المتمعن في الطبيعة الإنسانية، يجد أن التباين سمة راقية، يتمخض عنها أزهار متنوعة؛ ومن ثم يعد تقبل الآخر في خضم سياج القول، والممارسة، وما يكنّه الوجدان متطلب للتعايش السلمي، الناتج عن توافق، وتكامل في مسيرة العطاء؛ لذا فإن ما ننادي به في هذا السياق المتواضع أن نكتسب خبرة مربية، حول فن ضبط الاختلاف، دون أن يُصاب الآخر بالإحباط، أو التكدير، أو السلبية، أو القهر، أو الخوف، أو الوجل؛ لأن حرية التعبير تؤكد على ماهية عتيدة، تتمثل في كرامة الإنسان، رغم احتمالية شدة الخلاف فيما بيننا. مطلق العدالة يعكس قوة المنطق، وسعة الصدور، والرغبة في الاحتواء وفق موازين، أو معايير، لا تتحكم فيها نوازع إنسان ضد آخر، ولا تتبدل باختلاف المواقف، أو الأشخاص، ولا تتغير وفق متغيرات الضغوط، والتوترات؛ ومن ثم نشير إلى قسط الحوار، ونزاهة أطر التواصل، داخل حيز الأسرة؛ من أجل أن نحافظ على أهمية الصوت، ونتجنب مسببات الانكسار، التي يعاني منها الفرد طوال حياته؛ إذ يستشعر بالمهانة، وقلة الحلية، والاستسلام الذي يؤدي إلى الاستباحة في صورتها الفجّة. أرى أن تأصيل ماهية الحوار الأسري، يعزز دون مواربة الاتصاف القيمي لدى الجميع دون استثناء؛ فلا يُعقل أن نتسمع إلى كلام يوازي ماء الذهب، وأفعال من شأنها أن تضير بالكرامة الإنسانية في أبسط معانيها؛ حيث إن الفارق يشكل فجوات، تزداد هوتها في خضم تعاملات، لا مناص عنها داخل البيت، الذي يعد سكينة للجميع، وهنا نؤكد على قانون تكافؤ الفرص في أحقية التعبير عن الرأي، وفلسفة الرفض، والقبول المبنية على حجج، وأسباب جلية؛ كي لا نغلق بوابة التفاهم، ونضير بمغزى السلطة من أي طرف يمسك بزمامها؛ ومن ثم نود أن يكون خلافنا في سياج المحبة، والتراحم، والاحتواء، لا في بوتقة الصراع، والنزاع المضير قطعًا بوجدانيات راقية في مجملها. دعونا نؤسس لقانون الاحترام الأسري في ظل تباين للرأي، واختلاف في آليات التفكير، والتناول، والأطروحات بمختلف غاياتها، وتعالوا بنا نؤكد على أن نضع القواعد، التي بها نحافظ على ماهية الإنسانية؛ فمن حق الفرد أن يُخرج ما لديه من كلمات، تقبع في صدره؛ كي لا يصبح الصمت وسيلة للهروب، وإضعافًا للرؤى، بل، يؤدي في كثير من الأوقات إلى زيادة القلق، والتوتر؛ ومن ثم نتوقع أن يغيب الأمان النفسي لدى إنسان، يبحث عن حقوقه، ويريد أن يعزّز حيز كرامته، وبناءً عليه يكتسب ثقته بنفسه، وبالآخرين؛ فما نخشاه على جموع الأسرة أن تُصاب العلاقات البينية بالتآكل، مع زيادة وتيرة السلطوية الناتجة عن كبت، وقهر لصوت يحمل رأيًا، قد يكون قويمًا، أو يشوبه نمط خطأ يحتاج إلى تعديل، أو تصويب. أعتقد أن العمل على تعزيز ثقافة التواصل، من خلال حوار عادل، يساعد في إزالة الخلافات، حول ما نتناوله من قضايا، تخص تحديدًا الشأن الأسري، وهذا لن يكون؛ إلا بمقومات تساعد على إقامة مناخ داعم لعرض الرأي، والرأي الآخر؛ ومن ثم ينبغي أن ننتبه للغة الحديث، المفضلة، بأن تبقى في واحة من الهدوء، في ضوء ألفاظ، تحمل في معانيها الرقى، والتقدير، والاحترام، ودلالة المحبة، ناهيك عن فلسفة النقاش البناءة، والمتوقفة على تبادل سجايا الحديث بصورة منظمة، تقوم على الاستماع؛ بغية التمعن، والكلام الواضح المغزى، الهادف لإيصال الفكرة، التي تحملها الأذهان، وهنا نود أن نحرص على تحويل الخلاف في الرأي إلى نقاط من التفاهم؛ ليتحقق الرضا، وتسود لغة الود، والوداد بين الجميع. استهدف دون مواربة أن نتخلص من ممارسات أثناء الحوار الأسري، قد تحمل السخرية، أو الاستعلاء، أو التجني، أو حب الذات، أو ضعف الرضا، أو المصادرة على الآخرين، إلى غير ذلك من سلبيات، يصعب حصرها، وأرغب في أن نتضافر من أجل أن نعزّز فنون التعبير، ونتقبل ثقافة الاعتراض، والرأي الآخر، ونحاول أن نضيف إلى الحوار نعومة ومرونة، تقوم على الانضباط، لا العنف؛ ومن ثم نصل إلى الغاية الكبرى بشأن العلاقة الأسرية، القائمة على وشائج الرباط، وصيانتها من كل ما قد يضير بها؛ فالأسرة لبنة المجتمع، وبها ينهض، ويقوى، ويستكمل مسيرة البناء والإعمار والنهضة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. ___ أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر