عزيزي القارئ، لم يعد الترند مجرد موجة عابرة على منصات التواصل، بل أصبح قوة اجتماعية وثقافية تشكل وعي الأجيال وتؤثر في اختياراتهم وسلوكياتهم. ما نراه اليوم على السوشيال ميديا من هاشتاجات منتشرة أو مقاطع فيديو متداولة لا يقف عند حدود الترفيه أو الفضول، بل يتجاوز ذلك ليصنع اتجاهات فكرية ويؤثر في السلوك الاجتماعي ومن ثم في القرارات المجتمعية. المعنى المهني للترند على مواقع السوشيال ميديا هو اتجاه أو ميل يخص موضوعًا أو حدثًا أو فكرة في صورة أو فيديو أو محتوى له جاذبية خاصة، ويكون الأكثر تداولًا وانتشارًا بين الناس في فترة زمنية قصيرة، من خلال مشاركة واسعة مدعمة إعلاميًا أو عبر المؤثرين على الأجيال. فالمراهقون يعيشون في حالة تقليد دائم وقد يتأثرون سلبًا بترندات خطرة، بينما الفئة الشبابية وخاصة الباحثين عن هوية وانتماء يرون في الترند مساحة لإثبات الذات. وهكذا يتشكل الرأي العام أحيانًا من موجات عابرة لا نعلم مصدرها أو من يقف خلفها، الأمر الذي يعرض المجتمع لخطر التقلبات غير المحسوبة. عزيزي القارئ، مما سبق نجد أن هناك ربطًا مباشرًا بين الترند والنظريات الاجتماعية مثل نظرية الغرس الثقافي حيث يرسخ التكرار القناعات، ونظرية الحاجة والإشباع حيث يختار المتلقي ما يحقق حاجاته، أما التكنولوجيا الإجبارية التي فرضت علينا فهي بدورها تعيد تشكيل السلوك، ونظرية الصمت القائم على الاستقبال فقط، والتي يمثلها ما يُعرف ب "فريق الكنبة"، وهم الأخطر لغياب وضوح ردود أفعالهم ومن هنا سنجد حلا او سنصنع حل ، سنجد - - اجتهاد ، سنجد - - ارادة من خلال السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا نحلل الترند؟ الإجابة واضحة: لأنه مرآة لوعي المجتمع واهتماماته، وأداة لتوجيه الرأي العام، وهو ميزان يحدد ما هو ضار أو نافع. فالترند الإيجابي يرفع الوعي وينشر الأمل ويحفز السلوك البنّاء ويحتاج إلى دعم منظم ليصل إلى الناس، بينما الترند السلبي يثير الفوضى وينشر الشائعات ويهدم القيم الاجتماعية، والأخطر سرعة انتشاره لاعتماده على الإثارة. من هنا جاءت فكرة لجنة فلترة السوشيال ميديا، وهي لجنة متخصصة من خبراء الإعلام والسوشيال ميديا تقوم بالمتابعة والفلترة، أي تحديد الضار من المحتوى ودعم الترندات الإيجابية لتصل لشرائح أكبر، مع التوعية عبر إرشادات للمستخدمين حول كيفية التمييز بين الترند الهادف والهادم. هذه اللجنة لا تعني الرقابة وإنما التوجيه الواعي، ويمكن أن نطلق عليها "لجنة الطوارئ الإعلامية" لتحويل الترند إلى "أداة تنمية". وأكرر هنا ضرورة دعم الترند الإيجابي عبر الإعلام الرسمي والمؤثرين، والتعامل مع الترند السلبي بذكاء الخبرات الحياتية، فلا قمع ولا تضخيم، بل تحجيم وتوضيح. كما أرجو من صانع القرار إدماج هذه المفاهيم المشار إليها أعلاه في دورات تدريبية مجانية للشباب والموظفين الجدد، لتوضح كيف نصنع محتوى إيجابي وكيف نواجه الترندات السامة، وكيف نصبح عناصر فاعلة في توجيه الرأي العام، مع التركيز على تعزيز الوعي الأسري والمدرسي، وخاصة للأجيال الصغيرة الأكثر عرضة للتأثر. عزيزي القارئ، الترند لم يعد مجرد هاشتاج يتصدر المنصات، بل أداة لصناعة الوعي الجمعي. إنه سلاح ذو حدين: إما أن نستخدمه لبناء العقول والأجيال، أو نتركه يهدم قيمنا. والمسؤولية مشتركة بين إعلام واعٍ، ومؤسسات داعمة، ومجتمع يملك وعيًا نقديًا يحول الترند من موجة عابرة إلى طاقة إيجابية. وتذكر أن الترند يعلو كزبد فوق موج هائج، أما الحقيقة فتبقى في الأعماق رسوخ.