كتبت قبل عام مقالا يقيّم وضع المفاوضات على اتفاقية مكافحة الأوبئة بمنظمة الصحة العالمية، مستعرضا أهم الموضوعات المطروحة عشية بدء الدورة التاسعة للجهاز التفاوضى للاتفاقية بجنيف، واليوم وبعد عام من هذا المقال، يسعدنى أن أزف للقارئ وللمهتمين بموضوعات الصحة العامة فى مصر والعالم العربى نبأ اعتمادالاتفاقية يوم 20 مايو 2025 خلال اجتماعات جمعية الصحة العالمية المنعقدة بجنيف حاليا، وهى حدث سنوى كبير يشارك فيه وزراء الصحة، ودعى له هذا العام عدد من رؤساء الدول والوزارات وشارك بعض آخر برسائل متلفزة، كالرئيس الفرنسى ماكرون. وقد جاء اعتماد الاتفاقية بتوافق الآراء على مستوى جمعية الصحة العالمية كتطور إيجابى، وفى ظرف صعب للعمل الدولى متعدد الأطراف من ناحية، وبسبب انسحاب الولاياتالمتحدة المقرر من منظمة الصحة العالمية، ووقف تمويلها البالغ حوالى 12% من ناحية أخرى، مما يؤثر بالسلب على عمل المنظمة وكثير من أنشطتها وبرامجها، إلا أنه فى النهاية ليس العامل الرئيسى فى عملها فى ظل اهتمام وحرص دولى متزايد على استمرار عمل المنظمة، بل وتعزيزه فى ظل تعاظم المخاطر الصحية وتشعبها، مما أمكن معه الانتهاء من التفاوض على الاتفاقية بهذه الصفة فى ثلاث سنوات فقط، لذا جاء وصف جميع المراقبين للاتفاق بأنه تاريخى، حتى لو كان هناك تطلع لأن تكون بعض أحكام الاتفاقية أكثر إلزاماً فيما يخص التمويل، ونقل تكنولوجيا إنتاج المستحضرات الطبية ذات الصلة بالأوبئة، وتعزيز القدرات الصحية بالدول النامية، ولكن بنظرة منصفة، فإن الاتفاقية الوليدة تعد ثانى اتفاقية ملزمة قانونا، يتم التوصل إليها فى إطار منظمة الصحة العالمية «بعد اتفاق مكافحة التبغ قبل 23 عاما»، وقد وضعت لأول مرة ترتيبات لكيفية العمل الدولى للتعاطى مع الأوبئة المستقبلية، سواء على مستوى الوقاية ورفع درجة الاستعداد والتأهب، أو التعامل مع تفجرها، بما فى ذلك ترتيبات متعلقة بالبحث والتطوير، والوصول إلى توزيع عادل فى الإنتاج العالمى للأمصال، وتعزيز القدرات الإقليمية فى هذا الصدد، والعمل على نقل التكنولوجيا لتحقيق هذا الهدف من خلال إجراءات محددة نصت عليها الاتفاقية، فضلا عن إنشاء شبكة للإمداد العالمى للمستحضرات الطبية المتعلقة بالأوبئة، تنسق عملها منظمة الصحة العالمية والعمل على إتاحة حرية الوصول لهذه المنتجات من قبل مختلف الدول الأعضاء. كما تضمنت الاتفاقية إنشاء نظام لتبادل مسببات الأمراض، وتقاسم المنافع بشأنه سيجرى بلورة تفصيلاته فى ملحق منفصل يبدأ التفاوض عليه، اعتبارا من يوليو 2025، على أمل الانتهاء منه خلال عام، ليُفتح- مع الاتفاقية- للتوقيع مع الدورة المقبلة لجمعية الصحة العالمية عام 2026، وسيتيح هذا النظام قيام شركات الأدوية المهتمة بالحصول على مسببات الأمراض ومعلوماتها بشكل شرعى - بما فيها الشركات الأمريكية- الدخول فى عقود مع منظمة الصحة العالمية تنظم ذلك، وعلى أن تستهدف إتاحة 20% من الأمصال التى تنتجها للمنظمة، نصفها على الأقل مجانا، والنصف الآخر بسعر التكلفة. يعتبر ما تقدم تطورا جديدا وإنجازا بكل المقاييس ينبغى دعمه، بل والبناء عليه مستقبلا أثناء تنفيذ الاتفاقية إلى جانب باقى الأحكام، ومنها المتعلق بالاستثمار بشكل أكبر فى المجال الصحى وتطويره ورفع قدراته، واتباع سياسات صحية ومجتمعية متطورة، ومنها منهج الصحة الواحدة بمعنى الترابط بين البشر والحيوانات والبيئة بما فيها النباتات، وتوفير المناخ المناسب للعاملين بالمجال الصحى، وغيرها من إجراءات وأحكام تضمنتها الاتفاقية، وهى متاحة للجميع على الموقع الإلكترونى لمنظمة الصحة العالمية.