صورة الفساد التي تعمل على تقويض نهضة البلاد، وتبديد جهود العباد، يصعب حصرها، وأخطرها يكمن في فقدان النزاهة، التي من شأنها تحرى الدقة، وصون المقدرات، وحماية الموارد، والبعد عن مصادر الهدر، وبتر كل أشكال الاعتداء غير المشروعة لصالح فرد أو مجموعة من الأفراد؛ ومن ثم يعد التمسك بالنزاهة بمثابة السفينة الدافعة بنا إلى نحو مرفأ التنمية، ومراسي التقدم والرقي، وينبري على ذلك العمل على مراجعة الإجراءات الضامنة تحقيق تلكم القيمة، المحافظة على بقاء استدامة التنمية، بمؤسساتنا بكافة تنوعاتها في وطننا الحبيب. أخطر أنماط الفساد ما تحميه نصوص القوانين وتفسيرات اللوائح المنظمة، التي يرعاها المنتفعون، ويحاولون إقناع الآخرين بها، وهنا نتحدث مباشرة على من يقع على كاهله المسؤولية المباشرة في إدارة مؤسسات الدولة بمختلف مجالاتها؛ فلا مجال لمبررات أو لأسباب تؤدي إلى فتح أبواب الفساد، ولا مبرر لطريق يفتح إتاحة التحيز بكل صوره، وهذا يذكرنا بالصفات الواجب أن يتحلى بها المسؤول؛ حيث رشد الإدارة القائمة على الأمانة، والحياد، والمصداقية، والتفاني في العمل، وتحقيق غايات معلنة، والبعد عن أبواب التحايل، وتعزيز ماهية الولاء والانتماء المؤسسي، لدى الجميع وفق أخلاقيات، ومواثيق المهنة، وطبيعتها. الفساد الممنهج يدور حول فلسفة المصالح الشخصية الداحضة لآليات الوصول إلى لمصالح العامة، التي تصب في مصلحة الوطن الكبير، وهنا نؤكد على غياب المهنية لدى المسؤول الفاسد، وضياع منظومة القيم المرتبطة بها؛ فيصبح كل من الرياء والحيلة سيد الموقف، والصدق والإخلاص والانضباط لا مكان لها، وتجمعات النفعية شعارٌ يُعلَن دون خجل أو وجل، والمحسوبية لها قدر لا بأس به في دولاب العمل، وتحييد أصحاب الرؤى السديدة والعقول النابغة استراتيجية رئيسة يتم تفعيلها، وانتقائية المعايير لها مكانة في قلوب من بيدهم القرار، وهذا كله نذير شؤم على المؤسسات؛ إذ في أركانها تسلب الحقوق، وتضيع الجهود، وتُوأَدُ الفضيلة. سياج الشفافية والنزاهة باعتبارهما قيمتين نبيلتين، تقوم على أثرهما تنمية البلاد، لا تنفكان عن العمل داخل المؤسسات العامة والخاصة على السواء، ومن يحاول إضعافهما بنصوص لوائح، تتيح الانفراد بتخطيط وتنفيذ وتقويم للعمل، دون معايير معلنة؛ فإنه يشارك في جريمة هدم الكيانات المؤسسية بمختلف تنوعاتها؛ لذا أضحت سرعة المحاسبية من قبل المسؤول فرض عين، بل، الإعلان القائم على نتائج التقييم من ركائز الشفافية الضامنة لتحقيق مبدأ العدالة والمساواة بين الجميع، وهنا نشير أيضًا لأمر غاية في الأهمية، يتمثل في حرية الاطلاع على المعلومات دون قيود، بما يزيد من معدلات النزاهة ويترك أثرًا طيبًا في نفوس الجميع، ويصنع مناخًا لتفعيل الاتصافات القيمية، وفق قناعة نابعة من الوجدان، وليس من قبيل الرياء والمداهنة. نربأ بكل مسؤول يستغل مقعد السلطة، ويوجه سلاحها نحو تحقيق مآرب تضير بالمؤسسات، ونؤكد على ضرورة الابتعاد عن مواطن الشبهات الضارة بالسمعة والمقوضة للجهود المخلصة؛ فالسلوك القويم في حاجة لتعزيز مستدام، والخروج عن المسار يلزمه إصلاح سريع؛ كي لا يتفشى الفساد المؤسسي على نطاق يسقط الجميع في براثنه، وينال من مستقبل المؤسسات، ونهضتها، ورسالتها، ورؤيتها المعلنة، وهنا ننادي بوضوح بتجنب التضليل، ومحاولات حجب الحقائق، والكف عن التزييف، الذي يقوم على منهجية مقيتة؛ ومن ثم يقع المسؤول في دائرة الضلال؛ لسلوكه طريق مشوب، يكسوه ضبابية سوف تكشفها الأيام، وتداعيات الأحداث، مهما بلغ حرصه وزادت أساليب وقايته. قبح الفساد له أوجه عديدة، ومنهجيته تكرس أخلاق ذميمة، يأتي في مقدمتها اعتياد الكذب، واتباع التضليل، وتقبل فكرة تزييف البيانات، والاستناد لشواهد تقوم على سياسة الخداع وبراهين مفبركة، وفي الحقيقة تؤثر أشكال الفساد المؤسسي على مسيرة نهضة هذا البلد، وتؤخر تقدمه؛ لذا ينبغي التخلص من القوانين، التي تساعد المسؤول على انتهاج الطرق الملتوية، والأساليب المفضوحة، والممارسات المشبوهة، ونهيب بالجهات الرقابية تفعيل أدواتها؛ كي تزيد من قوة الحق، وتزيل ضبابية المؤسسات، المربحة للبعض منها على حساب أصحاب الحقوق، وفق آليات منهجية تمهد لهم طريق الاستيلاء على المال العام والخاص على السواء.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر