بعد رحيل المترجمة والأكاديمية المصرية أماني فوزي حبشي في 9 ديسمبر 2025، نتعرف على بعض ترجماتها عن الإيطالية والتي قدمتها إلى المكتبة العربية. ثلاثية أسلافنا.. بوابة كالفينو إلى العربية تضع المصادر المتخصصة ثلاثية "أسلافنا" لإيتالو كالفينو في مقدمة أعمال أماني فوزي حبشي، حيث ترجمت الروايات الثلاث: "الفسكونت المشطور"، "البارون ساكن الأشجار"، و"فارس بلا وجود". هذه الأعمال التي تُعَد من أهم ما كتب كالفينو في المزج بين الفانتازيا والتأمل الفلسفي، صدرت بالعربية في طبعات مختلفة. اختيارها لهذه الثلاثية لم يكن صدفة؛ فهي نصوص تُبنى على فكرة الانقسام والتشظي والحياة بين عالمين، وهي ثيمة قريبة من اهتمامها النظري في الأدب، كما يظهر في أطروحتها للدكتوراه عن مسرح كارلو جولدوني، وفي مقالاتها عن الأدب الإيطالي الحديث.
من "بندول فوكو" إلى "بماذا يؤمن من لا يؤمن؟".. مع أومبرتو إيكو من بين أبرز ترجماتها أيضًا رواية "بندول فوكو" للروائي الإيطالي الشهير أومبرتو إيكو، وهي واحدة من أعقد رواياته على مستوى البنية السردية والمراجع الفلسفية والتاريخية، وقد احتاجت إلى مترجم يمتلك أدوات نقدية ومعرفية واسعة، وهو ما جسّدته خبرة أماني فوزي حبشي الأكاديمية. لم يتوقف حضور إيكو في مشروعها عند "بندول فوكو"، بل امتد إلى كتاب "بماذا يؤمن من لا يؤمن؟"، الذي نقلته إلى العربية لاحقًا، مقدّمة للقارئ العربي جانبًا آخر من فكر إيكو الحواري والتأملي في أسئلة الإيمان والحداثة والمعنى.
"أصوات المساء" و"أربطة" و"الجبال الثمانية".. وجه الأدب الإيطالي المعاصر لم تحصر أماني فوزي حبشي مشروعها في الكلاسيكيات أو الأسماء الراسخة فقط، بل راهنت أيضًا على الأدب الإيطالي المعاصر؛ فترجمت رواية "أصوات المساء" للكاتبة نتاليا جينزبورج، وهي من أهم الأصوات النسائية في الأدب الإيطالي في القرن العشرين، وقد صدرت الترجمة عن دار الكرمة، ولفتت إليها الأنظار بوصفها نموذجًا لدقة نقل الإيقاع الحواري إلى العربية. وفي سياق الاهتمام بالسرد المعاصر، نقلت إلى العربية رواية "الجبال الثمانية" للكاتب باولو كونيتي، التي حازت شهرة واسعة وترجمت إلى لغات عديدة، وكذلك رواية "أربطة" لدومينيكو ستارنونه، والتي نوقشت في أكثر من نادٍ للقراءة ومركز ثقافي عربي، من بينها المركز الدولي للكتاب بالقاهرة. كما قدّمت للقارئ العربي روايات مثل "بلا دماء" لأليساندرو باريكو، و"صوت منفرد" لسوزانا تامارو، لتواصل رسم صورة متكاملة للأدب الإيطالي المعاصر، في تنوّعه الأسلوبي وتعدّد نبراته ومستوياته الجمالية. في السنوات الأخيرة، اتجهت أماني فوزي حبشي إلى أصوات أحدث وكتّاب جدد، فترجمت رواية "الأشياء التي تنقذنا" للكاتبة لورينزا جينتيلي، والتي عُرضت في حوارات صحفية معها بوصفها عملًا يدعو للتأمل في معنى الشغف وما يمنح الحياة معناها، ثم تبعتها ترجمات أخرى لكتب مثل "في عمق البحر حيث لا تُلمس الأرض" لفابيو جينوفيزي، و"مثل ريح طرزت بالأرض" لإيلاريا توتي، و"حيث تولد الريح" لنيكولا أتاديو. هذه الأعمال التي صدرت عن دور نشر عربية بارزة ساهمت في توسيع مساحة الأدب الإيطالي المترجم، وربطت القارئ العربي بنصوص صدرت في العقدين الأخيرين، بدل الاكتفاء بما ترسّخ في الكلاسيكيات وحدها. لم يقتصر عمل أماني فوزي حبشي على الرواية؛ إذ نقلت كذلك كتبًا في المسرح والفكر، من بينها كتاب "المسرح والعالم الرقمي: الممثلون والمشهد والجمهور" لأنطونيو بيتزو، الذي صدر عن مؤسسة هنداوي ويقدّم مقاربة لعلاقة التكنولوجيا بالمسرح المعاصر، إلى جانب "خطابات ضد الحرب" للكاتب والصحفي الإيطالي تيتسيانو ترتساني، الذي يجمع مقالات ورسائل ضد الحرب والعنف. كما ترجمت كتاب "إيزابيللا وثلاثة مراكب ومحتال" للكاتب داريو فو، الحائز جائزة نوبل، وكتاب "ملكات بمحض الصدفة" لشيزارينا كازانوفا، لتُدخِل القارئ العربي إلى مساحات أخرى من الثقافة الإيطالية: التاريخية، والمسرحية، واليوميات السياسية، في صياغات عربية دقيقة. تشير قواعد البيانات المتخصصة في الترجمة والكتاب إلى أن أماني فوزي حبشي حصلت على الجائزة الوطنية الإيطالية للترجمة، إضافة إلى تكريمات أخرى، تقديرًا لدورها في نشر الأدب الإيطالي بالعربية، وترسيخ اسمها علامة للجودة لدى القرّاء ودور النشر معًا.