"لو الناس مش شايفانا .. كان يبقى أحسن"، كان هذا حواراً متبادلاً بين زكى رستم وفاتن حمامة فى فيلم "نهر الحب"، عندما واجهها بأخطائها وكان كل همه أنها قامت بما فعلت أمام الناس. وعندما سألته إن كان ما فعلت .. قامت به فى الخفاء .. رد بكل اقتناع "كان يبقى أحسن"، كان هذا الحوار منذ عشرات السنين .. كانت تلك المعتقدات راسخة فى مجتمعاتنا ..وما زالت تزداد رسوخاً وتعمقاً وتعقيداً لحياتنا. طوال الوقت نفعل ما يريده الناس .. ما يراه الناس مناسباً وليس ما نريده نحن .. فقدنا جزءاً من هويتنا وإحساسنا بذاتنا. نعتقد معتقدات سائدة فى المجتمع من أجل أنها سائدة وفقط، وكأنها قرآن كريم نزل من رب العالمين .. لا نحاول التفكير فيها، وهل هى صحيحة أم لا، المهم فى الموضوع أن الناس يستحسنونها ويثنون على من يعتنقها ويقدسها .. عادات وتقاليد .. هذه هى الكلمة المتداولة بيننا وفى مجتمعنا بشكل خاص وفى مجتمعاتنا العربية بشكل عام، كم أود أن أمحو هذه الكلمة ليحل محلها الحلال والحرام .. ما يقره الشرع وما يرفضه. وليس معنى كلامى أن كل العادات والتقاليد سيئة .. ولكن السىء هو استخدامنا نحن لها .. حتى أننا طوعنا الشرع لها. وبنظرة على ما يحدث فى مجتمعاتنا نجد كثيراً من الأمثلة لمن يعيشون بالمثل القائل "كل إللى يعجبك, والبس إللى يعجب الناس"، حتى فى ملبسنا .. الناس ستتحكم فيه. فنرى على البلاج الأمهات يسمحن لبناتهن بالتعرى ولبس المايوهات لأنهن هنا بعيداً عن المجتمع المعروف لديهن .. ولن يراها أحد .. بينما فى مجتمعاتهم يرتدين الحشمة. ونرى الأب والزوج الذى يظهر الاحترام فى حياته العامة .. أما فى حياته الخاصة فهو عربيد .. يصادق تلك ويلهو مع تلك. وعلى النقيض نجد من يظهر طبيعته أمام الآخرين ويتعامل مع زميلاته بلطف ومرح .. فهو فى نظر المجتمع فاسق .. مع أنه يفعل ذلك أمام الناس .. وبالطبع هم يفضلون من يفعل ذلك فى الخفاء. أنا لا أؤيد رفع الحواجز بين الرجل والمرأة .. ولكنه بالطبع أكثر نقاء فى تعاملاته ممن يخفيها ويجعلها سراً. نرى الموظف الذى يقيم صلواته كلها فى مكتبه، هو أمام الناس رجل مصلى فاضل، ولكنه يرتشى ويعطل مصالح الناس ويهمل فى عمله، ولعل هذا الإهمال يؤدى إلى كوارث، كما حدث فى حادثة العبارة. نرى من يعتنقون أفكاراً يتشدقون بها طوال الوقت .. وهم أول من يخالفها، فهناك من تستهزئ بمن كان حجابها فيه عدم التزام، وإذا نظرنا لابنتها وجدناها ليست على قدر من الالتزام. من تستنكر دخول غير المحجبة المسجد.. وتُسمعها مالا يرضاه الله ورسوله.. بحجة الدفاع عن الشرع.. أى شرع هذا فى أن نمنع مسلمة من إقامة الصلاة لمجرد أنها لا ترتدى الحجاب. أنا لا أنكر فرضية الحجاب .. ولكن لماذا نمنع أحداً من التقرب من الله لمجرد الأخذ بالظاهر..وهل من ترتدى الحجاب وحدها لها الحق فى الصلاة فى المسجد..لقد أخذنا بالظاهر. إنى أتذكر صديقات لى أيام الدراسة, كنّ غير محجبات, ومع ذلك كنّ يُحضِرن معهن يومياً رداء الصلاة لأداء صلاة الضحى والظهر والعصر فى مسجد الكلية .. كم كنت أحترمهن .. لقد غيرنّ مفاهيم كثيرة لدى فى ذلك الوقت .. فلقد كنت أحكم بالمظهر .. ولكن معرفتى بهن علمتنى ألا آخذ الأمور بظواهرها .. مع العلم بأنهن جميعا ارتدين الحجاب فيما بعد. ونجد الأم كلما أنكرت على ابنتها رجوعها للمنزل فى وقت متأخر .. تعلل اعتراضها بأن الناس ستتكلم عليها .. أى أنها لو جاءت مبكرة لمنزلها وكانت تفعل ما يغضب الله .. لا يهم .. المهم هو كلام الناس .. وألا تأتى لمنزلها متأخرة. نجد من تستنكر شراء جارتها لمنتجات كنتاكى أو مكدونالدز.. بحجة أنها منتجات يجب مقاطعتها لأنها تساند إسرائيل.. بينما هى تشترى الأجهزة الكهربائية الأمريكية لأنها متينة .. وغيرها من المنتجات المهمة لها.. فلماذا نظهر عكس ما نبطن.. أمن أجل أن يقال إننا نناصر المقاطعة. نقيم أفراحاً بألوف الجنيهات، فى الوقت الذى لا يجد الشاب فيه ما يساعده على تكملة مستلزمات منزل الزوجية من أجل ألا يتكلم الناس. نرهق الشاب بشبكة سوليتيير أو شبكة باهظة الثمن من أجل ألا تكون الفتاة أقل من قريناتها .. هل هذا منطق أناس عقلاء. أصبحت فكرة الخبيئة فى مجتمعاتنا فكرة متغلغلة نتعامل بها طوال الوقت، نعيش أدواراً مختلفة فى الحياة حتى نتوه عن أنفسنا. أصبحنا نعتنق ما يعتنقه الآخرون وليس ما نريد اعتناقه نحن حتى يرانا الناس كما يحبون هم، وليس كما نحب نحن أن نرى أنفسنا. فإلى متى سنظل مقيدين .. إلى متى سنظل نرى أنفسنا بأعين الآخرين؟ ألم يحن الوقت لنكون أنفسنا؟!