الحضارة المصرية تشرق من جديد عبر بوابة المتحف المصري الكبير؛ حيث تحمل عبق الثقافة الخالدة للعالم أجمع، وهذا ما عبرت عنه الرؤية الاستراتيجية للدولة، التي تسابق الزمن، وتتحدى الصعوبات، وتدفع بأطر التنمية في مجالاتها المختلفة؛ لتؤكد أن الجمهورية الجديدة قادرة على استكمال مسار نهضتها، في خضم قيادة رشيدة، تبذل الجهود المضنية؛ لرفع الراية، وإعمار البلاد بمشروعات قومية، أبهرت العالم، وجعلت الوطن في قلب الاهتمام الدولي؛ وهنا نقف على مسلمة رئيسة، تقوم على أثرها نهضة الأمم، تتمثل في أن المكانة الوطنية لا تتأتى إلا بالإخلاص في العمل، والإتقان في الأداء، وحسن السريرة، والعزيمة والإرادة الصلبة. المتحف المصري الكبير، يعد أداة رئيسة تعبر عن الهوية الحضارية والوطنية لهذا الوطن؛ فيبدو بوضوح امتداد جذور التاريخ عبر حقب الزمان الغائرة؛ إذ تتجلى في صورة التراث الذي يجمع في طياته بين القيمة ومكنون التراث الثقافي للقدماء المصريين، وهنا نقول بكل ثقة إن الحضارة تشكل دون مواربة ضمير الأمة المصرية، وتشير إلى قوة الانتماء المتوارث، وتعزز الولاء الجمعي، ناهيك عن تفاعلها مع حضارات العالم، التي تفوقت عليه بأن تفردت في الصفات، ولم تقبل الذوبان في غيرها؛ لذا أصبح الصرح الكبير حاملًا لذاكرة تجمع ما بين الأصالة والمعاصرة، وتقدم أنموذجًا فريدًا تنحى أمامه الرؤوس إجلالًا وتقديرًا واحترامًا. أضحت الفرصة سانحة؛ كي نعزز الوعي الثقافي والحضاري، لدى فلذات أكبادنا، بإرث القدماء، وملامح الرقى، الناتجة عن أيدٍ ماهرة، أبدعت في صنع منظومة متكاملة، تجمعت فيها مجالات البناء المعرفي والمهاري والوجداني؛ فصارت بمثابة الخبرة المتكاملة المعضدة للهوية الوطنية بصورة مباشرة؛ ومن ثم تصبح فلسفة المتاحف في الأذهان راسخة؛ إذ تمثل بوتقة للتراث، الذي نستثمره في نتاجنا البحثي، ونقف على أعتاب الابتكارات القديمة؛ لنستخرج منها ما يعود بالنفع على البشرية جمعاء، ناهيك عن فعالية التواصل البناء بين تدرجات مراحل الحضارة المخاطبة للعقول، التي أبدت انبهارها من عبقرية التصميم ودقته ودلالة تعبيره. سيشهد العالم عبقرية التصميم، مع فخامة التراث، بما يبرهن على التناغم بين جمال الرؤية، ولمسات أيدي الفنانونَ، الذين استطاعوا أن يجمعوا الهندسة في أرقى مخرجاتها، وصياغة أطروحات التاريخ الخالد؛ فيرى القاصي والداني حضارة القدماء في مشهد جديد، يثير الوجدان، ويسحب الأنظار؛ لتستمتع بمفردات تحكي تفاصيل العالم القديم، في صورة تحمل في طياتها الإبداع، وتشير إلى ماهية التكامل، ومن ثم تسمع وترى سردية تتحدث عن ذاتها، إذ تؤكد على القيم والفكر، برموز تعبر عن معان لمفاهيم حضارية وتراثية كبرى. نوقن أن ثمرة المشروعات القومية مستدامة، وأن النشاط السياحي في البلاد، يعد أحد الركائز للاقتصاد الوطني، ويسهم في تجديد العلاقة بين تراث ثمين ومواطن يمتلك الوعي الرشيد؛ فيحافظ على مقدراته ويصونها؛ لذا يعد المتحف المصري الكبير منفذًا ثقافيًا وسياحيًا، يساعد في تعظيم المورد الوطني، ويحثّ على تطوير مزيد من الأماكن المجاورة له؛ كونه صار قبلة للسياحة، ومحرابًا للثقافة، ومنبع للدراسات العلمية، ودافعًا لصور الاستثمار المباشر، وقيمة تؤكد على هويتنا الأصيلة، وخريطة تعبر عن دلالات تراثنا الممتد عبر آلاف السنين. يصعب أن نعدد النجاحات المتمخضة عن مشروع قومي عظيم؛ لكن نؤكد أنه أحد دعائم القوة الناعمة، التي تؤكد على حضور كيان الدولة المصرية بحضارتها المتفردة المتجاوزة حدود الزمان والمكان، والمرسخة للمعارف؛ لتصبح مصدرًا للبحث والدراسة، بل، والإلهام التاريخي، الذي يشير إلى تاريخ استقرار هذه الدولة، وقدرتها على تجاوز الصعاب، وامتلاكها لمقدرات مادية وبشرية، تستطيع أن تحقق المستحيل، وفي هذا المكان من أرض مصر دشن المتحف الكبير؛ ليعيد فلسفة الإبداع المصري الأصيل والحديث، ويشير إلى مسلمة نؤمن بها، تتمثل في صورة الوعي الحضاري، لدى الشعب المصري العظيم وقيادته الحكيمة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر