منذ 2015 وقد كتبت فى نفس هذه المساحة ما يقرب من 5 مقالات عن اقتراح مصر على لسان رئيسها عبدالفتاح السيسى، ضرورة تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، تكون درعا وسيفا، وتحفظ وتصون الأمن القومى العربى، وأن الأحداث على مدار العشر سنوات الماضية، على وجه التحديد، أثبتت أن مصر كان لها بُعد نظر، وقدرة على قراءة الخرائط وتقديرات الموقف، فيما يتعلق بالأوضاع فى المنطقة والمخاطر المحدقة بالوطن العربى من المحيط إلى الخليج. وخلال مؤتمر القمة العربى الإسلامى، الذى يعقد فى العاصمة القطرية، الدوحة، لمناقشة التعدى السافر لإسرائيل على دولة عربية ذات سيادة، بالمخالفة لكل القوانين والأعراف الدولية، وأيضا للبحث عن حلول لهذه العربدة الإسرائيلية وتهديدها بإشعال نار حرب إقليمية لا قِبل لها، وتؤثر على نظام السلم العالمى، فإن هناك صراخا وضجيجا مفرطا فى تل أبيب، وبدأت الآلة الإعلامية للكيان المحتل تصب جل اهتمامها على قمة الدوحة، وتحذر من توصل العرب إلى تأسيس جيش عربى موحد. هذه المخاوف الإسرائيلية تؤكد أن العرب فرطوا كثيرا فى حق أنفسهم، وأنهم لو كانوا تجاوزا الخلافات الصغيرة، ونظروا للمستقبل نظرة واقعية، وآثروا التكامل والوحدة، اقتصاديا وعسكريا، لكان لهم شأن كبير، وصاروا رقما مهما من أرقام معادلة القوة فى المنطقة، ولما تعرض الأمن القومى العربى إلى هذا الزلزال العنيف المهدد بإسقاط دول من فوق الخرائط الجغرافية، فى الوقت الحالى. ولو كان العرب استجابوا لاقتراح مصر منذ 10 سنوات بتشكيل قوة عربية مشتركة، ما آلت إليه الأوضاع الحالية، على الأقل من باب الردع، وكلما أشاهد وأعايش الواقع، أتألم وأتحسر كمواطن مصرى عربى، وأنا أرى الوضع الإقليمى المشتعل، وتهديدات حقيقية تنال من الأمن القومى العربى برمته، ولا يوجد وطن عربى واحد بمنأى عن هذه المخاطر، ويزداد الألم والوجع. إن الاقتراح لاقى قبولا واستحسانا كبيرا. واتخذت حينها خطوات جدية لتشكيل هذه القوة من الدول العربية الفاعلة، ومن يختار الانضمام إليها طواعية. وانطلاقا من القول المأثور الشهير «أن تصل متأخرا خيرا من ألا تصل أبدا»، يمكن أن يفعلها العرب اليوم فى قمتهم ويقررون تشكيل جيش عربى موحد، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن الخطوات التنفيذية اتخذت من قبل والمشروع جاهز وموجود فى أدراج مكاتب الجامعة العربية، ففى 29 مارس 2015، كان مجلس جامعة الدول العربية قد وافق رسميا على الفكرة، وصدر قرار الموافقة رقم 628 وتقرر إعداد بروتوكول مكتوب يتضمن 12 مادة، يحدد تعريفا كاملا لمهام القوة، وجاء فى المادة الثانية ما يلى: - التدخل العسكرى السريع لمواجهة التحديات والتهديدات الإرهابية التى تشكل تهديدا مباشرا للأمن القومى العربى. - المشاركة فى عمليات حفظ السلم والأمن فى الدول الأطراف، سواء لمنع نشوب النزاعات المسلحة، أو لتثبيت سريان وقف إطلاق النار واتفاقيات السلام، أو لمساعدة هذه الدول على استعادة وبناء وتجهيز قدراتها العسكرية والأمنية. - المشاركة فى تأمين عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين فى حالات الطوارئ الناجمة عن اندلاع نزاعات مسلحة، أو فى حالة وقوع كوارث طبيعية تستدعى ذلك، وحماية وتأمين خطوط المواصلات البحرية والبرية والجوية بغرض صيانة الأمن القومى العربى ومكافحة أعمال القرصنة والإرهاب، وعمليات البحث والإنقاذ، بجانب أية مهام أخرى يقررها مجلس الدفاع. إذن هناك أساس يمكن البناء عليه، والإسراع فى التنفيذ، ليكون- على الأقل رسالة ردع قوية لكل أعداء الأمة، بأن العرب صاروا على قلب رجل واحد، وامتلكوا درعا وسيفا مدافعا يدرأ المخاطر عن كل الأمة. يمكن التأكيد على أن قمة الدوحة تأتى فى وقت تمر فيه الأمة بأخطر مراحل تاريخها، وأن القادة والزعماء يحملون فوق أكتافهم آمال الشعوب العربية، بأن يتخذوا قرارات قوية رصينة تتطابق مع الواقع ولا تتصادم أو تتقاطع معه قرارات قابلة للتحقق، وتتسق مع قدرات الأمة، وحقها الأصيل فى الدفاع عن مقدراتها وأمنها واستقرارها، فهل يفعلها القادة والزعماء العرب اليوم، ويتخذون قرار إحياء فكرة تشكيل جيش عربى قوى؟ وفى الأخير، نود التأكيد على أن مصر دائما المبادرة بالأفكار والأطروحات المتماهية مع الواقع، لتصب فى صالح الأمة، وتعظيم قدراتها وحفظ مقدراتها، وصيانة أمنها القومى ضد كل عابث أو طامع، وأن التاريخ دائما ينحاز للحق والعدل، وينصف مصر، ويُعلى من شأن مواقفها الشريفة فى الوقوف بقوة مع الأشقاء فى أزماتهم، متجاوزة كل خلاف مهما كان، بجانب صدق نصائحها، وقدرات قيادتها على استشراف المستقبل.