في توقيت يحمل دلالات بالغة الأهمية جاء بيان وزارة الداخلية المصرية الأخير بشأن إحباط مخطط خلية "حسم" الإرهابية ليضع أمامنا مجددا حقيقة لا يمكن تجاهلها، وهى أن خطر جماعة الإخوان الإرهابية لا يزال قائما، وأن إصرارها على استهداف الدولة المصرية لم يتراجع رغم الضربات المتتالية التي تلقتها، بل ربما ازداد شراسة مع كل هزيمة. ونجاح الداخلية في إحباط وضرب مخطط حركة حسم الإرهابية أحد أذرع جماعة الإخوان يؤكد على يقظة الدولة المصرية وأجهزتها الأمنية وقدرتها على مكافحة الإرهاب والقضاء عليه والحفاظ على مقدرات واستقرار الوطن. منذ إطاحة الشعب المصري بحكم الإخوان في ثورة 30 يونيو، اختارت الجماعة العنف سبيلا وحيدا للعودة إلى المشهد، بعد أن لفظها المجتمع ورفض مشروعها. صحيح أن العمليات النوعية للجماعة قد تراجعت خلال السنوات الماضية بفضل يقظة الأجهزة الأمنية، إلا أن بيان الداخلية يكشف عن حقيقة خطيرة مفادها أن الإخوان لا تزال تضع الإرهاب كخيار استراتيجي، وليس مجرد رد فعل عابر أو وسيلة مؤقتة، فالتنظيم الذي أفرز "حسم" وباقي الخلايا المسلحة، لم يهزم فكريا ولا تنظيميا، بل أعاد تموضعه في الخارج، حيث يجد ملاذا آمنا ودعما مستمرا من قوى إقليمية معروفة.
ما حمله بيان وزارة الداخلية يتجاوز كونه مجرد خبر عن تفكيك خلية إرهابية، ليصبح رسالة واضحة في الداخل والخارج، كشف المخطط الذي تم إحباطه مؤخرًا، والمرتبط بإحياء نشاط "حسم"، أن الجماعة وضعت الدولة الاقتصادية والأمنية على قائمة أهدافها، في محاولة واضحة لضرب استقرار البلاد من أكثر من اتجاه، وجود معسكرات تدريب بالخارج لعناصر مدربة عسكريا يعكس إصرار الإخوان على تصدير الفوضى لمصر، وتكثيف هجماتها ضد مؤسسات الدولة الحيوية. ولم يكن غريبا أن يلمح البيان لأول مرة إلى دولة مجاورة تحتضن تلك القيادات وتوفر لهم الدعم اللوجستي، في إشارة لا تخطئها العين إلى تركيا.
لكن أخطر ما في بيان الداخلية هو ما كشفه عن امتلاك الجماعة لأدوات إعلامية ودعائية تعمل بالتوازي مع تحركاتها المسلحة، حيث تم العثور على تسجيلات مصورة لتدريبات عناصر الخلية تم إعدادها لبثها لاحقا بهدف تضخيم قدراتها وإثارة الذعر في نفوس المواطنين، بما يعكس أن الإخوان لا تخوض معركتها ضد الدولة في ميدان السلاح فقط، بل في ميدان الوعي أيضا، وهنا تتجلى أهمية البُعد الإعلامي والأيديولوجي في الحرب ضد الإرهاب، باعتبار أن المعركة الحقيقية هى معركة عقول قبل أن تكون معركة بنادق.
ورغم النجاح الأمني اللافت الذي تحقق بإحباط المخطط وتصفية بعض العناصر الإرهابية، تبقى الأسئلة الكبرى قائمة حول كيفية التعامل مع هذا الخطر المتجدد، إذ أن التركيز على المواجهة الأمنية فقط قد يحقق نتائج وقتية، لكنه لن يكون كافيا لاجتثاث جذور المشكلة، الإرهاب الذي تمارسه جماعة الإخوان هو في جوهره مشروع سياسي يتخذ من العنف أداة، ومن هنا فإن هزيمته لن تتحقق إلا عبر ضرب مشروعه في الأساس، وكشف زيف خطاباته، وتجفيف مصادر تمويله، وفضح علاقاته الخارجية.
من هنا، تبرز ضرورة العمل على أكثر من مسار في مواجهة هذا التهديد. أولها، تحصين المجتمع من الداخل عبر نشر الوعي بخطورة الجماعة ومخططاتها، وتحديث أدوات الخطاب الإعلامي والديني والتعليمي، حتى لا تجد الجماعة حاضنة جديدة بين شباب قد يتعرض للتجنيد والاستقطاب. ثانيها، التحرك على المستوى الدولي لمحاصرة الجماعة دبلوماسيًا، ووضع الدول الداعمة لها في مأزق سياسي وأخلاقي. وثالثها، الاستمرار في تطوير المنظومة الأمنية مع التركيز على الضربات الاستباقية، كما حدث في العملية الأخيرة.
ما يدعو للتأمل أن جماعة الإخوان الإرهابية رغم كل ما تعرضت له من هزائم وانكسارات منذ سقوطها عن الحكم، لا تزال مصرة على تدمير الدولة المصرية، وكأنها تعاقب الشعب المصري نفسه على رفضه لها، إنها جماعة لا تؤمن بالوطن، ولا ترى في الدولة سوى غنيمة يجب الاستيلاء عليها أو تدميرها إن استعصت، وتنفذ أجندات العدو وقوى الشر لزعزعة استقرار مصر، وهذا ما يجعل خطرها مستمرا، ومعركتنا معها طويلة، ومصر لن تنكسر وأن تستسلم.
وفي النهاية، فإن بيان وزارة الداخلية كان تحذيرا للمجتمع كله بأن العدو لا يزال متربصا، وبأن استقرار الدولة لا يزال مستهدفا، وهو تذكير بأن حماية مصر ليست مهمة الشرطة والجيش وحدهما، بل مسؤولية وطن بأكمله، في معركة لا تحتمل الغفلة أو التراخي. فالإخوان لم تتغير، والخطر لم يختفِ، والمعركة مستمرة.