مات .. وكفت عن الكلام شهر زاد .. وانتهى الليل الطويل .. شديد الظلمة والسواد .. وبدا فى الأفق نور الفجر .. ترسمه فى قصاصات الورق .. سطور من دموع .. من دماء .. من مداد .. افتحوا كفيه .. فتشوا .. ابحثوا .. بين اللفائف والأكفان والرباط .. فى حنايا الكف والأنامل .. يختفى أثر العصى والسياط .. افتحوا أصابعه التى قد أطبقت .. على بقايا جزء من رغيف .. قد سلها من ثغر طفل جائع .. قد نالها من جاره الكفيف .. شحاذ حارتنا الساكن فوق أسفلت الرصيف .. *** مات .. لترتفع أكف الناس تبتغى إله العدل والميزان .. يا إله .. يامعيد الحق هازم الطغيان .. ياخير الشهود هذا خطاب النفس .. خافت الألحان .. باكيها .. تعزف الدموع والحسرات والآهات .. وكل الكون والوجود .. مآسيها .. قد مات مغتصب الحقوق .. هذا شهيد .. هذا غريق .. هذا حريق .. هذا كبير .. الدهر أثقل ظهره الرقيق .. سرقوا الطحين منه وأحرقوا داره .. لما أبى أن يسلم للكبير أرضه .. ليضمها لحديقة قصره الكبير ... ** هذا صغير.. قد كان كل حلمه فى أن يرى .. اللعبة الصغيرة يحملها أبوه العامل البسيط .. كل مساء .. لم ينس يوما أن يعود لبيته .. بلعبة رخيصة حمراء أوزرقاء .. ويدسها تحت الغطاء .. فالطفل نام .. ومل الانتظار وذات يوم جمعة .. وفى وضح النهار والعامل البسيط وطفله الصغير فى ساحة الصلاة .. تسابقت رصاصات الجنود .. لتخترق الرؤوس والصدور والجلود ... وأمطرت السماء بالدماء ومات العامل البسيط .. والطفل ينظر فى ذهول .. ..تكلم .. يا أبى .. لا ترتبك قد أغرقوا ملابسى الجديدة .. من دمك ! ** وهذه أم لاتنام .. ولهيب حرقة الفراق يغلى فى الصدور.. ماعاد فى الوجوه إلا شىء من حطام .. وفى الوجدان صرخة تزلزل الأركان كأنها زفير نار تنكوى بها الأيام .. وكأنه فى النفس حرك البركان .. ظلت تناجى ابنها الملفوف فى خرقة تحت التراب وتشتكى . .. ولداه ..كم كنت يوما أشتهى .. زيارتك فى عرس دارك .. وحلمت دوما أن أصير جدة لصغارك فأداعب ابنك أو أهنهن ابنتك .. ..فوجدتنى أنام الليل .. عند قبرك .. تعبر الجرذان فوق جثتى .. وألملم الغطاء من فوقى .. لألقيه عليك كعادتى .. الليل أصبح الترياق والصديق .. ونعيق البوم صار لى خير الصديق .. وأنتظر الرحيل بكل شوق ولهفة .. ياويلتى .. أيطول العمر بى ولا ألقاك فى غدى ؟