فى لحظة يختلط فيها الدم بالصمت، والدموع بالغبار، خرج صوت من قلب القاهرة، يحمل نبرة رجل يعرف معنى أن يرى طفلًا يبحث عن أمه تحت الأنقاض، أو أمًا تصرخ ولا تسمعها الدنيا. لم يكن خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى مجرد كلمات رسمية، بل بدا وكأنه محاولة لإنقاذ ما تبقى من ضمير فى هذا العالم المتبلد، حيث أصبح الموت فى غزة مجرد خبر عابر. "الوضع فى غزة لا يطاق".. بهذه الجملة اختصر الرئيس السيسى وجعًا لا يمكن وصفه، منذ السابع من أكتوبر، والعالم يشاهد غزة تئن تحت وطأة الحرب، ولا يزال كثيرون يبحثون عن أعذار للصمت، لكن مصر، لم تغلق أبوابها، ولا قلبها، بل تحركت بصبر، وعملت بهدوء، وعاندت المستحيل. ثلاثة أهداف رفعها الرئيس بوضوح، وقف الحرب، إدخال المساعدات، والإفراج عن الرهائن، وجميعها أهداف إنسانية قبل أن تكون سياسية، تحمل فى جوهرها الرغبة فى إنقاذ الإنسان، لا فرض الشروط، وسط بحر من التصريحات المتضاربة والمصالح المتشابكة، جاء صوت مصر ثابتًا، متمسكًا بحل الدولتين، ومؤمنًا بأن لا سلاح يمكنه أن يزرع سلامًا حقيقيًا. الرئيس السيسى لم يكتف بالكلام، بل وضع الإصبع على الجرح، 600 إلى 700 شاحنة مساعدات يجب أن تدخل يوميًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة فى غزة، و أن مصر لم تكن يومًا عائقًا، بل كانت وما زالت الممر الذى يحمل الخبز والحليب والدواء إلى من فقدوا كل شىء، لكنه، وبصدق واضح، تحدث عن تعقيدات المعابر، والتنسيق الضرورى من كل الأطراف، فالمسألة ليست رغبة، بل معركة يومية مع الواقع. فى لحظة شديدة الإنسانية ، وجه نداءً عاجلًا من أعماق قلبه إلى العالم، إلى الضمير العالمى، وإلى من يملكون القرار، كانت كلماته موجهة إلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، "من فضلك، أبذل كل ما فى وسعك لإنهاء هذه الحرب ، فأنت تملك القوة والمكانة التى تؤهلك لذلك، أنت القادر على وقف المعاناة وفتح أبواب الأمل والمساعدة" لم يكن هذا مجرد طلب سياسى، بل كان صرخة إنسانية تنبض بالحياة، كفى .. كفى ألمًا، كفى دموعًا، كفى دماء، كفى حروبًا. ما قاله الرئيس السيسى لم يكن تبريرًا لموقف، بل كشفًا عن الحقيقة، أن هناك مساعدات جاهزة تنتظر فقط أن يفتح لها الباب، وأن مصر لا تمنع، ولا تماطل، بل تصبر، وكأنها تقول للعالم، لا تجعلوا دماء الأبرياء رهينة للمفاوضات. فى زمن تشوهت فيه الحقائق، وتاهت فيه المعايير، تبقى المواقف التى تنبع من الأخلاق هى ما يصنع الفرق، وموقف مصر - كما عبر عنه الرئيس السيسى - موقف من لا ينتظر شكرًا، ولا يخشى لومًا، بل يسعى فقط لوقف الألم. نعم، الوضع فى غزة لا يطاق، الأطفال هناك لا يعرفون لماذا يموتون؟، ولا الأمهات يعرفن كيف يخفين الحزن عن أعين من تبقى من أبنائهن، فى هذا المشهد القاتم، لا بد لصوت الإنسانية أن يعلو فوق كل الحسابات. وها هى مصر، رغم كل جراحها، تظل واقفة، تمد يدها لأشقاء يقفون على حافة الفناء، وتقول للعالم، "ارفعوا الحصار عن القلوب قبل المعابر.. افتحوا الطرق للحياة قبل أن تطفئ الحرب كل نور باق فى غزة".