الإرادة المؤسسية في مسارها الصحيح تقوم على توثيق الإجراءات، وتوضيح المسؤوليات، وتعزيز الرقابة الداخلية، وبناء ثقافة قائمة على المتابعة والمساءلة بصورة مستدامة، وهذا يعضد من منهجية الشفافية والنزاهة باعتبارهما من مقومات نهضة العمل المؤسسي؛ ومن ثم يصبح تصحيح المسار، وتحسين الممارسات، عادات مؤسسية حميدة، ينجم عنها تقدم ورقى وازدهار صور العمل، ويقلل من أشكال القصور المتأتية من بوابة الإغفال، الذي من شأنه أن يهدر الوقت، ويضير بالموارد، ويبرر الخطأ، ويراكم آثاره، ويضعف الثقة، ويقوض جودة المنتج، ويؤدي إلى صنع واتخاذ قرارات غير صائبة. البعد عن معايير العدالة، وغياب منهجية المحاسبية، وتجنب تفعيل المعايير المؤكدة على الكفاءة، والعمل على خلق الفرص لغير مستحقيها، وغلق باب التكافؤ بين الجميع، يشوه العمل المؤسسي، ويضير بمخرجاته، ويسهل طرائق الولوج للأهواء، والسعي وراء تحقيق المصالح، كما يسمح للجموح أن يزداد؛ فلا مكان لقوانين، ولا دور للوائح المنظمة، ولا سبيل للمساءلة؛ ومن ثم تزداد فلسفة سوء توزيع الموارد، وتتكاثر فئات المستفيدين، وتفرغ الأجهزة الرقابية من مهامها؛ لتصبح ستائر قاتمة، تداري منابع الفساد، وتمنع محاسبة المتورطين، وهنا لا نتحدث عن صور الظلم داخل المؤسسات، بل، نؤكد على الصورة المؤسسية المشوهة، التي تعد نذير خطر يؤدي إلى سقوطها دون مواربة. غياب الرضا المؤسسي، يُعدّ بالفعل مؤشرًا واضحًا على وجود فساد ممنهج داخل المؤسسة، وهذا قد يكون مرجعيته قائمة على تفشي ظاهرة المحاباة الممنهجة، أو ما نسميها الانتقائية وفق مصالح خاصة؛ إذ تقدم العلاقات الشخصية على معايير الكفاءة؛ ومن ثم يزول الإحساس بالتقدير، ويتنامى الشعور بالظلم، وبالطبع يفتقد العمل المؤسسي قيمة الثقة، وتتعالى بداخل أبوابه معدلات الإحباط، وتقل الإنتاجية عن قصد، وتهدر الطاقات بصورة متكررة، ولا يوجد قدر من الحافزية، أو ما نسميها الحماسة الوظيفية؛ لذا بات القضاء على الفساد الممنهج فرض عين. العمل على تحقيق النزاهة المؤسسية، يبدأ من حسم مظاهر الفساد الممنهج، باعتباره التزامًا وطنيًا لا يقبل التأجيل، أو المداهنة، أو التأويل، وهنا نراجع تشريعاتنا، بما يؤكد سدّ الفجوات، أو الثغرات، التي تتسلل منها صور الفساد، كما نعزز جهود الأجهزة الرقابية المكافحة لكافة الخروقات وأشكالها، وهذا بالطبع لا ينفك عن فلسفة التقويم المستمر، الكاشف لنقاط القصور، ومواطن الخلل، والدولة المصرية الآن صار فيها نظام الحوكمة الرقمية فاعلًا؛ حيث يقلل هذا النظام التعاملات البشرية، ويمنع تدخلاتها الفجة، ويظهر قدرًا من الشفافية في إطار تعاملات تؤكد على النزاهة في تقديم كافة الخدمات. الاستجابة السريعة لشكاوى الفساد أمرٌ أضحى في غاية الأهمية، وهنا ننادي بآليات الإبلاغ الآمن، الذي لا يضير بمن يؤدي مهمة حميدة، من شأنها أن تسد أبوابًا يستفحل من خلالها الفساد، وهذا يقوم على فلسفة واضحة، تتمثل في أن الفساد الممنهج لا يُواجه إلا بإرادة وعزيمة، تعد مكافحته واجبًا على كل مسؤول، وعامل، ومواطن تقدم له الخدمة، وفي الحقيقة يسهم ذلك في تعزيز البيئات المؤسسية المنضبطة؛ إذ تشيع في ربوعها الإيجابية، وتنحسر أشكال السلبية، ويستشعر الجميع المسؤولية الوطنية، ولا يجد راعي الفساد مكانًا أو ملاذًا آمنا لممارسة الأفعال المشينة. استئصال الفساد الممنهج ضرورة وطنية لا مراء حولها؛ إذ إنَّ هناك ما يسمى بالاستقامة الزائفة، التي تتستر وراء دورة مستندية مُزيَّفة، تُضيع الحقوق، وتشرعن الانحراف، وهذا ما يؤكد أهمية المراجعات الخارجية المستدامة، المستندة على حرفية الشاهد والدليل، ومهنية الكشف عن كافة التفاصيل، وإعلانها للرأي العام المؤسسي، الذي يؤكد صحتها، أو يبرهن على زيفها؛ ومن ثم نصل ليس فقط لمستويات الرضا المؤسسي، بل نحقق ما نسميه بالطمأنينة المؤسسية، الباعثة لماهية الأمن والأمان المادي والمعنوي؛ بالإضافة إلى الثقة المتبادلة، في خضم استقامة تبرهن عن صفاء القلب، وطهارة اليد، ونقاء الوجدان.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر