سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مصر تصنع السلام وتقدم درسًا في التفرقة بين إدارة الدول وسياسات الميليشيات.. القاهرة استهدفت مصلحة الشعوب وتحقق لها ذلك.. حافظت على شعبها وجيرانها وخسر هنالك المزايدون والمقامرون
كطبيعة الأمور، وطبائع الأشياء. وتقلبات الحياة، يمر على الناس زمان يصعب على العامة فيه التفرقة بين الغث والسمين، ويعلو صوت الباطل بالضجيج بلا طحين، وتكون الكلمة العليا للأعلى صوتًا، والأكثر صخبًا، غير أن الحياة ليست كلامًا، وأن الكلام لا يزن في ساعة الجد مثقال ذرة، حتى إذا جاء وقت الفعل، وأخذت الأرض وضعيتها الطبيعية، وبدت الصورة أكثر جدًا وجدية وجدوى، اختفى أصحاب الكلام والضجيج، وظهر أصحاب الطحين، القادرون على إدارة المواقف الكبيرة، وهذا ما يمكن اختصاره في عنوان لمشاهد عمرها عامين.. فماذا حدث هناك ؟ تفاجأت مصر قبل عامين وأيام بعملية 7 أكتوبر، واختلف المحللون والمتابعون بين مؤيد ومعارض، غير أننا لو تجاوزنا هذه وبدأنا في تلك التي يمكن تسميتها وقائع ما بعد الصدمة الأولى، فإننا نجد موقفًا في مصر إن أردت العدل والإنصاف والدقة يمكنك أن تقول إنه الأكثر وعيًا ودراية وحرصًا.. ولكن حرص على ماذا ؟ حرصت مصر على الزوايا الأكثر أهمية والأبعد من التفاصيل السطحية، والأشرف من المعاني التي تدخل المزاد، والمصطلحات التي تريح العامة وتعجبهم، حيث حذرت القاهرة منذ اليوم الأول من تصفية القضية تمامًا، ورفضت التهجير، كحجر الزاوية الأهم، غير أنه _ وعلى كل ما يحمل من خطورة وأهمية_ لا يمكن أن يكون في نطاق الأهمية عند المزايدين أو من يحملون فكر الميليشيات، ذلك أن الأهداف مختلفة، والتقاطعات في المصالح أضعاف نقاط التوافق، لذا لم تسير الأمور ناحية حل الأزمة سريعًا. بعد أيام من طوفان الأقصى، وقف الرئيس السيسي، معلنًا رفضه لفكرة التهجير بأي صيغة، وتصفية القضية الفلسطينية بأي معنى، وعلى دربه سارت السياسة المصرية، وتركز الخطاب المصري وبني على ذلك، وتنوعت الحلول المطروحة من القاهرة، ولكن كلها وفق هذا الرفض الأول، وانطلاقًا من الأرضية الثابتة التي تقول لا للتصفية.. لا للتهجير، ذلك أن مصر أدركت مبكرًا وقبل الجميع أن هذه المرة لن تكون كسابقها، وفقًا لمعطيات دولية، وسردية صهيونية قدمت المحتل كضحية، وكانت النية مبيتة تمامًا لاستغلال الطوفان في تصفية القضية تمامًا، وكانت الانتخابات الأمريكية على الأبواب، والمحافظون يقتربون، ولا يتبقى سوى تجهيز الخطة، وبدء خطوات التنفيذ، وسارت الأمور والأحداث كما رأينا، ورأينا الضغط والرسائل والمقترحات، ولا يزال هناك في الصورة دولة كبيرة اسمها مصر، تراقب ولديها تصور وجاهزية وعزيمة وإرادة وقوة، وقبل كل هؤلاء، لديها رؤية مبنية على أهداف شريفة، وليس جزءًا من أي مؤامرة أو مقامرة. ذهب العالم وجاء، ومصر تقول لا تصفية ولا تهجير.. صدرت الأوامر في العواصم المختلفة، ومصر محددة المواقف والأهداف وبينما كان المزايدون والمهرجون والأقزام يغمزون ويلمزون على الدور المصري، وقفت الإدارة المصرية صامدة، لا تتزحزح عن موقفها، وصامتة لا ترد على هؤلاء، ذلك أنها كانت تعرف أن أيام الكلام للجميع، وحينما يأتي وقت الفعل، سوف يأتون جميعًا لمن يملك الحل، ويملك القوة، والإرادة. بينما كان المزاد مفتوحًا لكل العرابين وتجار الدم، ولكل من يأتمر بأمر أصحاب الأجندات، كان لدى الإدارة المصرية رؤية تليق بسياسة دولة كبيرة، ومحترمة، ولدى قيادتها ما يمكنها من ترتيب أولوياتها، والحفاظ على شعبها أولًا، ثم الحفاظ على جيرانها وأشقائها، فلم تخضع لابتزاز القوافل العبثية، سواء من كانوا يحملون نية حسنة أو غيرهم، ولم ترد على مزايدات الميليشيات وأهلها ومن يحملون فكرها ورؤيتها، ولم تنجرف وراء من أراد لها البعد عن أصل القضية، والتفرغ لمعارك كلامية فرعية، ولم تكن جزءًا من أي مشهد قبيح به مؤامرة. أرادت مصر السلام للجيران، وتحقق لها، وأرادت حقن الدماء، ونجحت فيه، وكانت أولويتها الحفاظ على شعبين، ووفقت في ذلك، رغم أنها كانت بين محتل مجرم يحمل من الأطماع، وغرور القوة، ونوايا استغلال الفرصة الراهنة، وتفاصيل معقدة ومتشابكة، وتقاطعات في مجملها كفيلة بإفشال أي مساعي للسلام، وفي الناحية الأخرى شقيق، لا يذهب لمشورتها قبل القرار، ولا يجيد الحسابات المنطقية المبنية على علم وتحليل دقيق للواقع، ويتخيل أنه لا يحق لأحد محاسبته، وأفعاله لا تخضع للتقييم، طالما أنه يحمل شعارًا حسنًا اسمه المقاومة، وينقصه حسن التدبير، وتغليب فقه أولويات حفظ دماء من هم في حكم الرعية، وعليه فإن بديهيات كانت تقول إن درء المفسدة مقدم على جلب المنافع، وبعد سماع آراء من هنا وهناك، جاء الجميع إلى مصر الكبيرة، لكنك يجب إن ترى فيما حدث حقيقة تقول إن مصر قدمت درسًا في التفرقة بين إدارة الدول وسياسات الميلشيات، واستهدفت مصلحة الشعوب وتحققت، وحافظت على شعبها وأشقائها، وخسر هنالك المزايدون والمقامرون.