سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ذات يوم 20 سبتمبر1970.. عبدالناصر يقطع إجازته المرضية ويطلب من سوريا عدم تدخلها فى الاشتباكات بين الجيش الأردنى والمقاومة الفلسطينية والفريق صادق يتمكن من لقاء ياسر عرفات
استطاع الفريق محمد أحمد الصادق، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، الوصول إلى ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واجتمع به فى الأردن، 20 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1970، وأرسل برقية إلى جمال عبدالناصر يخبره بالأجواء الخطيرة المحيطة بالاجتماع، وآخر تطورات مهمته لوقف القتال بين الجيش الأردنى والمقاومة الفلسطينية، الذى اندلع يوم 16 سبتمبر 1970. قادت مصر التحركات العربية لوقف هذه المأساة المعروفة بمذابح «أيلول الأسود»، بأن أرسل عبدالناصر الفريق صادق إلى الأردن يوم 18 سبتمبر للقاء الملك حسين وياسر عرفات، وقطع عبدالناصر إجازته المرضية التى أجبره عليها الأطباء، وعاد من مطروح إلى الإسكندرية ثم إلى القاهرة فى «20 سبتمبر»، وتصف زوجته السيدة تحية فى مذكراتها «ذكريات معه» حالته: «لم أره يستريح، كل وقته كان مشغولا بمتابعة أخبار الاعتداء على الفلسطينيين فى الأردن، وأمضى يومى الأحد والاثنين «20 و21 سبتمبر» يمهد لمؤتمر قمة عربى، ويطلب الرؤساء والملوك العرب بالتليفون ويتحدث معهم»، وقال لى: «سنغادر الإسكندرية فى المساء». وفى الأردن تأخر لقاء الفريق صادق مع ياسر عرفات إلى 20 سبتمبر لخطورة الأوضاع الأمنية، ويذكر المجلد السابع من «الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970»عن «مؤسسة الدراسات الفلسطينية»: «أرسل الرئيس جمال عبدالناصر إلى الملك برقية ثانية بشأن وقف إطلاق النار، قال فيها: «تلقيت من الفريق محمد صادق أنه بعد جهد طويل، وبعد مخاطر عديدة تمكن من ترتيب لقاء مع الأخ ياسر عرفات، وذلك ضمن مهمته التى كلف بها من الإخوة معمر القذافى وجعفر نميرى ومنى، وتستهدف وضع حد للحرب الأهلية فى الأردن، ثم علمت الآن أن المكان الذى رتب فيه الاجتماع يتعرض فى هذه اللحظات لقصف عنيف من عناصر الجيش الأردني، إننى أتمنى من كل قلبى أن تتخذوا من القرارات الفورية ما هو كفيل بوضع حد لما يجرى الآن». رد الملك حسين مبررا إطلاق قواته للنار، وقال: «يؤسفنى أن يكون الطرف الآخر قد أعرض عن ندائكم، ولم يتورع حتى عن قصف مقرى طول ساعات المساء، كما فعل طوال الليالى الأربع الماضية، ويسرنى أن أنقل ظهور بوادر مشجعة لتحقيق لقاء بين الإخوة، وقد طلبت من الحكومة إشراك الأخ الفريق محمد صادق الجديد وإطلاعه على كل النتائج». كانت كل هذه الأحداث تتلاحق يوم 20 سبتمبر، وخلالها أرسل «عرفات» رسالة إلى «عبدالناصر»، قال فيها: «تلقيت رسالتكم التى وصلتنى فى هذه الظروف الدقيقة الحاسمة التى تتعرض فيها ثورتنا لأخطر تصفية تهدد كيان ووجود شعبنا اللاجئ الفلسطينى، ومما يحز فى النفس أن الرصاص العربى هو الآن يحاول أن يتمم ما عجزت عنه قوى الصهيونية والاستعمار طوال خمس سنوات، إن الثورة الفلسطينية التى اعتبرت من أنبل الظواهر التى أنتجها شعبنا تقف الآن فى مناقع الدم تواجه المؤامرة بكل شراستها وعنفها وخطورتها، وإن الأيام القادمة هى أخطر الأوقات وأدقها على مسيرة النضال لأمتنا العربية جميعا، وإن الثورة الفلسطينية التى أعلنت مرارا وتكرارا أنها لا تتدخل فى أى شأن من الشئون الداخلية للدول العربية فوجئت بهذه الهجمة الشرسة عليها يقوم بها وينفذها الجيش الأردنى، الذى كنا وإياه نقف فى خندق واحد فى مواجهة العدو الصهيونى لمدة ثلاث سنوات، وخضنا وإياه معارك كثيرة أهمها «الكرامة»، وتعرضنا سويا لطائرات الإسرائيليين ومدافعهم فى ظل أقسى الظروف وأقل الإمكانيات. لقد كان لندائكم وثقة إخوانكم أثرهما الكبير فى الاستجابة لهذا النداء، فأعطيت الأوامر فورا بإيقاف إطلاق النار منا إذا وافق الطرف الآخر على ذلك، ولكننا فوجئنا أن إطلاق النار لم يتوقف منهم منذ ساعة إعلان الحكومة الأردنية ذلك، مما يوضح بما لا يدع مجالا للشك أن نية السلطة فى الأردن هى السير فى خطتها حتى النهاية تستهدف تصفية الثورة الفلسطينية، إننا سنعمل بكل طاقتنا بالتعاون مع الفريق محمد صادق موفد الرؤساء الثلاثة، وسنبذل قصارى جهدنا لمحاولة إيقاف هذه المآسى التى ابتلى بها شعبنا، وإننى أكرر طلبى من الأخ الرئيس عبدالناصر أن يعمل مع إخوانه عملا سريعا لإيقاف هذه المحنة وهذا الدمار الذى فاق كل تصور». وفيما كان عبدالناصر يكثف جهوده للتهدئة، كان الرئيس السورى نورالدين الأتاسى يهاجم السلطة الأردنية، وأمريكا وإسرائيل، ويذكر محمود رياض وزير خارجية مصر فى مذكراته «البحث عن السلام والصراع فى الشرق الأوسط»: «أرسلت الحكومة السورية بعض مدرعاتها إلى داخل الأردن لإظهار تضامنها السياسى مع الفلسطينيين ولتخفيف الضغط عنهم، واشتبكت مع القوات الأردنية»، ويؤكد رياض: «رأى عبدالناصر أن التحركات الأمريكية تشير إلى احتمال تدخل أمريكى وقد تستعين بالقوات الإسرائيلية، وكانت الولاياتالمتحدة ستجد فى وجود القوات السورية بالأردن مبررا لتدخلها، وهكذا بادر عبدالناصر إلى الإبراق للحكومة السورية يطلب منها عدم التدخل عسكريا، ثم أرسل نائبه إلى الملك فيصل فى الرياض للتشاور معه».