لم نعد نعيش لأنفسنا، بل أصبحنا نعيش للكاميرا، كل لحظة في حياتنا باتت مشهدًا مؤقتًا ينتظر أن يُنشر، وصار السؤال الأول قبل أي تجربة هو: كيف ستبدو في الصورة؟ تحولت حياتنا إلى عرض دائم على شاشة صغيرة، نأكل أمامها، نضحك لأجلها، نسافر بحثًا عن لقطة مثالية لا عن راحة أو مغزى، حتى الطعام فقد نكهته الأصلية، صرنا نطلب الأطباق الأكثر ألوانًا لا الأشهى طعمًا، فقط لتخرج الصورة براقة تليق بمنشور جديد، السفر لم يعد هروبًا من الضجيج، بل بحثًا عن خلفية خلابة نضيفها إلى حساباتنا. أما العلاقات، فقد أصابها نصيب من هذا الهوس، لقاءات العائلة لم تعد كما كانت، الدفء الإنساني تراجع أمام سباق الصور الجماعية، لحظات الود تحولت إلى مناسبات للتوثيق لا للتواصل، والزيارات التي كانت تُقام للمحبة أصبحت تُقام من أجل المنشورات. حتى العمل، الذي كان مساحة للإنجاز، صار في بعض الأحيان ساحة للظهور، نلتقط صور المكتب أكثر مما ننجز داخله. إنه زمن المشاع، زمن البث المفتوح الذي لا يغلق، صرنا نحيا على هوى المتابعين ونقيس لحظاتنا بعدد القلوب الافتراضية، نبتسم أمام العدسة أكثر مما نفعل في وجوه أحبائنا، نعيد ترتيب حياتنا لتناسب الإطار المربع للصورة، وننسى أن الحياة لا تُقاس بجودة الكاميرا بل بجودة التجربة. جنون التصوير والسوشيال ميديا لم يكتفِ بسرقة لحظاتنا، بل سرق معنا معناها، جعلنا نؤدي أدوارًا لا نعيشها، ونبحث عن اعتراف الآخرين أكثر من رضا أنفسنا، حتى السعادة باتت مشروطة بالإعجاب، والحب بحاجة إلى تعليق، والنجاح ينتظر عددًا من المشاركات ليكتمل. ربما حان الوقت لأن نلتقط أنفاسنا لا صورنا، أن نفعل ما نحب لأننا نحبه، لا لأننا نريد توثيقه، أن نأكل لأننا جائعون لا لأننا نريد صورة لطبق مثالي، أن نسافر لأننا نحتاج الراحة لا لأننا نبحث عن إعجاب. عش حياتك كما هي، ببهجتها العفوية وعثراتها الحقيقية، لا تجعل الكاميرا حكمًا على لحظاتك، فالأجمل في الحياة لا يُنشر، بل يُعاش.