أرض الكنانة لا ينضب معين الكفاءات بها في شتى المجالات؛ حيث العقول العامرة بالإبداع القادرة على العطاء والنتاج، والمالكة للطاقات المتقدة المفعمة بالنشاط المحبة للوطن والعاشقة لترابه، التي لا تكلّ ولا تئِنّ من جهد العمل، الذي تقدمه في صورة من الإتقان راجية رضا المولى – عز وجل – فلديها قلوب بيضاء لا تنتظر التكريم أو المنح، بل تتطلع إلى رسالتها التي خلقت من أجلها، وتشكر الله – تعالى – على فضله ونعمه وستره، وترضى بالمقسوم قناعة وبصفاء وجدان. أصحاب الكفاءات في هذا البلد الأمين يتمسكون بطريق العلم ويخلصون في انتقاء المنهجية التي يبلغون بها الغاية؛ لتنضج الثمرة التي نراها في إنجازات وعطاء غير مسبوق في شتى المجالات والميادين؛ فهم دون مبالغة أدوات فاعلة في البناء، لهم سير عطرة، ولديهم مستودع من الأفكار تنهض به الأمم والشعوب، يتمعنون في الحاضر ويستشرفون المستقبل بروية وحكمة وفقه في التناول عبر أدوات البحث والمطالعة التي لا تتوقف؛ إذ يوقنون بأن العلم مع العمل هما رصيد النهضة والرقي والازدهار. صدور ذوي الكفاءات مليئة بالخير، وهذا ما يجعل السراج على الدوام مضيئًا، والسعي في تحقيق الغاية لا يتوقف لأي سبب من الأسباب؛ فالإيمان بالرسالة السامية يكمن في تفهم فلسفة الاستخلاف على الأرض؛ فهناك العقيدة الراسخة التي تؤكد في نفوسهم بأن الخير باق مهما علت راية البهتان أو الزيف، وأن الأثر الطيب يضاف لنهضة وحضارة الأمم، وأن الخسران يكمن في صور النفاق والمداهنة خاصة لو تعلقت بمصالح الأوطان، وأن الكسب المادي لا يخلق السعادة الأبدية؛ فتلك غاية صعبة المنال، لا يصل إليها إلا أصحاب القلوب السليمة. ستبقى مصر مليئة بأصحاب الكفاءات الذين لا تفارق جفونهم هموم الوطن وآلامه، ولا يغيب عن عقولهم ما يؤدي إلى تحقيق طموحات وآمال وتطلعات شعوب كريمة سطرت بطولات على مر تاريخها المجيد، وبرغم مشقة الطريق فإن العزيمة لا تفتر والإرادة لا تلين والمقدرة على الوصال لن تتوقف والعمل الدؤوب من أجل غايات كبرى تصب في مصلحة البلاد والعباد لن يذبل نتاجه، فهذا كله نابع من يقين تأتى مع إدراك صادق لما حثت عليه القيم النبيلة التي تربى عليها ذوات التفرد في تخصصاتهم ومجالاتهم. رعاية ذوي الكفاءات فرض عين؛ لأنهم عماد النهضة وقطار التنمية، ووقود التقدم والرقي لكافة قطاعات هذا البلد العظيم؛ ومن ثم يتوجب أن نعمل على إتاحة الفرصة لهم؛ كي يحدثوا النقلات النوعية التي تسهم قطعًا في تنمية المهارات النوعية للآخرين، وهنا نتحدث عن استثمار في البشر يؤدي إلى تنمية حقيقية تعد سياجًا للأمن القومي في أبعاده المختلفة؛ حيث العلاقة الارتباطية يدركها أصحاب العقول المستنيرة بين قوة الدولة التي تمتلك العلم والمعرفة كسلاح تصل به إلى بر الأمان والطمأنينة. سمةُ أصحابِ الكفاءاتِ في بلدِنا الحبيبِ أنهم يمتلكون أنماط التفكير العليا التي تمكنهم من المقدرة على التحليل والاستنتاج والاستنباط والخروج بالشواهد وتقديم البراهين والحجج، ومن ثم إصدار الأحكام، وهذا يؤكد عمق الوعي القويم لديهم؛ فيتعاملون مع طيف الأحداث بكل روية، ولا ينزلقون لساحات النزال على مغانم الحياة الزائفة، ولا يحبطون من تقدير ينتهى أثره بزوال الموقف؛ فلديهم رغبة جامحة في القيام بالمهام المكلفين بها، أو التي يؤدونها طواعية، وهنا نستطيع القول بأن لديهم حكمة التعاطي مع العالم المتغير والمتقلب على حد سواء. ستظل وجدانيات أصحاب الكفاءات في مستويات الرقي قابعة، ولن تضعف مشاعرُ المحبة تجاهَ وطنٍ يسكنُ قلوبَهم، وإن كنت أرى أن هذا من دواعي الذكاء الذي يضمن خلود الرضا في النفوس ويبقى على صور العلاقات الطيبة مع الآخرين ويسمح بحيز التكيف والتوافق، ويعطي بريقًا من الأمل نحو مستقبل حياة مشرق لأجيال تستحق منا أن نوفر لها مقومات التقدم والنهضة على الدوام.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. ______ أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر