المقدرة على التحمُّل سبيلُ الوِصال؛ لمتابعة طريق حتمًا سنجد فيه عثراتٍ؛ فتلك طبيعة المكوِّن الحياتيِّ، ودون مواربةٍ يمكّنُنا من الوصول إلى غاياتٍ نرْسُمها في خضمّ آفاق نتطلع إليها، وهذا يمثلُّ صورة للصبر الإيجابيِّ، الذي منحنا الشعورُ بالمسئوليَّة، والعمل المستدام من أجل أن نحصدَ ثمراتٍ تلْو الأخرى، وهنا نتحدث عن استمرارية عطاءاتٍ متنوّعة، ونوعيّة، لا تجْعلُنا نتوقف، بل، تجدِّدُ فينا بوارقَ الأمل، والطموح، وترفع من سقْف الآمال المشروعة، التي تَبْعثُ في النفوس طاقاتٍ مُتَّقدة، لا تنْضبُ. الاستمتاعُ بمفردات الحياة التي نُمْنَحُ إياها بفضل صبْرنا، الذي يعتمد على إيجابيّة النِّفوس؛ فلا نضَّجرُ، أو نتململُ، من ضغوطٍ بعينها، أو أحداثٍ جارية، تحمل ما لا يُرْضينا، أو ما لا نرغبُ فيه، أو بفُقْدانٍ لمن نُحبُّ؛ رُغْم حقِّنا المشْروعِ في إبداء الحزن عليه، إلى غير ذلك، مما قد يُسّبب لنا اضطرابًا، أو توتُّرًا، أو ألمًا ماديًّا، أو معنويًّا، ناهيك عن أن إيجابية الصَّبر، تُقوِّي إرادتنا، وتفْتحُ آفاق الرؤى لدينا، نحو إشراقة قد تطولُ حاضَرنا، ومسْتقبَلنا؛ ومن ثم لا نثأرُ لأسباب، قد تبْدو في مكْنونِها بسيطة، أو تُوقِد فينا طاقةَ الغضَب، إذا ما تعرَّضْنا إلى أضرار، قد تنالُ من مصالحنا، أو حتى من ذواتِنا؛ فتتوالدُ لدينا المقدرةُ على الإتيان بتفسيرات، من شأنها أن تحِدَّ من شدِّة الآثار السَّلْبيَّة، وتدْحرَ محاولة التأْجيجِ الدَّاخليَّة منها، والخارجيَّة على السَّواء. الصَّبْرُ الجميل، يمْنحُنا طاقة إيجابية، تُسْهم في الحِفاظ على توازننا الانفعاليِّ؛ فلا ننساقُ وراء أقاويلَ، تستهدف تأْليب مشاعرنا، أو تجْعلنا نخرج عن سياق قيمِنا المجتمعية، أو تسْتميلُنا للخضوع، نحو السلبيّة، التي تورّثُنا الإحباط؛ ومن ثم نُصَابُ بأمراض يصعب حصْرها، ونخْرجُ من ساحة مُفْعمةٍ بالتَّفاؤل إلى بوتقة تتفجَّرُ بداخلها براكينُ الغضب، التي قد نُوجِّهُها بقصد، أو بدون قصد، تجاه الهدف الخاطئ؛ لذا فقد يتأْخرُ النَّصرُ، وتزداد الفجوةُ بين إرادتِنا، وعزيمتِنا، وطريق النَّجاح، والفلاح. ما يُشْغلنا من قضايا، ومشكلاتٍ، قد خلقت قدراتٍ تستطيع تحقيق أقْصى استفادة فائقة من معطياتٍ بين أيدينا؛ ومن ثمَّ يصبح هذا الأمرُ حتميًّا نعتاد عليه؛ نتيجةً للمناخ النفسيِّ الدَّاعمِ لوجدانٍ راقٍ، تُقْبلُ بعد قناعةٍ تامةٍ لكل ما تؤول إليه الأحداثُ من نتائجَ، دون معاداةٍ، أو انفعاليَّةٍ مُفرطةٍ، أو عدوانٍ موجّهٍ، وهنا تتحقَّقُ فلْسفةُ الاستقرار النفسيِّ، ونبتعد عن كل ما يؤدي إلى زيادة الضغوط، والتوتراتِ التي تُصيب مراكزَ الإحساس لدينا؛ كي لا تتعطَّلُ بؤرُ الشُّعور، وتصبحُ مُتبلِّدةً نحو كثير من مُجْريات الأحداث من حوْلنا. ثمْرةُ الصَّبر الإيجابيِّ تُسْهمُ في تعزيز ما نمْتلكه من قوة داخليَّة، تجْعلُنا لا نفْترُ، أو نتعثَّرُ في طريقنا نحو مسْتهدفاتِ خِطَطنا لها سلفًا، ووضعْنا لها سيناريوهاتٍ طموحةً، وهنا نتحدَّثُ عن مرونة يتوجبُّ أن نحوزَ ماهيّتها؛ لنخلُقَ لأنفسنا مزيدًا من الفُرصِ، ونوِّفرُ الكثيرَ من البدائل، ونعضِّدُ ما لدينا من مقوِّمات، ونحاول اسْتثْمارها بصورة فاعلة، ونعظِّم من نتائجَ توصَّلْنا إليها؛ كي تُعَدُّ مُعزَّزة؛ لاسْتكمال المسِيرة، والمُضيِّ قُدُمًا. الإيجابيَّةُ التي تعتمد على الصَّبر تفتح لنا بوارقَ الأمل، مهما واجهْنا من محنٍ، ومُنغِصَّاتِ الحياة، سواءً أكانت على مراحل، أم جاءت متفرقة، وهذا لا يمْنعُنا من التَّفاعل اللَّحْظيِّ مع طبيعة الحدث، بل، يجعلُنا قادرين على الفهم، والاسْتيعاب، ونترك ساحة التخبُّط، ونحاول الوصولَ إلى المواقع الصَّائبة، كما نسْتخلصُ الأسبابَ التي تقف وراء مالا يدْركه الغيرُ، وهنا تنبعث فينا طاقات الطُمأْنينة، ونصبح يقظين لكل ما يدور من حوْلِنا. من مُميزات الصَّبر الإيْجابيِّ تعزيز النَّفس البشريَّة، تجاه تجاهل فلْسفة الاسْتسْلام، التي قد تنتج عن فشلٍ؛ حيث يحثُّنا على المحاولة تلْو الأخرى، ويحضُّنا على حصْر نقاط الضَّعف؛ كي نعمل على مُعالجتها، بل، يؤكد علينا تعظيم نِقاط القُوَّة؛ كي نكْسرَ حاجزَ الرُّكود، ونصلَ إلى ما نبحثُ عنه، ونرْسمُ رؤىً طموحةً، تجعلنا لا نتوقف عن العطاء ما حَيينا، وهذا في جُمْلته يُشّكل الفلْسفة الحقيقية وراء ماهيَّة الاسْتخْلاف على الأرْض، التي قد تحمَّلْنا أمانةَ إعْمارِها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر