سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا.. 72 ساعة فى بروكسل تؤكد رؤية زعيم مصر بعودة القاهرة إلى مكانتها.. شراكة استراتيجية شاملة مع أوروبا تتجاوز حدود التعاون التقليدى.. ورسائل رئاسية من قلب القارة العجوز
الرئيس يقدم مصر كنموذج ناجح فى إدارة ملف الهجرة بمسؤولية وإنسانية ويطالب أوروبا بمنهج شامل يعالج الأسباب عبر التنمية والتعليم استثمار الزخم السياسى والإعلامى لنجاح قمة شرم الشيخ للسلام لمسار ممتد يستهدف تهيئة الظروف لاستئناف مسار السلام العادل والشامل القائم على حل الدولتين دعوة الاتحاد الأوروبى لمشاركة فاعلة فى مؤتمر التعافى المبكر وإعادة الإعمار والتنمية فى غزة خلال النصف الثانى من شهر نوفمبر المقبل مثّلت القمة المصرية الأوروبية الأولى- التى اختتمت فعالياتها الأربعاء فى بروكسل- محطة فارقة فى مسار العلاقات بين مصر وأوروبا، ليس فقط لأنها الأولى من نوعها، بل لأنها وضعت أسس شراكة استراتيجية شاملة تتجاوز حدود التعاون التقليدى إلى آفاق أرحب من التكامل والمصالح المتبادلة؛ وهو ما تجلى فى التصريحات والبيانات الصادرة عن القمة، لتؤكد مكانة مصر كشريك محورى لأوروبا فى محيطها الإقليمي، وصوت متزن يسهم فى حفظ الاستقرار ومواجهة الأزمات الممتدة فى الشرق الأوسط وأفريقيا، وحتى على مستوى البحر المتوسط. كما عكست توافقًا واسعًا فى الرؤى بشأن القضايا الدولية، من ملف الهجرة ومكافحة الإرهاب، إلى دعم جهود السلام والتنمية فى المنطقة. وفيما يتعلق بالصعيد الاقتصادى، أطلقت القمة مسارًا جديدًا من التعاون عبر طرح فكرة الممر الاستثمارى الأوروبى فى مصر، بما يعزز موقعها كمركز إنتاجى ولوجستى يخدم الأسواق الأفريقية والعربية، ويجذب مزيدًا من الاستثمارات الأوروبية فى قطاعات الطاقة النظيفة والبنية التحتية والصناعة، مع التأكيد على دور القطاع الخاص المصرى، باعتباره محركًا رئيسيًا للنمو والتنمية، إلى جانب دعم برامج التعليم والتدريب وبناء القدرات البشرية. ومن خلال المتابعة لفعاليات هذه القمة التاريخية، فيمكن القول إن العلاقة بين مصر والاتحاد الأوروبى تدخل مرحلة جديدة، تقوم على الشراكة الندية والاحترام المتبادل، وتستهدف تحقيق التنمية والأمن والاستقرار المشترك على ضفتى المتوسط. ويمكن أن نلخص النتائج المترتبة على هذه القمة، من خلال البناء على أبرز الرسائل التى حملها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى المؤتمر الصحفى المشترك مع رئيس المجلس الأوروبى ورئيسة المفوضية الأوروبية فى ختام فعاليات القمة. الاتحاد الأوروبى الشريك التجارى الأول لمصر الرئيس السيسى، أكد أن الاتحاد الأوروبى الشريك التجارى الأول لمصر والداعم الرئيسى لبرامج التنمية المستدامة فى بلادنا، كما تم التأكيد على ضرورة الارتقاء بمستوى التعاون فى المجالين الاقتصادى والاستثمارى والتركيز على الاستثمار فى رأس المال البشرى وأن مصر تُعد شريكاً موثوقاً للاتحاد الأوروبى وتمثل عمقاً استراتيجياً له وتمتلك من الإمكانات ما يؤهلها لتكون شريكاً صناعيًا وتكنولوجيًا فاعلاً. وهنا يبرز الشق الاقتصادى المحورى فى القمة، حيث أراد الرئيس التأكيد على أن مصر ليست متلقية للدعم فقط، بل شريك فاعل يعتمد عليه الاتحاد الأوروبى فى تأمين مصالحه التجارية والاقتصادية فى أفريقيا والعالم العربى. وبعكس وصف الرئيس السيسى «الاتحاد الأوروبى بأنه الشريك التجارى الأول» قوة العلاقات القائمة فعلاً، ويفتح المجال لتوسيعها نحو مجالات جديدة مثل التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة. كما ركز الرئيس السيسى، فى كلمته، على رأس المال البشرى، وهو ما يؤكد رغبة مصر فى جذب استثمارات فى التعليم والتدريب ونقل التكنولوجيا، وليس مجرد ضخ أموال فى البنية التحتية، مع تأكيد على الثقة المتبادلة بين مصر والاتحاد الأوروبى فى توقيت حساس عالميًا، ليُظهر أن مصر تمثل الركيزة المستقرة فى منطقة مضطربة سياسيًا واقتصاديًا بشهادة الجميع. استثمار الزخم لقمة شرم الشيخ للسلام قال الرئيس السيسى، إن ما حدث فى شرم الشيخ كان إنجازا حقيقيًا ولكنه فى الوقت ذاته خطوة فى مسار ممتد يستهدف تهيئة الظروف لاستئناف مسار السلام العادل والشامل القائم على حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ونتطلع لمشاركة فاعلة من دول ومؤسسات الاتحاد الأوروبى فى مؤتمر التعافى المبكر وإعادة الإعمار والتنمية فى غزة خلال النصف الثانى من شهر نوفمبر المقبل. وهنا، يربط الرئيس السيسى، النجاح الدبلوماسى فى شرم الشيخ بالجهد المستمر لإحياء عملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية، ليؤكد أن ملف عزة بالنسبة لمصر ليس إنسانيًا فقط، بل من رؤية سياسية متكاملة لتحقيق الاستقرار فى المنطقة. كما أن دعوة أوروبا للمشاركة فى مؤتمر «التعافى المبكر وإعادة الإعمار» تهدف إلى تدويل المسؤولية وجذب دعم مالى وتنموى لغزة، مما يُرسخ دور مصر كمنسق رئيسى بين الأطراف؛ مع التأكيد على أن الموقف المصرى ثابت، فيما يخص «حل الدولتين»، لأنه الطريق الوحيد لاستقرار الشرق الأوسط، وهى رسالة موجهة بالأساس إلى العواصم الأوروبية، وهو ما أكدت عليه روبرتا ميتسولا، رئيسة البرلمان الأوروبى فى لقائها مع الرئيس السيسى بأن الاتحاد الأوروبى يدفع نحو تطبيق حل الدولتين. ملفات السودان وليبيا وإلى جانب التقدير الأوروبى الكبير للرئيس السيسى على جهوده فى وقف الحرب على قطاع غزة، فإن أوروبا لم تنس أيضًا الإشادة بالدور المحورى الذى تضطلع به مصر فى المنطقة، وبسياساتها الحكيمة والمتزنة، ومعتبرة إياها ركيزة أساسية للاستقرار فى الشرق الأوسط وجنوب المتوسط. ومن هنا جاء رسالة الرئيس السيسى ليعرب عن تطلعه «للعمل مع الجانب الأوروبى من أجل الحفاظ على وحدة السودان وسلامة مؤسسات الدولة ومنع انزلاقه إلى الفوضى أو التقسيم»، وهى رسالة تحذير دبلوماسية ضمنية، تؤكد أن تفكك السودان خطر على الأمن الإقليمى، وأن مصر تسعى لتوحيد الجهود الدولية – خاصة الأوروبية – لدعم الحل السياسي. كما تقدم مصر نفسها هنا كصوت الاستقرار والعقلانية فى التعامل مع الأزمة، وتدعو أوروبا لأن تكون شريكًا يتجاوز الإدانة إلى الحل، مع التركيز على سلامة مؤسسات الدولة، وهو ما يعكس إدراك القاهرة أن بقاء الدولة السودانية موحدة شرط لعدم تمدد الفوضى عبر الحدود، كما حدث فى دول أخرى سقطت ولم تعد. وفيما يتعلق بليبيا، فقد كانت رسالة مصر واضحة، وهى «ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من أراضى ليبيا، حفاظا على سيادتها ووحدة ترابها»، وهذا موقف مصرى ثابت لم يتغير منذ بداية الأزمة فى ليبيا فلا استقرار فى ليبيا- المشاطئة لأوروبا- دون استقلال القرار الليبى وإخراج القوات الأجنبية. وهى رسالة ذكية موجهة إلى العواصم الأوروبية المعنية بالملف الليبى «إيطاليا وفرنسا وألمانيا»، لتوحيد الرؤية حول دعم المؤسسات الشرعية والانتخابات، ومصر هنا هى الجار الأكثر تأثراً بالأزمة الليبية، ومن ثم فهى تملك مصلحة مباشرة فى الحل السلمى المستدام، وهو ما يبرر الخطوط الحمراء التى رسمتها هناك مع اندلاع الأحداث وتفجرها. الهجرة غير الشرعية «الهجرة غير الشرعية تمثل تحديا مشتركا يواجه ضفتى المتوسط ولا يمكن معالجتها إلا من خلال منهجية شاملة تعالج جذورها الحقيقية لا مظاهرها فقط.. ومصر تؤمن بأن الحل يكمن فى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والاستقرار السياسى والأمنى والعمل على خلق فرص كافية للعمل والتأهيل المهنى بما يمهد الطريق لوضع حلول مستدامة للهجرة غير الشرعية.. والقاهرة تقوم بدور جوهرى فى منع الهجرة غير الشرعية تمثل فى منع خروج أية مراكب تحمل مهاجرين غير شرعيين من السواحل المصرية باتجاه أوروبا منذ سبتمبر 2016.. ونستضيف ما يزيد على «9.5» مليون أجنبى وفدوا إلى مصر من دولهم، بسبب ما تواجهه من أزمات ويحظون بذات المعاملة والخدمات التى نقدمها للمواطنين المصريين». وهنا يجمع الرئيس السيسى فى رسالته بين الأمن الإنسانى والأمن الأوروبى، فالرئيس يقدم مصر كنموذج ناجح فى إدارة ملف الهجرة بمسؤولية وإنسانية، فمن خلال الأرقام «9.5 مليون أجنبى»، يعنى مصر تتحمل عبئاً إنسانياً كبيراً نيابة عن المنطقة دون أن تطلب دعماً مباشراً، ما يعزز صورتها كشريك موثوق؛ وفى المقابل، يطالب الرئيس أوروبا بمنهج شامل يعالج أسباب الهجرة «الفقر، البطالة، النزاعات» عبر التنمية والتعليم. وهناك دلالة مهمة تشعر بها أوروبا ونفسها وهو إبراز أن مصر أوقفت تمامًا انطلاق قوارب الهجرة منذ 2016 وهو ما يؤكد على قدرة الدولة على ضبط الحدود ويمنحها رصيدًا سياسيًا فى الحوار مع الاتحاد الأوروبى حول الدعم الاقتصادى والتنمية المشتركة. وارتباطًا بالرسائل السياسية والإنسانية والاقتصادية فى تصريحات الرئيس وكلماته أمام قادة أوروبا؛ فإن هناك دلالة أخرى تؤكد على مكانة الزعيم المصرى والدولة المصرية فى وجدان الأوروبيين، فبمجرد دخول الرئيس عبدالفتاح السيسى قاعة القمة المصرية الأوروبية فى بروكسل، قوبل بتصفيق حار من قادة الاتحاد الأوروبى، فى مشهد تابعناه جميعًا بفخر كبير، لأنه يحمل دلالات سياسية ورسائل تقدير واضحة. فالأمر تجاوز كونه لياقة بروتوكولية، ليصبح تعبيرًا صادقًا عن الاحترام والثقة التى تحظى بها مصر وقيادتها على الساحة الدولية. لقد أكد القادة الأوروبيون بهذا الموقف تقديرهم لدور الرئيس السيسى فى تعزيز الاستقرار الإقليمى، وجهوده المتواصلة فى دعم مسارات السلام والتنمية ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية. كما أن هذا المشهد يعكس بجلاء مكانة مصر المتنامية كشريك محورى لأوروبا فى ملفات الأمن والطاقة والاستثمار، ورسالة دعم لنجاح القمة التاريخية الأولى من نوعها، التى دشنت مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين سيجنيان ثمارها قريبًا جدًا. إضافة إلى ذلك، فإن مشاهد استقبال الرئيس السيسى فى القصر الملكى ببروكسل، تعكس مكانة مصر الرفيعة وتقدير بلجيكا الكبير لقيادتها، وحمل الاستقبال الرسمى، واصطفاف الحرس الملكى فى الساحة، وتقدّم الملك فيليب بنفسه لاستقبال الرئيس ومرافقته إلى مكتبه الخاص، رسائل رمزية سياسية واضحة، تؤكد الاحترام الشخصى للرئيس السيسى ومكانته كزعيم إقليمى مؤثر. كما عبّر اللقاء- بين الرئيس والملك- عن عمق العلاقات التاريخية بين البلدين، وتقدير بلجيكا للدور المصرى المحورى فى تحقيق التهدئة ووقف الحرب فى غزة، وترسيخ الاستقرار بالشرق الأوسط. كما جاءت دعوة الرئيس السيسى للملك فيليب للمشاركة فى افتتاح المتحف المصرى الكبير لتضيف بُعدًا حضاريًا وإنسانيًا للعلاقات الثنائية، التى تمضى نحو مزيد من التعاون فى مجالات الاستثمار والسياحة والثقافة، وهو يعكس عمق الثقة والتقدير المتبادل بين الجانبين. ولا يمكن تجاهل مشهد الجاليات المصرية فى أوروبا والخارج، التى أثبتت فى كل مناسبة أنها درع مصر وسفيرها الحقيقى فى العالم. حيث تجلت صورتهم المبهجة عندما التف أبناء الوطن حول مقر إقامة الرئيس السيسى فى قلب بروكسل، يهتفون لمصر ويجددون العهد لقيادتها، فى مشهد يفيض بالفخر والانتماء. لقد برهن أبناء الجاليات المصرية فى أوروبا واتحاد شباب مصر فى الخارج على أن المصريين فى كل بقاع الأرض باتوا يدركون جيدًا قيمة وطنهم بكل فخر وهى مشاهد تعكس ما حققته الدولة من إنجازات سياسية واقتصادية كبرى جعلت اسم مصر وعلمها خفاقين فى كل المحافل الدولية. زيارة ال72 ساعة للرئيس السيسى إلى بروكسل -والتى بدأت الثلاثاء واختتمت الخميس- يمكن وصفها بأنها تؤكد نجاح الرئيس فى رسم ملامح مرحلة جديدة فى العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى، تقوم على التكافؤ والشراكة الحقيقية لا التبعية، وتستند إلى رؤية واقعية تربط بين الأمن والتنمية والاستقرار. فالقاهرة أثبتت أنها فاعلًا إقليميًا مؤثرًا جدًا وتمتلك الإرادة والخبرة والرؤية لإدارة الملفات المعقدة فى محيطها، ومن بروكسل، أعاد الرئيس السيسى التأكيد على أن مصر ليست فقط بوابة أفريقيا إلى أوروبا، بل هى صمام أمان الشرق الأوسط وشريك موثوق للقارة العجوز فى التنمية، وهنا تتجلى عبارة الرئيس التاريخية التى قالها قبل سنوات: «مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا».