؛ فحينما نريد نغمة الهدوء، نجدها في صورة عاصفة، تؤدي بالشعور العميق إلى العزلة، والاغتراب، والحسرة، والندامة، وبالطبع لا نتوقع أن نشاهد مائدة، تجمع الكيان، وتستهدف التضافر، من أجل بلوغ غايته؛ لكن هناك شحنات سلبية تشير إلى كمون ماهية العداء المتبادل، وللأسف يؤدي ذلك مجتمعًا إلى التفكك بأنماطه المختلفة؛ ومن ثم قد يحدث الانهيار في أي وقت، ولأي سبب، وتحت أي ظروف. أرى أن تعزيز التوافق الأسري، يقوم على فقه العلاقة في إطارها الصحيح؛ حيث الإيمان العميق، والخالص بأن التباين فيما بيننا قد أوجده الله – تعالى – وأنه سنة حميدة، نحصد منها، ثمارًا يانعة إذا ما وظفناها بشكل سليم، وأن لغة الحوار البناء، والنقاش القائم على نقاط تلاقٍ، وبيئة آمنة، لا خوف فيها، ولا ريبة من وقوع عقاب، قد لا يرد على الأذهان، ولا يتقبله الوجدان، وأن تآلف القلوب على إيجابيات، لا تجعلنا نختلف على الوسيلة، أو الطريقة، أو المنهجية التي نصل من خلالها إلى غايات مشروعة في كليتها. أعتقد أن فقه فلسفة الوفاق الأسري، يجعلنا لا نحرص مطلقًا على أن نمارس دور الوصاية بصورة مستدامة؛ فهناك نصح، وإرشاد، لا غنى عنه، وفي المقابل يتأتى دور تحمل المسؤولية، التي تجعل الإنسان ينتقي أقواله، ويراقب أفعاله، ويبحر في سجايا وجدانه؛ ليستكشف بمطلق حريته، أو الإخفاق، أو القصور، ويعمل على معالجتها؛ سواء من تلقاء ذاته، أم بالاستعانة بخبرة من يمتلكها دون قيد، أو شرط، وهنا نصل إلى ضالتنا؛ حيث الشعور بالقوة، والعزة، والمعزة، والمحبة، استنادًا إلى احترام تآلف، وانسجام للفرد مع الآخرين. الأمل معقود على مسلمة كبرى، تتمثل في أن يصبح الكيان الأسري مثل البنيان المرصوص، يعمل مجتمعنا على خفض التوترات، وتعزيز ماهية الاستقرار، وتوطين فحوى التراحم، وإشاعة الحب المعين على الخروج من زخم حياة ضاغطة بمتغيراتها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر