أكد السفير مصطفى الشربينى الخبير الدولى فى الاستدامة وتقييم مخاطر المناخ والرئيس التنفيذى لأول معهد للاستدامة والبصمة الكربونية فى مصر، أن آلية تعديل حدود الكربون تمثل واحدة من أهم التشريعات الأوروبية التى ستغير ملامح التجارة العالمية خلال السنوات المقبلة، وأن المفوضية الأوروبية تسعى من خلالها إلى فرض رسوم على المنتجات المستوردة من خارج الاتحاد بما يعادل حجم الانبعاثات الكربونية المتولدة عن صناعتها وذلك بهدف منع ما يسمى بتسرب الكربون أى انتقال الصناعات كثيفة الانبعاثات من أوروبا إلى دول لا تلتزم بمعايير صارمة في خفض الانبعاثات. وقال الشربيني ، فى تصريحات لوكالة أنباء الشرق الاوسط اليوم ، إن هذه الآلية سيكون لها تأثير مباشر على الاقتصاد المصرى خاصة أن الاتحاد الأوروبي يمثل الشريك التجاري الأول لمصر حيث يذهب إليه نصيب كبير من صادراتنا في قطاعات مثل الأسمدة والحديد والصلب والألومنيوم والبتروكيماويات والأسمنت، لذلك يجب أن تستعد مصر جيداً لهذا التشريع حتى لا تواجه صادراتها رسوماً إضافية تقلل من قدرتها التنافسية في الأسواق الأوروبية. وتابع:"من هنا تبرز الحاجة الماسة إلى حلول عملية ومتكاملة تبدأ من بناء القدرات المحلية في حساب البصمة الكربونية وتبني أنظمة قياس وإدارة الانبعاثات وفقاً للمعايير الدولية مثل بروتوكول الغازات الدفيئة مع أهمية ربط ذلك بالاستراتيجيات الوطنية لخفض الانبعاثات وتعزيز كفاءة الطاقة والتوسع في استخدام الطاقة المتجددة ، كذلك هناك ضرورة لتوفير آليات تمويل خضراء لمساعدة الصناعات المصرية على الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة والتحول إلى عمليات إنتاج منخفضة الكربون". وأضاف الشربينى أن معهد الاستدامة والبصمة الكربونية في مصر يقوم بدور محوري في دعم هذه الجهود من خلال تقديم برامج تدريبية متخصصة لبناء قدرات الكوادر المصرية على فهم آلية تعديل حدود الكربون وطرق حساب البصمة الكربونية وإعداد تقارير الاستدامة وفق معايير الاتحاد الأوروبي والدولية، ويعمل المعهد أيضا على إعداد دراسات متقدمة لتقييم المخاطر والفرص المرتبطة بالتشريعات الأوروبية الجديدة وتقديم حلول عملية للشركات المصرية بما يضمن استمرار تنافسيتها فى الأسواق العالمية، كما يقوم بمساعدة الشركات المصرية والعربية في إعداد جرد لانبعاثاتها وفق بروتوكول الغازات الدفيئة، ويدعمها في إعداد تقارير استدامة متوافقة مع معايير GRI ومعايير الإفصاح المالي الدولية IFRS S1 و S2 والمعايير الأوروبية ESRS ، وكذلك تقديم شهادات معترف بها دوليًا في مجال البصمة الكربونية والاستدامة حيث نسعى فى المعهد أن نكون بيت خبرة إقليمي يساعد الشركات ليس فقط على الامتثال للآليات الأوروبية، وإنما أيضًا على الاستفادة من الفرص التمويلية المتاحة عبر السندات الخضراء وصناديق المناخ الدولية. وقال الشربينى : إذا كانت آلية تعديل الكربون على الحدود تمثل تحديًا ضخمًا يفرض ضغوطًا على الصناعات التصديرية، فإن الحل يكمن في تحويل هذا التحدي إلى فرصة استراتيجية كبرى لمصر لكي تعيد صياغة نموذجها الصناعي والتجاري وفقًا لمتطلبات الاقتصاد الأخضر العالمي. ولفت إلى أن خارطة الطريق لمصر يجب أن تتحرك على ثلاث مراحل متكاملة، قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، ففي المدى القصير أي من 2025 إلى 2026 ، يجب التركيز على التوعية والتدريب وإطلاق مشروعات تجريبية في القطاعات الأكثر عرضة لتأثير CBAM" آلية تعديل حدود الكربون"، أما في المدى المتوسط أي من 2026 إلى 2030 فيجب أن نعمل على إطلاق سوق وطني للكربون والتوسع الكبير في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر وربطها بالصناعات التصديرية، بينما في المدى الطويل حتى عام 2050 يجب أن نضع نصب أعيننا هدف الوصول إلى الحياد الكربوني الكامل وتحويل مصر إلى مصدر رئيسي للمنتجات الخضراء ذات التنافسية العالمية. وأشار الى ضرورة وضع استراتيجية وطنية شاملة لخفض الانبعاثات الصناعية وهذه الاستراتيجية يجب أن ترتكز على إنشاء نظام وطني للرصد والإبلاغ والتحقق من الانبعاثات يعرف اختصارًا ب MRV، وهو نظام يضمن قياس الانبعاثات بدقة وفق معايير بروتوكول الغازات الدفيئة ومعايير الأيزو ، ويتيح للدولة أن تقدم بيانات معترف بها دوليًا، وهو ما يسهل على المصدرين المصريين أن يثبتوا التزامهم أمام سلطات الاتحاد الأوروبي عند تطبيق CBAM". وأضاف أن السياسات وحدها لا تكفي، إذ يتعين على الصناعات نفسها أن تدخل في مرحلة تحديث تكنولوجي عميق، ففي قطاع الأسمنت على سبيل المثال يجب الاستثمار في تحسين كفاءة الطاقة والانتقال إلى أنواع وقود بديلة منخفضة الكربون، وفي قطاع الأسمدة يتعين التحول التدريجي إلى إنتاج الأمونيا الخضراء باستخدام الهيدروجين المنتج من مصادر متجددة بدلًا من الغاز الطبيعي، أما صناعة الحديد والصلب فهي مطالبة باعتماد تكنولوجيات أفران القوس الكهربائي واستخدام الكهرباء المتولدة من الطاقة الشمسية والرياح، بينما تحتاج صناعة الألومنيوم والبتروكيماويات إلى تقنيات لاحتجاز الكربون وإعادة استخدامه بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة وهذه التغيرات التكنولوجية ليست سهلة ولكنها ممكنة إذا توفرت الحوافز والتمويلات الخضراء. وأكد الشربينى أن آلية تعديل حدود الكربون ليست عقبة أمام الاقتصاد المصري وإنما هي جرس إنذار يدعونا جميعًا حكومة وقطاعًا خاصًا ومجتمعًا مدنيًا إلى العمل المشترك، فهي فرصة لكي نعيد صياغة نموذجنا التنموي على أسس الاستدامة ولكي نحجز لمصر مكانًا في خريطة الاقتصاد الأخضر العالمي، مشيرا إلى أن معهد الاستدامة والبصمة الكربونية ملتزم بأن يكون شريكًا فاعلًا في هذا التحول التاريخي عبر بناء القدرات وتقديم الدعم الفني والتدريبي، حيث نمتلك الخبرة والإرادة والقدرة على أن نجعل من هذا التحدي نقطة انطلاق نحو مستقبل أخضر وأكثر تنافسية لمصر.