يفهم أصحاب الفتاوى الرياضية منطق افعل، ولا تفعل، ويتصدرون المشهد الديني بمنطق هم رجال ونحن رجال، وقاعد الفتوى تحكمها لدى هؤلاء أن الحدث المستفتى فيه لم يحدث في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتناظرهم ظاهر النص، فضلوا وأضلوا الناس في فقه الدليل ونصوص النقل المقولبة منهم دون عقل إفتائي.. وهنا يجدر السؤال الملح: هل الفتوى معالجة أدلة أم فكر يحكم فقه المفتي؟ وهنا نعود إلى الأصل الذي يفرق بين فقه تنظيمات وتيارات وجماعات يمينية ومنها القاعدة ومشتقاتها أصحاب الفكر الضال وبين المدارس العلمية التي أصل لها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف بقوله: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)، إذ أن الفتوى فكر قبل أي شيء، ولما لا فالرجل الذي هاجم النبي وقتما كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بالجِعرانةِ وَهوَ يقسِمُ التِّبرَ والغَنائمَ وَهوَ في حِجرِ بلالٍ فقالَ: (اعدِل يا محمَّدُ فإنَّكَ لم تعدِلْ.. فقالَ ويلَكَ ومَن يعدلُ بعدي إذا لم أعدِلْ.. فقالَ عمرُ دعني يا رسولَ اللَّهِ حتَّى أضربَ عنُقَ هذا المُنافقِ.. فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ هذا في أصحابٍ أو أُصَيحابٍ لَه يقرءونَ القرآنَ لا يجاوزُ تراقيَهُم يمرُقونَ منَ الدِّينِ كما يمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّميَّةِ)، وهنا تبرز قضية الفكر الذي تبنى عليه الفتوى، فهذا الرجل عاصر النبي مسلما يحفظ القرآن ولا يدركه، فقسمة النبي فتوى وعطية، خصت بمرونة الظرف والحالة وتغيرت بعد ذلك في زمانه وزمان أصحابه الكرام، فالمؤلفة قلوبهم شملتهم فتوى العطايا عندما رسخ الإسلام ورسخت دولته وقفت عطايا وفتاوى العطايا، ومرسخ فهم الدين هو النبي وخيرة صحابته، والحفاظ من ضعاف الفهم أو المتعصبين هم أمثال من اعترض على ما فعله نبي الإسلام ويقلده متشددة اليوم ومقولبي الفتاوى الذي يصبون الأمور في قوالب جامدة على أسس فكر ظاهري. متى بدأ الفكر الإفتائي مؤسسيا؟ في كل لحظة من حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يوجه النبي ويعلم ويفتي، منها فتاوى عامة وأخرى خاصة لحالات، ووجه النبي الأمة إلى سيدتها عائشة للاستفتاء وطلب الرأي الشرعي، قائلا: (خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء)، عن تعلم وفهم وعلم وصحبة النبي الكريم، ومنها صحابته، ثم جاءت دار الإفتاء الأولى في تاريخ الإسلام.
متى بدأ تأسيس أول دار إفتاء في التاريخ؟
تأسست أول دار الإفتاء في التاريخ اعتباريا بمفهومها العملي وليس الإسمي، وجاءت في شكل مذهب فكانت المذهب والفتوى العامة والرأي الخاص للمستفتي، وتميزت بأنها اجتهاد فقهي من المذهب وفي داخله من قبل إمام الفقه ومؤسس الفكر المذهبي الإمام أبو حنيفة النعمان، (80- 150ه / 699- 767م)، ومذهبه الحنفي، تأسس المذهب في العراقبغداد، فهو المؤسس المؤصل الذي ناقش أبنائه وتلاميذه، على أسس فكرية وليست قوالب قياس ظاهر النص باشتراطات حسية، بل مصالح مرسلة وفكرية.
وأجبر مجتهد الأمة الأول أبو حنيفة النعمان أن يفرض علينا في العصر الحاضر أن نعقد زيجاتنا على مذهبه وننجب بإشهاره، وهو الذي وسع بفكره للأمة، وهو الذي راعى مصلحة المرأة الشابة في أن تتصدر مشهد زواجها دون عن غيره من علماء الأمة الذين فالبعض اشترطت تبعيتها في مشهد الزواج، فبات الاستئذان عند البعض شكليا، وتجبر بعض آباء الفراق الزوجي أن تبرئه طليقته أو خصيمة الزواج من حقوقها مقابل أن يعقد قران ابنته وسط جحود خالي من المسئولية.
هل الفتوى حفظ أم فهم للنص؟
ويسجل لإمام الفتوى الأول مؤسسيا أن تسلم النص الفقهي غضا طريا غير ملوثا وأصل للفتوى تحت غطاء مذهبي (في الرأي)، وجعل اختلاف الرأي تنوع وقبول وتناول وفهم وتيسير، (فالفتوى فهم وليست حفظ). مفتي الجمهورية مع الزميل إسماعيل رفعت
من يرى آثار الفراعنة أصناما لا يصلح مفتيا!
لم يفهم بعض المُحدثين المعاصرين ممن يقحمون أنفسهم في علوم الشريعة، والذين رأوا آثار الفراعنة أصناما بينما رأها الصحابي الجليل عمرو بن العاص هو وصحابة النبي وعددهم 20 ألف صحابي يفهمون الإسلام ويحفظونه أكثر مما حفظه هؤلاء قاصري النظر والفهم، ولم يمسوا الآثار المصرية ولم ينالوا منها ولو قولا، كما لم ينالوا منها فعلًا. الأزهر حافظ عقل البشرية
وتقف مصر عظيمة راسخة في إسلامها، فإسلام عوام المصريين يشفي الصدور ويريح النفوس ناصعا غير ملوث، وقد ورث المصريين مؤسسة عظيمة هي الأزهر الشريف بكياناته الشريفة الوسطية، الذي ربى فتحقق فيه المثل الشعبي المصري "اللي ربى خير من اللي اشترى"، فالأزهر ربى، وهذه الجماعات دخلت تحت بند نقدي تحت قاعدة "اللي اشترى". المفتي نظير عياد ودار الإفتاء المصرية لا أنكر محبتي وتقديري الشخصي للعالم الكبير والمفتي الجليل، فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عياد رئيس أمانات ودور إفتاء العالم (مفتي مصر)، وحرصي الدائم على التواصل مع فضيلته على مدى عقد زمني كامل، إلا أن فضيلته استهل عمله بتوثيق الاتصال بفضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ووصفه بالوالد، وانتقل بهدوء إلى عمل على أسس فكرية في صناعة المفتي، وهو أستاذ الفكر والعقيدة والفلسفة الإسلامية وعلم المنطق، والتي يسميها الأزهر في أحد جوانبها وورثها عن أئمة الفكر تحت مسمى علم الكلام، وهو علم الفكر، ونحن إذن أمام أستاذ علم الكلام، ورائد الفكر والفلسفة الإسلامية.
لماذا نظير عياد مفتيا؟
وسط اضطراب فكري افتعلته جماعات تلويث العقول بغبش التطرف أراد الله لذمان تبث فيه الفتن الفكرية والأكاذيب على (الكليات الإسلامية- أي أسس الإسلام: الدين والعقل والنفس والعرض إلخ)، أن يأتي أستاذ الفكر والعقل والكلام، فالتوى تبنى على عقل وفكر بني على أسس ومنطق إسلامي، وهنا تأتي الإجابة حول سؤال لماذا نظير عياد مفتيا؟، ليكون الرد: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، ووجود رائد علم الكلام والمنطق والعقيدة والفلسفة الإسلامية أصبح واجبا للرد على الذي يتزيدون على عمرو بن العاص و20 ألف صحابي لم يحطموا الهرم ولم يكسروا الآثار الفرعونية ولم يصفوها بالأصنام.
رجال حول الإمام
ثقتي في صاحب الفكر القويم الذي دمج العمل المؤسسي الديني مع والده وأستاذه الإمام الطيب ومع باقي مؤسسات الدولة والذي يعمل بتقدير وحب مع الجميع وهدوء ورسوخ أن يرتقي بدار الإفتاء وأمانات الفتوى في 100 دولة يترأسها، فبشائر العمل على مدى عام تبشر بطفرة عملية وعلمية وعلمائية تليق بميراث الوسطية وعالمية الأزهر، يتصدرها أبرز الرجال حول فضيلة الإمام الطيب.