كما أن الملوك على مر التاريخ لم ترحم شعوبها، فإن التاريخ هو الآخر لم يرحم أولئك الملوك الظالمين، وكشف أفعالهم وأظهر سوآتهم وفضح مؤامراتهم، ولكن الملوك تنسى سير من سبقوها، ولا يتذكرون سوى الكرسى وبريقه وسلطانه، وعندما تأتيهم لحظة الندم يكون الأوان قد فات. ونرى سويا الزعيم بن الزعيم بشار بن الأسد، ذلك الطبيب الذى عندما جاء إلى سدة الحكم فى سوريا على يد أعوان أبيه من أقزام البشر وأنصاف الرجال، تفاءلتُ به خيرا لأنه طبيب، أى أنه مرهف الحس، يفهم طبائع النفس البشرية، أقرب لخالقه من باقى البشر، وأنه ليس عسكريا، وسط غابة من الكابات والنسور والنياشين، التى تملأ الكراسى والقصور العربية، من الشرق للغرب، ومن الشمال للجنوب، وأنه شاب وسط شلة العواجيز ومرضى القلب والسكر والسرطان من حكام العرب.. وعندما سمعت خطابه الأول قلت الله عليك ياولد، وتمنيت لمصر شابا مثله، ولكن الكلمات دائما ما تكون عكس الخطوات،فلقد خط بشار طريقا فى البداية غير أبيه الجبار الظالم الفاجر ،ولكنه خدعنا بعنوان الوداعة والهدوء والرقة، وبمقدمة مكتوبة تملؤها الحكمة والعلم والحرص على الوطن ملؤها حديث الكرامة والشرف، ولكننا عندما قرأنا سطورها وجدناها مملوءة بالدم فى لبنان تارة، وفى سوريا أخرى، حتى سقطت من يده دواة الحبر، واكتشفنا أنه يكتب بعصير الدم بدلا من الحبر، ويحمل بدلا من القلم والدواة ،الرشاشات والمدافع والطائرات ،ليطلقها فى وجه شعبه الأعزل،الذى يطالب بحياة كريمة وبعيشة كباقى البشر،ولكنه ضن على أهله بالحرية والكرامة ،وبدلا من أن يطعم شعبه خبزا وأرزا ودقيقا وسمنا أذاقه طعم الرصاص والقنابل والقاذفات المهلكة ،ودمر بيوته ومبانيه، وقتل رجاله الشرفاء، واعتدى على نسائه الطاهرات وشردهن على الحدود فى المخيمات ،وقتل الأطفال كما فعل فرعون،ولم يبقى على الحرث والنسل ،بدلا من أن يوجه قاذفاته وصواريخه وجنوده أعوان الظلمة فى وجه عدو الأمة إسرائيل ليستعيد القدس أو حتى الجولان ،ولكنه أبى أن يكون أسدا على إسرائيل وصار أمامها فأرا مذعورا أو خروفا بين القطيع يخاف الذئب ،ونصب من نفسه فارسا مغوارا وأسدا جائعا يأكل شعبه ويمتص دماءه ويترك جثثه فى الشوارع لا تجد من يواريها التراب. ووقف العالم الكاذب المنافق المدعى يتفرج ،ووقف العرب خائفون مذعورون على كراسيهم كالعادة ،ووقف علماء الإسلام فوق المنابر يمصون شفايفهم ،ولا ينطقون بالحق ،ووقف الإعلام العربى كله ينشر فظائع الحقير بشار فى حق شعبه ،ولسان حاله يقول اقتل كمان يابشار علشان نبيع صور وأوراق كمان وكمان، ووقفنا نحن الشعوب نتفرج بلا حيلة ،ووقف المصريون غارقون فى الجدل ،تائهون فى الشوارع ونسوا حق الأمة عليهم ،ولو تحدثت مع أحدهم تجده يزجرك ويزويك فى ركن مصر وفقط ،قائلا ياعم إحنا عندنا إللى مكفينا . وسأحكى من التاريخ قصة رائعة لملك مسلم هو المعتمد بن عباد ملك أشبيلية أروع الحواضر الأندلسية والذى عاش فى عصر ملوك الطوائف وولد فى البرتغال حاليا وتوفى فى منطقة أغمات قرب مراكش بالمغرب ،وكان شابا، فارسا، شاعرا مجيدا، يحب الأدب؛ فاجتمع فى بلاطه نجوم ساطعة من أرباب ونوابغ الشعر من أمثال بن عمار، وابن زيدون، وابن اللبانة، وابن حمديس الصقلي، و كان المعتمد شاعرا هو وزوجته اعتماد الرميكية . فى العقدين 1020، 1030 سقطت الخلافة وظهر ملوك الطوائف الذين قسموا الدولة المسلمة إلى 22 دويلة، منهم غرناطة وأشبيلية والمرية وبلنسية وطليطلة وسرقسطة والبرازين والبداجوز وبلنسية ودانية والبليار ومورور ،وبينما ورثت تلك الدويلات ثراء الخلافة، إلا أن عدم استقرار الحكم فيها والتناحر المستمر بين بعضها البعض جعل منهم فريسة للملك ألفونسو السادس، الذين كانوا يدفعون الجزية إليه وكانوا يستعينون به على أخوانهم وذات يوم جاء وزير ألفونسو لأخذ الجزية، فأساء الأدب مع المعتمد، وطلب بكل وقاحة، أن يسمح لزوجة ألفونسو الحامل أن تضع مولودها فى أكبر مساجد المسلمين، لأنه تم التنبؤ لها أنها إذا ولدت هناك سيدين المسلمين بالولاء لولدها ،فغضب المعتمد وقتل الوزير, وعندما علم ألفونسو السادس بقتل وزيره، غضب وسار إلى أشبيلية وحاصرها بجيشه، وبعث إلى المعتمد بن عباد يخبره أنه سيمكث هنا ولا يوجد ما يضايقه سوى الذباب، ويأمره أن يبعث له بمروحة ليروح بها الذباب، فلما وصلت هذة الرسالة إلى المعتمد قلبها وكتب على ظهرها : والله لئن لم ترجع لأروحن لك بمروحة من المرابطين ،هدد المعتمد بالأستعانة بدولة المرابطين، فخاف ألفونسو وجمع جيشه وأنصرف. واستعان المعتمد بيوسف بن تاشفين زعيم دولة المرابطين فى المغرب العربى الذى عبر مضيق جبل طارق فى جيش جرار وهزم ألفونسوا وحاول أن يعيد مجد الأندلس ،وهنا دب الخلاف بين بن تاشفين الزاهد العابد وبين المعتمد المسرف الذى يبتغى الدنيا ،فتحالف المعتمد ضد المرابطين واستعان بأعدائهما فى قشتالة،ولكن النصر كان حليف بن تاشفين ،وما كان منه إلا أن قبض على المعتمد وحبسه فى سجن أغمات وعاش فقيراً مجرداً من ماله منفيا ومقيدا. ومن هذه القصة نعلم أن الملوك تتلون وفى كل مرة لا تراعى شعوبها بل لا تفكر إلا فى موقعها من الكرسى والقيادة، فالمعتمد خضع لأنفونسو ودفع الجزية له وحارب حكام المسلمين رضاء له ،وعندما خاف على كرسيه وقف موقفا بطوليا ورفض الجزية واهانة وزير ألفونسوا ،واستعان بيوسف بن تاشفين وهزموا الفونسوا واستعادا سويا المجد والكرامة ، وعندما خاف ثانية من ابن تاشفين ،غدر به واستعان بأعدائهما معا فى قشتالة وكان جزاءه فى الدنيا النفى فى صحراء المغرب والعيش فى حياة الذل والقهر وكان جزاؤه فى التاريخ أن يكتب فى سجلات الملوك الذين لم يراعوا فى شعوبهم ودينهم إلا ولا ذمة . واذكرك يابشار بيوم كيوم المعتمد بن عباد أو يوم كيوم مبارك أو نهاية كنهاية صدام أو قتلة كقتلة القذافى ،فهل تعتبر أو تتعظ أو تعلم أن يومك آت، وشعبك عندها لن يرحمك ، والتاريخ عندها لن ينساك وسيضعك فى أقذر صفحاته، مع فرعون وهامان والنمروذ ويأجوج ومأجوك ،وكل من سفك دما على الأرض الطاهرة ،أو أهان بنى البشر واستعبدهم وهم قد ولدوا أحرارا .